ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "قمة المستقبل" في مقر الأمم المتحدة يومي الأحد والاثنين (22 و 23 سبتمبر الجاري) بمشاركة كبار المسؤولين الدوليين ووفود الدول وممثلي الشباب والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والسلطات المحلية والإقليمية، أصبحت التعددية القائمة على القواعد في حالة يرثى لها. مشير إلى أنه من الصعب أن نتذكر آخر نجاح للتعاون متعدد الأطراف في خضم فشل المجتمع الدولي في إبرام معاهدة عالمية للوقاية من الجوائح مثل جائحة (كوفيد-19)، وشلل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مواجهة حرب روسيا في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس.
موضوعات مقترحة
وقالت المجلة الأمريكية إن السنوات الماضية شهدت تزايدا في الاتهامات بين الحكومات بشأن المعايير المزدوجة والوعود الزائفة، وكان ذلك جليا فيما يتعلق بتقديم لقاحات كوفيد-19 أو تخفيف حقيقي للديون. وعلى هذه الخلفية، تبدو قمة المستقبل وكأنها محاولة يائسة لإعادة بناء الثقة وخاصة بين البلدان في الجنوب العالمي، خاصة في وقت يصف فيه الأمين العام للأمم المتحدة النظام العالمي الحالي بأنه عالق في "خلل هائل".
ولفتت إلى أن مؤتمر ميونيخ للأمن أجرى في يوليو الماضي، استطلاعا للرأي شمل أكثر من 9000 شخص في تسع دول من دول الجنوب المكتظة بالسكان (البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا وباكستان والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا) حول آراء مجتمعاتهم بشأن التعددية والنظام العالمي القائم على القواعد.. وكشفت النتائج أن دعم التعاون متعدد الأطراف منخفض للغاية.
وعندما سئلوا عما إذا كان ينبغي لبلدانهم إعطاء الأولوية للعلاقات الثنائية مع البلدان الأخرى بدلا من الاستثمار في المبادرات متعددة الأطراف والمنظمات الدولية، وافقت الأغلبية المطلقة في كل دولة شملها الاستطلاع من 76% في باكستان إلى 51% في كل من المملكة العربية السعودية والبرازيل.
وترى "فورين بوليسي" أن هناك أسبابا كثيرة تدعو إلى الشك على نطاق واسع عندما يتعلق الأمر بمزايا التعاون الدولي. فالمؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشلولة بانتظام بسبب التوترات المتزايدة بين القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. وفي الوقت نفسه، يبدو أن المؤسسات المالية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي غير قادرة على التكيف مع وتيرة التحديات والاحتياجات الناشئة حديثا للدول غير الغربية.
ولفتت المجلة إلى أن استجابة واشنطن وغيرها من العواصم الغربية غير المتسقة بشأن الحروب في أوكرانيا وغزة ساهمت في زيادة قلق الجنوب العالمي حيال التعددية. فبالنسبة للعديد من الحكومات، عززت الطريقة التي استجابت بها الولايات المتحدة وأوروبا للغزو الروسي الكامل لأوكرانيا والحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة بعد هجوم حماس على إسرائيل، الانطباع بأن الغرب يميل فقط إلى انتقاد انتهاكات القانون الدولي والمعايير التي يرتكبها الخصوم الجيوسياسيون، وأنهم يهتمون ويقدرون بعض الأرواح أكثر من غيرها.
علاوة على ذلك، فإن ذكريات الفصل العنصري المزعوم للقاحات (تجاهل الدول النامية وشعوبها فيما يتعلق بتمكينهم من الحصول على اللقاحات في وقت مبكر)، والتأخير لمدة عامين في تلبية البلدان المتقدمة لهدف تمويل المناخ الدولي الموعود، أثارت لدى بلدان الجنوب العالمي شكوكا خطيرة حول التزام الغرب بالتعاون متبادل المنفعة والنظام الدولي الملزم والعادل للجميع.
ونبهت "فورين بوليسي" إلى أن الجنوب العالمي يتهم أمريكا بالنفاق. فحينما طُلب من المشاركين في استطلاع الرأي سالف الذكر مقارنة التزام الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الأوروبية بالقواعد والمبادئ الدولية، قال الغالبية العظمى من المشاركين إن واشنطن هي الأكثر انتهاكا للقواعد الدولية، تليها الدول الأوروبية.
وتؤكد المجلة الأمريكية أن إحياء التعددية القائمة على القواعد ــ الهدف الشامل لقمة المستقبل ــ يتوقف على قدرة الدول الغربية على معالجة تصورات المعايير المزدوجة. وفي هذا الصدد، ينبغي أن تكون الجهود الرامية إلى دعم القانون الإنساني وحقوق الإنسان (القواعد الدولية) في كل مكان دون تمييز على رأس الأولويات، حيث تكشف ردود الفعل على حرب إسرائيل في غزة، أن الجنوب العالمي يرى أن العديد من الدول الغربية تتصرف بشكل غير متسق عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين، وخاصة في مناطق الصراع، وحقوقهم الإنسانية الأساسية، وذلك وفقا لمكان وطرفي الصراع.
وعلاوة على ذلك، يتعين على الدول الغربية أن تتخلى عن نظرتها القائمة على "المحصلة الصفرية" للأنظمة التي تخرق القواعد، والعمل عوضا عن ذلك على تشجيعها على الالتزام بهذه القواعد، مع ضرورة إعادة ضبط الغرب لعلاقته بالجنوب العالمي، لتفويت الفرصة على من يحاولون الترويج والتضخيم لفكرة أن الجنوب العالمي تخلى عن النظام الدولي القائم على القواعد.
وأخيرا، وسعيا لإحياء التعددية، يجب على الدول الغربية في قمة الأمم المتحدة للمستقبل أن تحاول استعادة مصداقيتها من خلال إظهار التزامها الجاد بتنفيذ القواعد والمبادئ الدولية التي تتبناها خطابيا.