يتمتع بخبرة كبيرة فى السياسة الفرنسية والأوروبية.. وتنتظره تحديات عديدة فى رئاسة الوزراء
موضوعات مقترحة
من مواليد 9 يناير 1951 يبلغ من العمر 73 عامًا، أنيق دائمًا ويتفوق على محاوريه بأفكاره القوية، معروف بحذره وقدرته على ضبط النفس، شغل العديد من المناصب الوزارية، وهو معروف بقيادته الأوروبية بفضل خبراته السياسية الغنية، جاء ليتولى رئاسة وزراء فرنسا كأكبر رئيس وزراء للجمهورية الخامسة سناً، خلفا لجابرييل أتال ذى الـ 35 عاماً، الذى يعد أصغر رئيس وزراء لهذه الجمهورية، سيتعين عليه أن يحاول تشكيل حكومة قادرة على النجاة من الرقابة البرلمانية، لوضع حد لأخطر أزمة سياسية فى الجمهورية الخامسة.
يحمل ميشيل بارنييه، رئيس الوزراء الفرنسى الجديد، تضاريس جبال الألب التى يعشق تسلقها والمعارك السياسية، التى أكسبته قدرة على تولى هذا المنصب الجديد عالى المخاطر حيث يتمتع بخبرة طويلة فى السياسة الفرنسية والأوروبية.
يعد بارنييه، ديجولى الهوى والعقيدة، حيث يعتبر مؤيداً لأوروبا منذ حكومات بالادور وشيراك وساركوزي، وعلى الرغم من أنه قادم من إحدى كليات إدارة الأعمال الكبرى فإنه يعد المنتج النقى للحياة السياسية الفرنسية، فهو عضو يمينى فى حزب اليسار ولديه بالفعل مسيرة ناجحة تمتد لـ 51 عامًا، حيث كان كبير مفاوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى خلال معركة “البريكست”، وتألقت صورته عندما تولى هذا المنصب عام 2016، إذ أثبت نفسه كرجل قوى فى المفاوضات مع المملكة المتحدة، إلى حد إشادة زملائه الأوروبيين بإدارته ملفاً دام 5 سنوات من المحادثات والمفاوضات وتكسير العظام.
وكانت المهمة الرئيسية لبارنييه، هى إعداد وقيادة المفاوضات مع الحكومة البريطانية كجزء من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وانتهت مشاركته بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى رسميًا فى 31 مارس 2021، وأظهر قدرته على جمع الدول السبع والعشرين، وذلك بعدما قام بجولة فى العواصم الـ 27، لوضع خطوط حمراء مشتركة ووعدهم بالشفافية الكاملة فى المفاوضات، فهو مدافع عنيد عن الوحدة و يجسد القوة الأوروبية الهادئة فى مواجهة المحاولات البريطانية للتقسيم، حيث يُظهر أساليب إقناع لا تعرف الكلل، ويحدد دائمًا التفاصيل بدقة، ويعرف كيف يجمع أشخاصاً مختلفين حول طاولة واحدة، من أجل التوصل إلى حل وسط دون أن يتعرض أحد للإهانة، ومن المفارقات التاريخية المريرة أن المرة الأولى فى حياته التى أدخل فيها بطاقة اقتراع فى صندوق الاقتراع، وكان عمره 21 عاما عام 1972 كانت لصالح توسيع أوروبا لتشمل 4 أعضاء جدد بما فى ذلك المملكة المتحدة!!
سبق وخاض بارنييه الانتخابات الرئاسية لعام 2022، لكنه تعرض للهزيمة فى الانتخابات التمهيدية للحزب الليبرالي، وجاء فى المركز الثالث بسبب مناداته بوضع سيطرة أكبر على الهجرة، ووضع حد للهجرة غير الشرعية، وتخصيص الوقت الكافى لتقييم سياسة الهجرة الفرنسية قبل فوات الأوان، بل إنه اقترح منع الهجرة إلى فرنسا نهائيا مدة ثلاث سنوات على الأقل، لكن سرعان ما طغى عليه اقتراحه المثير للجدل بشأن الهجرة ليفشل فى الانتخابات.
