ديفيد واسيك: نجاح المرشحين في هذه الولايات يعتمد على قدرتهم في جذب الناخبين «منخفضي المشاركة»
موضوعات مقترحة
ناثان جونزاليس: هذه الولايات شهدت في الانتخابات السابقة تقلبات كبيرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي
جيسيكا تايلور: النجاح في هذه الولايات سيؤثر على سباق الكونجرس والمجالس التشريعية
بن تشو: الولايات المتأرجحة والصدأ ساحة المعركة في انتخابات 2024 وهاريس قد تحقق مكاسب بالقضايا الاقتصادية
عبر تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لعبت الولايات المتأرجحة دورًا حاسمًا فى تحديد من سيصل إلى البيت الأبيض، بينما تنقسم معظم الولايات إلى أغلبية تميل بوضوح إما إلى الحزب الجمهورى أم الديمقراطي، تظل الولايات المتأرجحة - المعروفة أيضًا بـ«الولايات الحاسمة» - غير مستقرة فى تفضيلاتها الانتخابية، ما يجعلها الهدف الرئيسى لحملات المرشحين. فمنذ أواخر القرن العشرين وحتى اليوم، كان من المستحيل تقريبًا الفوز فى الانتخابات الرئاسية، دون الفوز ببعض هذه الولايات الحاسمة.
تاريخيًا، تظهر بعض الولايات بشكل متكرر كولايات متأرجحة فى الانتخابات الرئاسية، مثل فلوريدا، أوهايو، وبنسلفانيا. هذه الولايات لم تلتزم دائمًا بحزب واحد، بل كانت تنتقل بين الحزبين الجمهورى والديمقــراطــى، بنـاءً علــى الظــروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل فترة انتخابية.
الولايات المتأرجحة هى تلك التى تتأرجح بين التصويت لصالح المرشح الجمهورى أو الديمقراطي. وغالبًا ما تكون هذه الولايات محل تركيز كبير من قبل الحملات الانتخابية، لأنها تحتوى على نسب متقاربة من الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين، ما يجعل التصويت النهائى غير محسوم. فى الواقع، كانت الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى عام 2000 بين جورج بوش الابن وآل جور مثالًا صارخًا على قوة الولايات المتأرجحة. فلوريدا، التى كانت واحدة من الولايات المتأرجحة الرئيسية فى تلك الانتخابات، قررت نتيجة السباق بفارق ضئيل للغاية. كذلك فى انتخابات 2016، كانت ثلاث ولايات متأرجحة - بنسلفانيا، ميتشيجان، وويسكونسن - هى التى أهدت دونالد ترامب فوزه المفاجئ.
فى السباق الرئاسى لعام 2024، تتجه الأنظار مجددًا إلى الولايات المتأرجحة وحزام الصدأ (Rust Belt) كمناطق حاسمة فى تحديد نتيجة الانتخابات. تلك الولايات، التى تضم ميتشيجان، بنسلفانيا، وويسكونسن، والتى كانت معاقل تقليدية للديمقراطيين، كانت ساحة المعركة الرئيسية التى تمكن فيها دونالد ترامب من قلب الطاولة فى عام 2016، مما أدى إلى فوزه غير المتوقع. الآن، مع استعداد كامالا هاريس لمواجهة ترامب، تظل هذه الولايات الميدان الذى يمكن أن يحسم نتائج الانتخابات مرة أخرى. ولكن، أى من المرشحين يسيطر على هذه الساحة الآن؟
لقد ربط ترامب نجاحه فى 2016 بتحقيق وعود ضخمة للناخبين فى ولايات حزام الصدأ، حيث وعدهم بإعادة إحياء الصناعة الأمريكية، وخصوصاً فى قطاعى الصلب والسيارات. قدّم ترامب نفسه كمنقذ للعمال الصناعيين الذين شعروا بأنهم أهملوا من قبل النخب السياسية، ونجح فى استقطاب دعمهم من خلال خطاب شعبوى. ركّز على إعادة الوظائف التى خرجت من البلاد نتيجة للعولمة والسياسات التجارية الفاشلة، وفقًا لتصريحاته.
