الموقف الأوروبي من حرب القطاع وأوكرانيا.. تجسيد صارخ لازدواجية المعايير
موضوعات مقترحة
انقسام متزايد في أروقة صناعة السياسة الأمريكية تجاه الحرب
حزب العمال البريطاني يخسر العديد من المقاعد نتيجة موقفه
وزير الدفاع الإيطالي: إسرائيل تنشر الكراهية وتعمل على تأصيلها
تدهور العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل عشية اعتراف أيرلندا وإسبانيا بالدولة الفلسطينية
كشفت حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، الكثير من الحقائق، أهمها أن هذه الحرب، ليست فقط بين الفلسطينى، صاحب الأرض والتاريخ، وبين الإسرائيلى المحتل والمعتدى، فهى ليست كأى حرب تقليدية، لكنها فى الحقيقة تعد حربا كاشفة للمواقف والحقائق التى برع الغرب فى تزويرها وتصديرها للعالم كله، وبالتالى جاءت بمثابة الصدمة الحضارية، حيث تسببت للغرب فى العديد من الخسائر، ونحن هنا لا نتحدث عن الخسائر الاقتصادية التى تعد بالمليارات، إنما نتحدث عن الخسائر السياسية والحضارية والثقافية، حيث جاءت حرب غزة كاشفة لحقيقة الصورة المتحضرة التى سعى الغرب لتصديرها للعالم كله على أساس أنها منهج حياتهم، واتضح مع اختبار غزة أنها صورة مزيفة لا تنتمى للواقع بأى صلة، إنما هى صورة طالما استغلها الغرب لتحقيق السيطرة والهيمنة على العالم.
لطالما لعب الغرب دورا، كان يبدو متوازنا تجاه الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلى - الفلسطيني، لكن جاءت حرب غزة، لتؤكد أن الغرب أبعد ما يكون عن دور الوسيط النزيه، الذى يقدس حقوق الإنسان، وهنا ظهرت بشاعة الوجه الحقيقى للغرب والذى برز بشدة فى التناقض الكبير فى التصريحات والمواقف الغربية تجاه الحرب على غزة، وازدواجية المعايير حين تتم مقارنة مواقفهم من الحرب الروسية – الأوكرانية، مع تلك التى اعتمدوها فى حرب غزة.. وهو ما تسبب فى حدوث ارتباك كبير فى الغرب، تمثل فى ظهور طوائف وحركات جديدة وانقسامات عديدة تسببت فى العديد من الخسائر.. وقد يكون سببا رئيسيا لإعادة ترتيب النظام العالمي، بحيث يقوم على العدل والمساواة.
فقد سلطت صحيفة "الجارديان" الضوء على حركة "غير ملتزم"، التى لفتت الأنظار من خلال التصويت الاحتجاجى ضد الرئيس جو بايدن بالانتخابات التمهيدية بسبب موقفه من الحرب فى غزة.. وتحت عنوان "كيف هزت الحركة بايدن بشأن غزة"، قالت الصحيفة البريطانية، إن نجاح هذه المجموعة الشعبية "يسلط الضوء على السخط بشأن الحرب، ويمثل تحذيرا للديمقراطيين" بينما يخوضون سباق الانتخابات حتى مع اختيارهم لمرشح آخر وهى كامالا هاريس كبديل لبايدن.
وأوضحت "الجارديان"، كيف تولدت هذه الحركة فى ولاية ميشيجان، الواقعة فى الغرب الأوسط، التى يقطنها كثير من الأمريكيين العرب والمسلمين الذين دعموا سابقا بايدن، وساهموا فى فوزه بالرئاسة بانتخابات عام 2020.
حيث بدأت الحركة بالمسيرات والمظاهرات والظهور فى المناسبات العامة التى يحضرها بايدن، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لجذب انتباهه، لذلك توصلت الحركة إلى إستراتيجية جديدة، وهى مطالبة الناخبين الديمقراطيين بالإدلاء بـ"غير ملتزم"، أى عدم التصويت لأى شخص احتجاجا على الحرب فى غزة.
وأشارت الصحيفة إلى القدرة التنظيمية الهائلة لهذه المجموعة، إذ أجروا أكثر من 500 ألف مكالمة هاتفية وأرسلوا أكثر من 600 ألف رسالة نصية إلى الناخبين.
وحصلت الحملة التى أطلق عليها "استمع إلى ميشيجان"، على تأييد عشرات من المسئولين المنتخبين، مثل النائبة من أصل فلسطيني، رشيدة طليب، وعضو الكونجرس السابق، آندى ليفين.
وكانت المفاجأة أن هذه الحملة قد تجاوزت أهدافها بكثير، فقد حصلت على أكثر من 100 ألف صوت ديمقراطى فى ميشيجان صوتوا بـ"غير ملتزم" بدلا من إعطاء صوتهم لبايدن فى الانتخابات التمهيدية للحزب فى الولاية المتأرجحة.. وكان ذلك قبل انسحاب بايدن من السباق، ورغم ذلك فإن الحركة مستمرة وهو ما سيكون له تأثير كبير على سير الانتخابات خاصة فى الولايات المتأرجحة، والتى سيكون لها دور رئيسى فى اختيار رئيس امريكا الجديد.
