"لو يُدرك الزيتون غارسه.. لصار الزيتون دمعًا".. بيت شعر للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش استرعى انتباهي خلال مشاهدة إحدى قاعات معرض "جذور" بجاليري آرت كورنرللفنانة والناقدة إيمان خطاب، لما يمثله الزيتون من قيمة وجذر أساسي للمواطن الفلسطيني من جهة، ومن جهه أخرى تناول الفنانة بلوحاتها أحداث غزة قبل وعقب يوم السابع من أكتوبر، ورسالتها لتشبث الإنسان بجذوره والتى بها يكمن بقاءه أو كما كتبت بمطوية المعرض "عندما نتشبث بالجذور لن نذبل.. لن نسقط.. لن نموت".. ومن ثم توجه دعوة للتمسك بكل ما هو أصيل في حياتنا.
موضوعات مقترحة
"بوابة الأهرام" التقت إيمان خطاب في الحوار التالى على هامش معرضها "جذور"..
كيف جاءت فكرة وفلسفة معرضك الفردى "جذور"؟
في اعتقادي أن الفكرة في العمل الفني هي الأساس.. هي الوحي الحقيقي.. كما يطلقون عليه! لأن الفنان قبل أن يصبح فنانًا فهو إنسان تتنازعه الرغبات والمخاوف والآلام والأحلام.. وإذا لم يعبر عنها بشكل صادق تمامًا.. فهو يلجأ إلى اصطناع الفن.. الفكرة هى المحرك الأول، والفكرة هنا ليست منفصلة عن كوني أنسانة أعيش واقعا جغرافيا تاريخيا ونفسيا محددا.
فكما كان الإنسان الأول يعبرعن نفسه ومجتمعه.. يعبر أيضا الفنان عن كل ما يهتم به من قضايا وأحداث تنعكس على رؤيته للحياة وعلى مزاجه العام.. وبالتالي على فنه.
في هذا المعرض، لم أبحث عن فكرة بل إن الفكرة هى التي تملكتني وهي فكرة (الجذور ).. وكأن الفكرة نفسها كانت لها جذور أصيلة في نفسي. فالجذر بالطبع يستدعي وجود نبات لأنه الجزء الأكثر ثباتًا وقوة وغمو وتشبثا بالأرض.. وأنا أعشق النباتات والطبيعة بشكل عام، ولدي قناعة أن معظم ما نعانيه الآن من شعور بالاضطراب والاغتراب والوحدة.. ناتج عن بعدنا عن الطبيعة الأم التي خُلقنا فيها وبها، كلما ارتفعنا عن الأرض وبعدت المسافات في بنايات شاهقة الارتفاع وكلما ترفعنا عن ملامسة تراب وطين الأرض، كلما فقدنا أرواحنا وجوهر وجودنا على هذه الأرض. لقد خُلقنا لكي نتفاعل مع الطبيعة والأرض وكائناتها.
ولكن ما هو الدافع الأساسي لتلك المحاكاة الفنية عبر مسطح اللوحة؟
عشقي للنباتات والأشجار باعتبارها أصل الحياة هو الدافع الأول لمحاكاة جماليات وعشوائيات الأشكال والألوان والتكوينات الطبيعية.. ولكني لم أصور الطبيعة بشكلها الجمالي الخلاب بأسلوب واقعي أو حتى رومانسي.. .بل كنت أحاول تصوير الصراع الأبدي للطبيعة لكي تستمر الحياة على الأرض.. يحاول الجذر دائمًا اختراق الأرض وإيجاد مكان له أصيل في ظلماتها الباردة.. لتبدأ دورة حياة جديدة لنبتة ضعيفة تصبح شجرة وارفة فيما بعد.. يبدأ كل شيء من حركة الجذور وعلاقتها بالأرض.. باختراقها والتشعب بداخلها، إذن فهناك صراع ما تخوضه هذه الشجرة أو النبتة الصغيرة التي تحاول إثبات وجودها ومواصلة دورة حياتها بمد جذورها وحفر طريقها بين ذرات الأرض.. بينما الساق والأوراق تمارس صراعًا من نوع آخر.. ضد جاذبية الأرض.. وتمتد إلى أعلى باتجاه الشمس والحرية المطلقة للجذوع !.