لكن بعد أربع سنوات فى البيت الأبيض، لم تتحقق تلك الوعود بالشكل الذى كان متوقعًا. فرض ترامب رسومًا جمركية على واردات الصلب، إلا أن الفوائد التى حققتها الصناعة المحلية كانت محدودة، وارتفعت تكلفة المواد الأولية للعديد من الصناعات الأخرى، مما أدى إلى إغلاق بعض المصانع وتسريح الآلاف من العمال. فى ميتشيجان وحدها، خسرت صناعة السيارات آلاف الوظائف، مما أصاب الناخبين بخيبة أمل كبيرة. ومع ذلك، يحتفظ ترامب بشعبية بين بعض القطاعات من الطبقة العاملة البيضاء، التى تظل مخلصة له بسبب وعوده بحماية الاقتصاد الأمريكى ومواجهة الصين فى الساحة التجارية.
بالنسبة لكامالا هاريس، تمثل ولايات حزام الصدأ فرصة هائلة لاستعادة ما فقده الديمقراطيون فى 2016. برغم أن هذه الولايات كانت جزءًا من الحزام الأزرق الذى سيطر عليه الديمقراطيون لعقود، فإن ترامب استطاع استغلال الغضب المتنامى بين العمال الصناعيين للفوز بها. ولكن مع عدم تحقق الكثير من وعود ترامب، تمتلك هاريس فرصة لتقديم نفسها كقائدة قادرة على تقديم سياسات اقتصادية أكثر شمولية وفاعلية.
هاريس تستطيع استعادة دعم الناخبين من خلال التركيز على القضايا الاقتصادية الأساسية، مثل تحسين البنية التحتية، توفير فرص عمل جديدة فى الصناعات المتطورة، ودعم الصناعات التقليدية التى تعتمد عليها هذه المناطق. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحول ديموغرافى فى هذه الولايات، حيث يزداد دعم الناخبين الشباب والنساء، وهى الفئات التى تميل إلى تأييد السياسات التقدمية التى تعزز العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية.
إلى جانب ولايات حزام الصدأ، هناك ولايات متأرجحة أخرى مثل أريزونا وجورجيا اللتين أصبحتا ساحات معركة جديدة فى الانتخابات الأمريكية. تتسم هذه الولايات بالتنوع الديموغرافى المتزايد، خصوصاً مع تزايد أعداد الناخبين من أصول لاتينية وسوداء، مما يعزز فرص هاريس فى كسب تأييد هذه الفئات إذا استطاعت تقديم سياسات تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية التى تؤثر على حياتهم اليومية.
حتى الآن، يبدو أن المعركة فى ولايات حزام الصدأ والولايات المتأرجحة لا تزال مفتوحة على مصراعيها. ترامب يظل محتفظًا بشعبية قوية بين الناخبين الذين يشعرون بأنهم أهملوا لفترة طويلة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة فى إعادة بناء الثقة بعد فشل سياساته الاقتصادية فى تحسين الأوضاع بشكل ملموس. أما هاريس فإنها تملك الفرصة لتقديم نفسها كبديل قادر على إصلاح الاقتصاد ودعم الطبقات المتوسطة والعاملة.
المعركة فى هذه الولايات ستكون مفتاحًا للفوز فى الانتخابات. أى مرشح يستطيع تقديم رؤية اقتصادية شاملة، وحلول حقيقية للناخبين فى هذه المناطق، سيكون لديه أفضلية قوية فى الاقتراب من البيت الأبيض فى 2024 .
فى أغلب الانتخابات الرئاسية خلال العقدين الماضيين، برز عدد من الولايات كولايات متأرجحة رئيسية. فلوريدا، بأصواتها الانتخابية الـ29، كانت دائمًا من بين الولايات الأكثر حسمًا. منذ عام 1992، كانت النتائج متقلبة فيها، حيث فاز بها الديمقراطيون فى عامى 2008 و2012، بينما انتقلت للجمهوريين فى 2016 و 2020.