وتحت عنوان "الغرب يخسر المسلمين الليبراليين بسبب حرب غزة".. تحدثت مجلة فورين بوليسى الأمريكية عن تصاعد الغضب فى الشرق الأوسط والعالم الإسلامى تجاه واشنطن وحلفائها، على خلفية السلوك الأمريكى بشأن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، محذرة من أن الغرب يخسر بذلك المسلمين الليبراليين.
حيث رأت المجلة الأمريكية، أن ما وصفته بـ"اللامبالاة الغربية تجاه المعاناة الفلسطينية فى قطاع غزة"، يؤكد على وجود مستوى غير مسبوق من الغضب، ومحذرة من أن الأمر يمكن أن تكون له عواقب طويلة الأمد، قد يكون أسوأ بكثير من تأثير الغزو الاميركى للعراق عام 2003، لأن المذبحة التى يرتكبها الاحتلال تعد أسوأ من أى شيء حدث خلال الحروب الأمريكية فى الشرق الأوسط، لأن الغرب يمارس "إنكارا تاريخيا" للقيم الليبرالية التى تبنتها حكوماته، ودافعت عنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بحقوق الإنسان العالمية.
وكانت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، قد نشرت مذكرة مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية، تنتقد دعم واشنطن لإسرائيل، وتدعو الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن لدعم وقف إطلاق النار فى غزة.
وأظهرت المذكرة تنامى الغضب وانقساما متزايدا فى أروقة صناعة السياسة الأمريكية من الحرب الإسرائيلية، كما أشارت إلى أن الموقف الأمريكى المنحاز لإسرائيل يسهم فى التصورات العامة الإقليمية بأن الولايات المتحدة جهة فاعلة متحيزة وغير نزيهة، وهذا فى أحسن الأحوال لا يخدم المصالح الأمريكية.
وأضافت المذكرة، حسب ما جاء فى المجلة الأمريكية، "علينا أن ننتقد علنا انتهاكات إسرائيل للمعايير الدولية مثل الفشل فى جعل العمليات الهجومية مقتصرة على الأهداف العسكرية المشروعة، وعندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانونى على الأراضى أو تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، يجب علينا أن نعلن علنا أن هذا يتعارض مع قيمنا الأمريكية حتى لا تتصرف إسرائيل دون عقاب".
وكان موقع "أكسيوس" الأمريكي، قد نشر تقريرا حذر فيه من أن "أمريكا تنقسم على نفسها بشكل صارخ بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس"، فى حرم الجامعات وأماكن العمل وشوارع المدن وداخل مبنى الكابيتول والبيت الأبيض، والفجوة آخذة فى الاتساع.
ووصلت الانقسامات حول الحرب فى غزة إلى "هوليوود"، معقل السينما الأمريكية، إذ تحدثت "نيويورك تايمز" عن انقسام الممثلين بين مؤيدين للفلسطينيين، ورافضين "لحرب الإبادة" التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، ومؤيدين لإسرائيل يجمعون التبرعات لها.. وأوضح الموقع المتخصص بتحليل الشئون الدولية أن هذه الانقسامات العميقة قد تؤثر على إعادة تشكيل السياسة الأمريكية.
ومن هنا يمكن أن نفهم أسباب المظاهرات ضد حرب غزة، بل ورفض الشباب التجنيد فى الجيش الأمريكي، كما قالت مجلة "نيوزويك" فى تحقيق لها على موقعها الإلكترونى "أن غالبية الأمريكيين فى سن الخدمة العسكرية ليسوا على استعداد للالتحاق بالجيش، إذا دخلت الولايات المتحدة فى حرب كبرى، ففى العام الماضى فشلت القوات الجوية الأمريكية فى الحصول على خدمات عشرة آلاف مجند كانت تحتاج إليهم، وقل عدد المنضمين إلى البحرية بنحو 6000 شخص عن العدد المطلوب.
لقد أدى حجم الرد الانتقامى الإسرائيلى وأعداد الضحايا المدنيين، الذين سقطوا جراء الحرب الإسرائيلية على غزة إلى اندلاع احتجاجات واسعة فى مختلف أنحاء أوروبا، مما كشف عن انقسام إضافى بين الشعوب والحكومات، وفيما تختلف الاستجابة للصراع بين بلد وأخر، بدءا من تضامن ألمانيا مع إسرائيل لاعتبارات عديدة، ووصولا إلى تعاطف أيرلندا مع الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، تظهر بعض الاتجاهات العامة، فالحكومات تنحاز إلى وجهة النظر الإسرائيلية، فيما يتحول الرأى العام ولاسيما الأجيال الشابة التى تضم نسبة كبيرة من الأقلية المسلمة لصالح القضية الفلسطينية.