لم يكن هذا هو الفشل الأول فى حياة بارنييه، إذ عانى من فشل ذريع قبل ذلك عندما دافع عن معاهدة لشبونة الأوروبية عام 2004، فقد خسر جاك شيراك الاستفتاء وخسر ميشيل بارنييه منصبه، لأنه لم يتم تجديده ويشكل عام 2004 بالنسبة لميشيل بارنييه واحدة من أهم نكساته.
وبرغم هذه المسيرة السياسية الغنية والطويلة فى فرنسا وإن كان بعضها باء بالفشل فإن هالته لم تنتشر بقوة بين الرأى العام، حيث بقى غير معروف إلى حد كبير وسط عامة الناس، إذ لم تتمكن شخصيته أبدًا من فرض نفسها بشكل حقيقي، وذلك على عكس الاتحاد الأوروبى الذى تمتع فيه بشهرة واحترام حيث ذكرت صحيفة لوموند، أنه “تلقى ذات مرة تصفيقًا حادا - وهو أمر نادر الحدوث - داخل الاتحاد، فهو جاد ومجتهد ويدافع عن قيمة العمل ويعرف ملفاته جيدا، مما دفع البعض إلى اعتباره “شيخا حكيما”.
من هنا كان هو ذلك الشخص الذى يبحث عنه إيمانويل ماكرون خارج معسكره، لكى يعطى “رائحة التعايش” للفرنسيين، فهو رجل توافقى ومفاوض جيد ويحظى باحترام عائلته السياسية، حيث تفاوض بشأن التنظيم الجديد للأسواق المالية بعد الانهيار العالمى عام 2008، كما لعب دورًا رئيسيًا فى توقيع الاتفاقيات، التى تحكم خروج المملكة المتحدة والعلاقة الجديدة بين الأوروبيين والبريطانيين، حتى إن نايجل فاراج زعيم الفرع الأكثر كراهية لأوروبا، كان ممتلئًا بالثناء على بارنييه، برغم أنه من ألد أعدائه فإنه لم يستطع أن يخفى إعجابه بمهاراته التفاوضية.
وفى عام 2019 وبعد وقت قصير من الانتخابات الأوروبية، التى شهدت فوز حزب الشعب الأوروبى، تم تداول اسمه لتولى رئاسة المفوضية الأوروبية، لكن سرعان ما تم رفض ترشيحه، وتمر السنوات ويعينه إيمانويل ماكرون رئيسا للوزراء فى 5 سبتمبر 2024، ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة موحدة فى خدمة البلاد، حيث سيتعين عليه إيجاد التوازن الصحيح لتجنب الوقوع عند أول اقتراح باللوم، ما جعله يؤكد أنه “يحترم” الـ 11 مليون ناخب من حزب التجمع الوطني، الذين يعتمد عليهم بقاؤه فى البرلمان، لكنه “ليس لديه أى شيء مشترك أو ليس لديه الكثير من القواسم المشتركة مع أطروحات أو أيديولوجيات “اليمين المتطرف” برغم أنه وضع من بين أولوياته “السيطرة على تدفقات الهجرة بإجراءات ملموسة”، وإعادة تقييم العمل وعدم زيادة ديون فرنسا، وإعادة مشروع إصلاح نظام التقاعد إلى الطاولة والبدء فى تحسين المعيشة مع احترام إطار الميزانية.