أما أوهايو، التى تعتبر واحدة من أبرز الولايات المتأرجحة فى العقود الماضية، فتمثل حالة فريدة، إذ إنها صوتت لصالح الفائز فى كل انتخابات رئاسية منذ عام 1964. ومع ذلك، يبدو أن ميل أوهايو نحو الحزب الجمهورى، أصبح أكثر وضوحًا فى السنوات الأخيرة، خصوصاً مع فوز ترامب فيها بفارق مريح فى كل من 2016 و2020 .
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، يراقب المحللون السياسيون عن كثب التحولات الديموغرافية والسياسية فى الولايات المتأرجحة. حاليًا، تعتبر فلـــوريدا، بنسلفــــانيــــا، ميتشــيجان، ويسكونسن، وأريزونا من بين الولايات التى قد تكون حاسمة فى تقرير الفائز فى الانتخابات.
ويرى المحلل السياسى البارز ديفيد واسيك بأن الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا، ميتشيجان، وويسكونسن ستكون العامل الحاسم فى الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وذلك بسبب عدم التزام هذه الولايات بدعم حزب سياسى معين بشكل دائم. وأوضح واسيك أن هذه الولايات عادة ما تشهد تباينًا فى التصويت بين الانتخابات، مما يجعلها محط أنظار الحملات الانتخابية لكلا الحزبين، الجمهورى والديمقراطى، حيث يعتمد المرشحون على استمالة الناخبين الذين يتأرجحون فى اختياراتهم الانتخابية بين الحزبين.
وأضاف واسيك أن نجاح المرشحين فى هذه الولايات، يعتمد بشكل كبير على قدرتهم فى جذب فئة الناخبين “منخفضى المشاركة”. هؤلاء الناخبون لا يشاركون بشكل منتظم فى الانتخابات ولا يهتمون بالقضايا السياسية بشكل كبير، لكنهم قد يكونون حاسمين فى تغيير نتائج الانتخابات عندما يشاركون. وفى هذا السياق، أشار واسيك إلى أن ترامب كان ناجحًا فى استقطاب هذه الفئة فى انتخابات 2016 و2020، حيث تمكن من توظيف الخطابات الشعبوية والقضايا الجدلية مثل الهجرة والاقتصاد لجذب دعمهم.
ومع ذلك، حذر واسيك من أن ترامب يواجه تحديات كبيرة فى الحفاظ على هذه القاعدة الانتخابية فى انتخابات 2024. فالتغيرات الديموغرافية والتحولات فى اهتمامات الناخبين قد تؤدى إلى تراجع الدعم الذى حصل عليه ترامب سابقًا. وأوضح واسيك أن استمرار ترامب فى التركيز على الخطابات الشعبوية قد لا يكون كافيًا، إذا لم يقدم حلولًا ملموسة لقضايا أخرى مثل الرعاية الصحية والاقتصاد، وهى الملفات التى تهم الناخبين فى الولايات المتأرجحة.
من جهة أخرى، يرى واسيك أن كامالا هاريس وقيادة الحزب الديمقراطى تسعى إلى تقليص الفجوة بين الحزبين فى الولايات المتأرجحة من خلال التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، التى تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. وتركز هاريس فى حملتها على تحسين الرعاية الصحية، تخفيض التكاليف المعيشية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى السياسات التى تهدف إلى استقطاب الناخبين المستقلين والمعتدلين. وأكد واسيك أن هذه الإستراتيجية قد تكون ناجحة فى استمالة الناخبين المترددين فى الولايات المتأرجحة، خصوصاً وأنهم سيكونون العامل الحاسم فى هذه الانتخابات.