نجد فى بريطانيا، أن حزب العمال قد خسر العديد من المقاعد بسبب حرب غزة، حيث تحدثت "فايننشال تايمز" عن تأثير موقف حزب العمال البريطانى وزعيمه، كير ستامر، من الحرب على غزة فى الانتخابات العامة، حيث خسر الحزب عدداً من المقاعد لصالح مرشحين مستقلين مؤيدين لفلسطين المحتلة.
فقد خسر حزب العمال 4 مقاعد أمام مرشحين مستقلين، مؤيدين لفلسطين المحتلة، فقد خسر الوزير جوناثان أشوورت مقعده أمام مرشح مستقل ينتمى إلى لائحة مؤيدة لفلسطين المحتلة فى ولاية ليستر ساوث، علما بأن عدد نسبة الناخبين المسلمين لهذ المقعد تبلغ ٪35 فقط.
كما استقال 20 نائبا من حزب العمال البريطانى احتجاجا على موقف الحزب من حرب غزة بسبب عدم رغبة القيادة فى إظهار قيمة لحياة الفلسطينيين، وحسب صحيفة الجارديان فإن زعيم حزب العمال السير كير ستارمر، أثار الغضب عندما قال "إن إسرائيل لها الحق فى حجب المياه والكهرباء عن الفلسطينيين"، مما أثار غضب الكثيرين.
وفى محاولة لتهدئة الغضب، قال ستارمر لأعضاء المجلس: "هذا وقت مرعب ومحزن للجميع الإسرائيليين والفلسطينيين والمسلمين واليهود"، مضيفا أنه يعتقد أنه من المهم أن يسمع الناس موقفنا مباشرة، لكن العديد من المطلعين يشعرون أن ذلك قليل جدا ومتأخر جدا ويسلط الضوء على التوترات داخل الحزب.
ووفقا للصحيفة، فإن الاستقالات حدثت فى مجالس بها مجتمعات إسلامية كبيرة مما يؤدى إلى فقدان حزب العمال السيطرة عليها فى نهاية المطاف بقرار من الناخبين خلال الانتخابات المقبلة.
من ناحية أخري، كان اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية مؤشرا على تغير نظرة الدول الأوروبية تجاه إسرائيل، التى قد تخسر الرهان على القارة نتيجة للانتقادات المتزايدة للعملية العسكرية التى تنفذها فى قطاع غزة.
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن مركز الثقل السياسى الأوروبى بات يبتعد عن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث عرضت حكومات أوروبية دعما لا لبس فيه للمحكمة الجنائية الدولية، بعد أن طلبت إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، إلى جانب قادة من حركة حماس.
وفى ذات السياق قال وزير الدفاع الإيطالى جويدو كروسيتو: إن القصف المكثف الذى نفذته قوات الجيش الإسرائيلى على خيام النازحين بقطاع غزة، سيزرع "كراهية" تؤثر على الأجيال القادمة فى إسرائيل.
وأوضح كروسيتو، وفقًا لوكالة أنباء "أنسا" الإيطالية، أن هناك انطباعا لدى العديد من الأشخاص بأن إسرائيل تزرع الكراهية، مما سيؤثر على أبنائها وأحفادها.
وأكد كروسيتو أن هناك فارقا بين حركة حماس والشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أنه كان من الضرورى أن يميز الجانب الإسرائيلى بينهما، مشيرا إلى أنهم كانوا يعتقدون من البداية أنه يجب التعامل بشكل مختلف مع هذه القضية.
وأضاف وزير الدفاع الإيطالى أن الدول اتفقت على ضرورة وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح، لكن لم يتم الاستماع إلى هذه المطالب، ما يجعل الوضع يبدو محبطا. وختم كروسيتو بالتأكيد أن الشعب الفلسطينى يواجه ضغوطا متزايدة دون أن تؤخذ فى الاعتبار صعوباتهم وحقوقهم، معتبرا أن ما يحدث لم يعد مبررا.
وقال مستشار الأمن القومى للبيت الأبيض جيك سوليفان، فى مؤتمر صحفي: "شهدنا بالتأكيد مجموعة متزايدة من الأصوات، بما فى ذلك الأصوات التى كانت فى السابق تدعم إسرائيل، تنجرف فى اتجاه آخر".
وفى تطور جديد للموقف الفرنسي، قال وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه: "إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "ليس من المحرمات" بالنسبة لفرنسا، لكن اللحظة المناسبة لم تحن بعد، مضيفا فى بيان "هذا القرار يجب أن يكون مفيدا".
فى النهاية فقد أكدت الحرب الدائرة فى غزة، أن الصراع الفلسطينى هو القضية الأكثر إثارة للانقسام داخل الاتحاد الأوروبي.. هذا الانقسام الذى يؤكد بوضوح فداحة خسائر الغرب.