وقد وضع تعيينه حدا لتعليق دام أكثر من 50 يوما منذ الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية فى 7 يوليو، التى هزت المشهد السياسى الذى انقسم إلى مستوى، نادرا ما تم الوصول إليه فى ظل الثورة الخامسة، ويبدو أن الأمر انتهى بإيمانويل ماكرون بالتمكن من الخروج من الفخ، الذى أوقع نفسه فيه مع الحل المفاجئ للحكومة الفرنسية فى اليوم التالى للانتخابات الأوروبية، لكن مع ميشيل بارنييه، فإن ثمن الاستقرار باهظ لأن بقاء بارنييه فى رئاسة الوزراء سيعتمد على موقف الجبهة الوطنية تجاهه برغم أنه يتمتع بميزة كبيرة فى نظر الرئيس: فالمفوض الأوروبى السابق معروف ومعترف به فى بروكسل، حيث يُنظر إليه على أنه عنيد ومستقيم وموثوق، وقد يكون صوته مفيداً فى هذا الوقت حيث بدأت المفوضية للتو فى اتخاذ إجراءات العجز المفرط ضد فرنسا، فالزى الذى صنعه لنفسه فى بروكسل والذى يرتديه هذا الرجل الطويل النحيف بشكل جميل، لكن بصلابة شديدة هو زى “السيد بريكست”، وقد بدأت قدرته على بناء الأغلبية فى البرلمان الأوروبى تؤتى ثمارها، فهو ليس بالرجل الذى يتلقى الصفعات الكبيرة أو الصدمات، فهو شديد الرصانة قوى التفاوض مما يتطابق تماماً مع العادات والتقاليد الأوروبية.
حكومة قوية
تتمثل الأولوية الرئيسية للمفوض الأوروبى السابق الآن، فى تشكيل حكومة قادرة على تجنب الرقابة فى الجمعية الوطنية، ومن المرجح أن يعتمد البقاء السياسى لميشيل بارنييه على مارين لوبان، حيث سيتعين على الوزير السابق إظهار مهارته فى توزيع الحقائب الوزارية، ويتحتم عليه إيجاد التوازن الصحيح، لضمان دعم الائتلاف الرئاسى والجمهوريين من دون إثارة الرفض الفورى لحزب التجمع الوطني.
مارين لوبان
على جانب آخر من المرجح، أن يعتمد البقاء السياسى لمفاوض خروج بريطانيا السابق على مارين لوبان، إنها تتوقع منه التناسبية واحترام الناخبين، واتخاذ إجراءات تتعلق بالأمن والهجرة والقوة الشرائية، ويكفى أن نقول إنه إذا لم يلب ميشيل بارنييه هذه المطالب فسيسهل الإطاحة به بسرعة كبيرة، وسيكون على ميشال بارنييه أن يهتم أيضاً بعلاقاته مع الكتلة المركزية، التى لا تنوى توقيع شيك على بياض له، وسيتعين عليه أخيرا أن يفكر فى تحديد ملامح علاقته الشخصية مع إيمانويل ماكرون.
الميزانية
يتوجب على بارنييه أيضا تقديم ميزانية الدولة لعام 2025 - باعتبارها قوة تشريعية هائلة - إلى البرلمان فى الأول من أكتوبر على أبعد تقدير.
كاليدونيا
لا يزال الانفصاليون فى كاليدونيا الجديدة، يطالبون بالإلغاء الرسمى للإصلاح، الذى يهدف إلى إلغاء تجميد الهيئة الانتخابية المحلية، حيث أدى حل الجمعية الوطنية إلى تعليق المشروع، ولذلك على بارنييه إيجاد حلول سريعة، لأنه بدون حكومة فى باريس لتوجيه المساعدات تشعر كاليدونيا بأنها مهجورة.
الطاقة
ينتظر قطاع الطاقة قرارات بشأن الاستثمارات فى إنتاج الكهرباء، وهى مسألة حاسمة بالنسبة للاقتصاد بأكمله خصوصا الصناعة، وفى عام 2025 وما بعده هل ستذهب الأموال العامة لبناء مفاعلات نووية جديدة أم للطاقة المتجددة؟ حيث يشكل هذا الأمر ضبابية كبيرة.