وتابع واسيك إن الولايات المتأرجحة لعبت دورًا حاسمًا فى الانتخابات الرئاسية السابقة، حيث فاز ترامب بفارق ضئيل فى ولايات مثل بنسلفانيا وميتشيجان وويسكونسن فى انتخابات 2016، وهو ما منحه التفوق فى المجمع الانتخابى وأدى إلى فوزه بالرئاسة. لذلك، يُتوقع أن تكون هذه الولايات مرة أخرى ميدانًا للتنافس الشديد فى انتخابات 2024. وأشار واسيك إلى أن تغيير عدد قليل من الأصوات فى هذه الولايات قد يكون له تأثير كبير على نتائج الانتخابات.
بينما أكد المحلل السياسى ناثان جونزاليس الدور المحورى الذى تلعبه الولايات المتأرجحة مثل ميتشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن والمعروفة أيضًا كجزء من ولايات الصدأ فى تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. وبيّن جونزاليس أن هذه الولايات شهدت فى الانتخابات السابقة تقلبات كبيرة فى التصويت بين الحزبين الجمهورى والديمقراطي، مما يجعلها ساحة معارك رئيسية فى السباق بين كامالا هاريس ودونالد ترامب.
وفقًا لجونزاليس، تعتمد هاريس على جذب أصوات الناخبين المستقلين والطبقات العاملة فى حزام الصدأ، خصوصاً مع تركيزها على القضايا الاقتصادية، مثل إعادة التصنيع وتحسين البنية التحتية. تعتبر هذه القضايا ذات أهمية خاصة للناخبين فى هذه الولايات، الذين يعانون من فقدان الوظائف وانخفاض مستوى الدخل على مر السنوات.
يعتقد جونزاليس أن هاريس تسعى لاستعادة ثقة هذه الفئات، من خلال تقديم خطط اقتصادية طموحة تركز على تحسين أوضاعهم المعيشية وتعزيز سوق العمل المحلي.
من ناحية أخرى، يشير جونزاليس إلى أن ترامب يعتمد على استعادة الدعم الذى حصل عليه فى انتخابات 2016، حيث استطاع آنذاك جذب الناخبين من الطبقة العاملة البيض فى ولايات حزام الصدأ، الذين شعروا بأن النخب السياسية أهملتهم. ترامب يعتمد فى إستراتيجيته على قضايا مثل الهجرة وإعادة التوظيف فى محاولة لاستعادة هؤلاء الناخبين وكسب تأييدهم مرة أخرى. جونزاليس يؤكد أن ترامب يخطط لتكرار نجاحه السابق فى هذه الولايات من خلال تقديم نفسه كمدافع عن العمال والمصالح الاقتصادية للطبقات المتوسطة والدنيا.
كما أشار جونزاليس إلى أن نتائج الانتخابات فى هذه الولايات لن تؤثر فقط على السباق الرئاسي، بل سيكون لها تأثير كبير على نتائج انتخابات الكونجرس أيضًا. حيث إن الفوز فى هذه الولايات سيؤثر بشكل مباشر على السباقات التشريعية، وبالتالى سيحدد الحزب الذى سيسيطر على مجلس الشيوخ والنواب. إذا تمكنت هاريس من تحقيق نتائج قوية فى هذه الولايات، فإنها ستعزز فرص الديمقراطيين فى السيطرة على السلطة التشريعية، والعكس صحيح بالنسبة لترامب إذا استعاد السيطرة على حزام الصدأ.
أكدت جيسيكا تايلور المحللة السياسية بان ولايات ميتشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن تُعتبر جزءًا مما يُعرف بـ”الحزام الأزرق” الذى كان يهيمن عليه الحزب الديمقراطى لعقود، ولكن بدأ فى التغير منذ انتخابات 2016 حين استطاع ترامب قلب الطاولة لصالحه فى هذه الولايات، مما أعطاه الأفضلية فى المجمع الانتخابي.