وكيف انطلقت من فكرة عشق النباتات وجذوره للعمل على أحداث فلسطين تشكيليًا؟
هذا المعنى الخاص بجذور النباتات أخذ منحى مجازيًا، فعندما بدأت أحداث غزة في السابع من أكتوبر الماضي.. بدأت اتابع التفاصيل فكانت الدهشة والتعجب ثم الرهبة والخوف ثم الألم المتواصل.. المصاحب للشعور بالخزي وقلة الحيلة والعجز.. فأصبحت الشجرة رمز والتشبث بالأرض (مهما كان الثمن) شعارًا.. ونمت الفكرة نفسها وتشعبت لمعان أكثر عمقًا وشمولية..
أصبحت (الجذور) وصراعها وكفاحها لكي تظل في الأرض ولكي يظل نمو النبات والشجر بأغصانه باتجاه الشمس والمجد.. وجه آخر لكفاح شعب صامد يكافح من أجل البقاء على وجه الأرض.. أرض آبائه وأجداده..
وهناك أيضًا بعدًا ثالثًا ينسحب على واقعنا بشكل عام .الواقع الثقافي الذي تُمحى فيه الهوية..
حدثينا عن آلية تعاملك مع الباليتة اللونية وتطويع الخامات لإنتاج قيمة جمالية؟
الخامة في هذا المعرض كانت أغلبها تجارب لخامات لم استخدمها من قبل . مثل خامة الأيكولين الشبيهة بالألوان المائية ولكنها أكثر بريقًا وقوة تناسب موضوع الصراع وكذلك مادة الحبرالذي استخدمته في اللوحات ذات اللون الواحد الذي يتدرج ما بين الرماديات والأسود.. وآخر التجارب كانت الكولاج مع الألوان الزيتية؛ حيث استخدمت فيه عنصر من عناصر الطبيعة.. به طزاجة وخشونة الأرض والجذور.. وهو لوف النخيل بتدرجات ألوانه من البني الفاحم حتى يصل الى اللون البيج الفاتح..
فكان المعرض مزيجا من كل هذة التجارب التشكيلية بوسائط مختلفة كتنويعات على نفس الفكرة.. فكرة الجذور والتشبث بالأرض.. ولذلك كان شعار المعرض.. هو "عندما نتشبث بالجذور.. لن نذبل.. لن نسقط.. .لن نزول".
وهذه المقولة.. التى نسجتها من خيوط المعان والإسقاطات المتعددة لكلمة (جذور) على الطبيعة بشكل عام وعلى وضعنا الراهن.. سواء على المستوى القومي أو الوطني المصري . فالصراع قائم على أشده.. بين محاولات تمسكنا وتشبثنا بأصلنا وحضارتنا وثقافتنا المتمثلة في الفن والعمارة وكافة مجالات الآداب والتراث والتاريخ وبين المحاولات المتواصلة لانتزاع جذورنا الضاربة في عمق الأرض والتاريخ من مكانها أو حتى خلخلتها.. هذا هو الخطر الجسيم.. الذي عبرت عنه في مجموعة لوحات اسميتها (الراية الحمراء).. وهى الراية التي تخذر من الخطر القادم.
برأيك هل وصلت فكرتك للمتلقى وما مدى تفاعله معها ؟
أتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت للمتلقي بشكل أو بآخر.. لأنها أحيانًا تبدو غامضة بعض الشيء لحرصي على انتاج عمل فني تشكيلي بصري متوازن ومتكامل يعتمد على دفقة الشعور التابع من الخوف والغضب معًا.. وليس مجرد تعبير سطحي أو توضيحي عن مشكلة ما.
وأعتقد أن هذا أقصى ما يمكن الفنان أن يسهم به.. في إيقاظ الضمائر الغائبة أو لرصد واقع محزن أو مخيف والتعبير عنه بشكل فني.. تألفه الغين وتنجذب إليه بل وتتجاوب وتتحاور معه.هى في النهاية تعد رسالة او صرخة من لم نسمع صوت صراخهم واستغثاتهم.. على الرغم من أننا نراهم أمامنا كل يوم يُبادون وهم يتشبثون بأرضهم كالجذور .
التشكيلية إيمان خطاب معرض التشكيلية إيمان خطاب معرض التشكيلية إيمان خطاب معرض التشكيلية إيمان خطاب