وأشارت تايلور لأهمية هذه الولايا ت بأنها مفتاح للفوز بالانتخابات الرئاسية، حيث تحتوى على عدد كبير من الأصوات الانتخابية، مثل ميتشيجان (15 صوتًا) بنسلفانيا (19 صوتًا) وويسكونسن (10 أصوات)، وقالت تايلور إن هذه الولايات تعتمد بشدة على الصناعة والوظائف، ما يجعل القضايا الاقتصادية مثل إعادة الوظائف وتحسين البنية التحتية محورية للمرشحين، وأضافت أن هاريس تحتاج إلى تعزيز دعمها بين العمال والمجتمعات المتنوعة، وخصوصاً الشباب والنساء، الذين يمكنهم قلب الموازين لصالحها.
على الجانب الآخر، أشارت إلى أن ترامب لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين العمال البيض فى هذه الولايات، الذين يرون فيه الأمل لإعادة الوظائف الصناعية التى فقدت على مدار العقود الماضية. برغم ذلك، تعتقد تايلور أن هاريس قد تنجح فى جذب الناخبين إذا ركزت على قضايا مثل تحسين البنية التحتية الاقتصادية وتقديم حلول ملموسة للعمال المتضررين من التغيرات الاقتصادية.
تُعتبر ولايات حزام الصدأ منطقة حساسة لأى مرشح يسعى للفوز فى الانتخابات، وتايلور تؤكد أن النجاح فى هذه الولايات، سيؤثر أيضًا على سباق الكونجرس والمجالس التشريعية، مما يجعل المعركة الانتخابية على أشدها فى هذه المنطقة المحورية.
أوضح بن تشو المحلل الاقتصادى فى صحيفة The Independent أن ولايات الصدأ والولايات المتأرجحة، هى ساحة المعركة الرئيسية فى انتخابات 2024 وهاريس، قد تحقق مكاسب إذا ركزت على القضايا الاقتصادية.
وأوضــح تــشــــو أن ميــتشــــيجان وبنســــلفانيا وويسكونسن تُعد مناطق حاسمة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. هذه الولايات، التى لطالما كانت مراكز رئيسية للصناعة فى الولايات المتحدة، عانت من تراجع اقتصادى كبير خلال العقود الأخيرة، بسبب التغيرات الصناعية والتوجه نحو العولمة، ما أدى إلى فقدان الآلاف من الوظائف.
تشو أشار إلى أن الناخبين فى هذه الولايات، وخصوصاً العمال الصناعيين، كانوا العامل الحاسم الذى ساهم فى فوز دونالد ترامب فى انتخابات 2016، وذلك بعد أن وعدهم بإعادة إحياء الصناعة المحلية، وبخاصة صناعة الصلب والسيارات. ومع ذلك، لاحظ تشو أن تأثير سياسات ترامب الاقتصادية كان محدودًا، حيث لم تتحقق معظم الوعود المتعلقة بإعادة الوظائف وتحسين الصناعة فى هذه المناطق. وبرغم فرضه رسومًا جمركية على واردات الصلب، فإن صناعة الصلب لم تشهد النمو المتوقع، بل إن بعض الصناعات مثل السيارات تأثرت سلبًا بارتفاع التكاليف، مما أدى إلى إغلاق مصانع وتسريح العمال.
بالنسبة لانتخابات 2024، يرى تشو أن ترامب سيواجه تحديًا كبيرًا فى إعادة كسب دعم الناخبين فى حزام الصدأ، خصوصاً مع وجود خيبة أمل بين بعض الناخبين، الذين لم يروا التحسن الاقتصادى الذى وُعدوا به. على الرغم من ذلك، لا يزال يتمتع بشعبية بين بعض الناخبين من الطبقة العاملة البيض الذين يرون فيه المرشح الأنسب لإعادة إحياء الصناعة الأمريكية.
أما بالنسبة لكامالا هاريس فيرى تشو أن لديها فرصة حقيقية لتحقيق مكاسب فى هذه الولايات، إذا ركزت حملتها الانتخابية على القضايا الاقتصادية الأساسية. تحسين البنية التحتية، خلق فرص العمل، ودعم الصناعات المحلية، يمكن أن يكونوا مفتاح نجاح هاريس فى كسب دعم الناخبين فى حزام الصدأ. وأشار تشو إلى أن هاريس بحاجة إلى تقديم حلول واقعية ومقنعة لتحسين الاقتصاد فى هذه المناطق الصناعية، التى تأثرت بشدة على مدار العقود الماضية.
يعتقد تشو أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ستعتمد بشكل كبير على أداء المرشحين فى الولايات المتأرجحة، وخصوصاً حزام الصدأ، وأن أى تغيير فى توجهات الناخبين فى هذه المناطق قد يكون حاسمًا فى تحديد الفائز، بنسلفانيا وويسكونسن تُعد مناطق حاسمة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. هذه الولايات، التى لطالما كانت مراكز رئيسية للصناعة فى الولايات المتحدة، عانت من تراجع اقتصادى كبير خلال العقود الأخيرة بسبب التغيرات الصناعية والتوجه نحو العولمة، ما أدى إلى فقدان الآلاف من الوظائف.
علاقة الولايات المتأرجحة بالحزام الأزرق وولايات الصدأ
للولايات المتأرجحة علاقة وثيقة بالحزام الأزرق وولايات الصدأ. مصطلح “الحزام الأزرق” يشير إلى الولايات التى تصوت عادةً للديمقراطيين فى الانتخابات الرئاسية، ويشمل العديد من الولايات الواقعة فى شمال شرق ووسط الغرب الأمريكي، مثل ميتشيجان، بنسلفانيا، وويسكونسن. هذه الولايات، التى كانت فى السابق معاقل للطبقة العاملة، تأثرت بشكل كبير بتحولات اقتصادية نتيجة للتراجع الصناعى، وهو ما أعطاها لقب ولايات الصدأ.
التحولات الاقتصادية فى ولايات الصدأ ساهمت فى جعلها ساحات معارك انتخابية حقيقية. ففى الانتخابات الرئاسية لعام 2016، شهدت هذه الولايات انزلاقًا نحو الحزب الجمهورى، حيث نجح دونالد ترامب فى كسب تأييد العديد من العمال المتضررين من التراجع الصناعى، ووعوده بإعادة الوظائف الصناعية إلى هذه المناطق. على الرغم من أن هذه الولايات كانت ـ تقليديًا ـ جزءًا من الحزام الأزرق الذى يصوت لصالح الديمقراطيين، فإنها أصبحت أكثر تقلبًا فى السنوات الأخيرة.
دور الحزام الأزرق فى الانتخابات
الحزام الأزرق، الذى يمتد من ولايات الساحل الشرقى عبر وسط الغرب، كان فى السابق القاعدة الصلبة للحزب الديمقراطي. غير أن الصدمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة فى المناطق الصناعية أدت إلى تغير ولاءات الناخبين، حيث أصبحوا أكثر عرضة للتأثر بالشعارات الشعبوية التى يطرحها الجمهوريون، وخصوصًا دونالد ترامب.
ولعب الحزام الأزرق دورًا أساسيًا فى الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حيث تمكن الديمقراطيون من استعادة بعض الولايات المتأرجحة التى خسرها الحزب فى 2016، مثل ميتشيجان وويسكونسن. يُعتقد أن هذه الولايات ستكون مرة أخرى حاسمة فى انتخابات 2024، حيث إن أى تحول بسيط فى التصويت قد يؤدى إلى تغيير النتيجة النهائية للسباق الرئاسي.
تحول ولايات الصدأ إلى ساحات معارك انتخابية
ولايات الصدأ، التى تشمل مناطق مثل ميتشيجان، بنسلفانيا، وأوهايو، كانت لعقود جزءًا من القاعدة الانتخـــابية للديمقــــراطيــين، لكـــــن التحـــــــولات الاقتصادية وفقدان الوظائف الصناعية أثرت بشكل كبير على ولاءات الناخبين. فى الانتخابات الرئاسية لعام 2016، استفاد ترامب من الغضب المتزايد بين الطبقة العاملة فى هذه المناطق، حيث تعهد بإعادة الوظائف التى فقدتها بسبب العولمة واتفاقيات التجارة الحرة. ونجح فى تحويل بعض من هذه الولايات لصالحه بفوارق بسيطة.
فى المقابل، تمكن جو بايدن من استعادة بعض هذه الولايات فى انتخابات 2020، حيث ركز على إعادة البناء الاقتصادى والاستثمار فى البنية التحتية، وهى وعود أثارت اهتمام الناخبين فى ولايات الصدأ. مع اقتراب انتخابات 2024، ستكون هذه الولايات مجددًا ساحة معركة رئيسية، حيث سيسعى كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب إلى استقطاب أصوات الناخبين المتأرجحين فيها.
المزايا النسبية لكل مرشح فى الولايات المتأرجحة
مع بدء الحملات الانتخابية لعام 2024، تظهر لكل مرشح مزايا نسبية قد تساعده فى جذب الناخبين فى الولايات المتأرجحة:
كامالا هاريس تحظى بشعبية كبيرة بين الفئات المتنوعة مثل الناخبين من أصول إفريقية وآسيوية، ما قد يساعدها فى ولايات مثل ميتشيجان وبنسلفانيا التى تتمتع بتنوع ديموغرافى كبير. بالإضافة إلى ذلك، قد تستفيد هاريس من دعم قوى فى الضواحى، التى أصبحت تميل بشكل متزايد نحو الديمقراطيين فى الانتخابات الأخيرة.
نجد هاريس تمتلك أيضا فرصًا قوية فى الولايات المتأرجحة ذات التركيبة السكانية المتنوعة. ميتشيجان وبنسلفانيا، على سبيل المثال، تتميزان بتنوع ديموغرافى كبير، وهو ما قد يعزز فرص هاريس بفضل دعمها القوى بين الأقليات العرقية. كذلك، ازدياد نفوذ النساء والناخبين الشباب فى الولايات المتأرجحة يمكن أن يعمل لصالحها. هاريس لديها ميزة إضافية فى الضواحى التى أصبحت تميل نحو الديمقراطيين منذ الانتخابات النصفية لعام 2018، حيث سجلت انتصارات كبيرة بين ناخبى الطبقة المتوسطة والعليا فى المناطق الحضرية.
علاوة على ذلك، تعمل هاريس على تعزيز حملتها بالتواصل مع الناخبين فى الحزام الأزرق وولايات الصدأ، من خلال التركيز على التعافى الاقتصادى والاستثمار فى الطاقة النظيفة. كما أن جذورها كأول نائبة رئيس من أصل إفريقى وآسيوى، قد تمنحها دعمًا إضافيًا فى مناطق تشهد تحولات ديموغرافية، خاصة فى ولايات مثل أريزونا وجورجيا.
دونالد ترامب يتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين من الطبقة العاملة فى ولايات مثل أوهايو وفلوريدا. فى 2016 و2020، ركز ترامب على كسب تأييد هؤلاء الناخبين من خلال خطابه الذى يركز على إعادة بناء الاقتصاد ومحاربة النخب السياسية.
كما يستفيد دونالد ترامب من شعبيته الكبيرة بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة، خاصة فى ولايات مثل أوهايو وفلوريدا. ترامب يتمتع بدعم قوى بين الناخبين، الذين يشعرون بأنهم قد تضرروا من السياسات الاقتصادية للنخب السياسية، وهو ما يمثل إحدى ركائز حملته منذ 2016. فى الانتخابات المقبلة، سيعمل ترامب على استعادة الزخم الذى فقده فى ولايات مثل بنسلفانيا وميتشيجان، مع التركيز على السياسات الاقتصادية والوظائف.
ويعتمد ترامب على إستراتيجيته فى جذب الناخبين من المناطق الريفية التى غالبًا ما تميل نحو الجمهوريين، والتى يمكن أن تعوض أى خسائر فى الضواحى أو المناطق الحضرية. بالإضافة إلى ذلك، سيحاول ترامب استعادة تأييد الناخبين اللاتينيين فى ولايات مثل فلوريدا، حيث سجل الجمهوريون مكاسب ملحوظة فى السنوات الأخيرة.