غالباً ما يضم "المسكوت عنه" في تراثنا الموسيقى سيراً رائعة لنجوم زمن الفن الجميل، من أولئك الذين اشتهروا بأعمال فنية في فترة ما، قبل أن تنحسر عنهم أضواء الشهرة، ويذهبون فجأة في ثنايا النسيان، ويصبحون ما بين ليلة وضحاها من "مظاليم الفن"..
موضوعات مقترحة
لم تقترن الأفراح في الأغنية المصرية بقدر ارتباطها بالمطربة الكبيرة أحلام، فقد طافت على العطارين تسأل عن "أراضي الصبر" حتى وصلت إلى خلطة "الأفراح" لتزرعها في البيوت، وترسمها على الوجوه، فانطلق صوتها مدوياً بأحلى زغرودة عرفتها موسيقانا الشرقية.
المطربة أحلام
ولدت فاطمة النبوية محمود الملاح بمحافظة الدقهلية في 25 ديسمبر عام 1926، وبين جنبات الريف المصري الذي أثر كثيراً على خامة صوتها العذب رددت أغاني الأفراح التي كان ينشدها أبناء الريف في أفراحهم، وهذا ما أضفى صفة الصدق على كل أغاني الأفراح التي شدت بها فيما بعد.
وما إن شبت الفتاة الصغيرة حتى أرادت أن تحول موهبتها الغنائية إلى دراسة موسيقية بمعهد الموسيقى العربية، وهناك تعرفت على أرباب الكلمة وفرسان النغم من الشعراء والموسيقيين، وكان على رأسهم الشاعر أحمد رامي، وعازف الكمان الشهير بفرقة أم كلثوم أحمد الحفناوي، وقد قدمها لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1946 بينما كان يصور آخر أفلامه "لست ملاكاً".
تحمس عبد الوهاب لصوت فاطمة التي اختار لها المخرج محمد كريم اسم "أحلام"، ورغم أن المطربة نور الهدى كانت تشارك عبد الوهاب البطولة الغنائية في هذا الفيلم، إلا أن عبد الوهاب اختار أحلام لتشاركه في أنشودة "القمح الليلة"، وبالفعل غنت أحلام مقدمة الأغنية والكوبليه الأول منها والتي تقول "القمح الليلة ليلة عيده..يارب تبارك وتزيده.. لولى ومشبك على عوده.. الدنيا وجودها من جوده.. عمره ما بيخلف مواعيده".
المطربة أحلام
هنا كُتبت شهادة الميلاد الفنية للمطربة أحلام، وسرعان ما تلقف الموسيقار الفذ محمود الشريف هذا الصوت وتعهده بنغماته التي تشع جمالاً، وبالفعل تم اعتماد أحلام بالإذاعة المصرية بواحدة من ألحان الشريف الموسيقية، وهي أغنية "يا عطارين دلوني الصبر فين أراضيه"، وسرعان ما أصبحت هذه الأغنية من أكثر الأغاني شهرة وطلبا من الإذاعة.
وبحسه الموسيقى أدرك الشريف أن الخامة الصوتية لأحلام ستنجح إذ ما غنت للأفراح فقدم لها لحناً راقصاً رشيقاً هو "توب الفرح" من كلمات جواهرجى الكلمات مرسى جميل، وتقول كلماتها "توب الفرح يا توب.. مغزول من الفرحة.. فاضل يومين يا دوب وألبسلك الطرحة".
لقد جسد صوت أحلام صورة الصبايا العذرى المعززات في بيوت آبائهن اللاتي يتسابق الخطاب إليهن، وتواصل الإبداع بين مرسى جميل عزيز ومحمود الشريف، فقدموا لها أغنية "يا بيت أبويا معزتك في عينيا.. وما شفت منك غير ليالى هنية"، وحين تزوجت الفنانة أحلام من الموسيقار محمد الموجي تلقف هو الآخر طرف "خيط الأفراح" من الموسيقار محمود الشريف، وقدم لها عدة أغان ترتبط بالخطوبة والزواج، مثل أغنية "وقفوا الخُطاب سنتين على الباب ما رضيش أبويا.. بعتوا المراسيل بكتير وقليل مارضيش أبويا.. لأجل نصيبي راح له حبيبي..وافق أبويا".
المطربة أحلام
لكن رائعة عزيز والموجي لأحلام كانت أغنية "زغرودة حلوة رنت في بيتنا.. لمت حارتنا وبنات حارتنا" التي مثلت لوقت طويل "درّة أغاني الأفراح وجوهرته الجميلة، وإلى جانب هذه الأغاني شدت أحلام بأغان أخرى للأفراح مثل "شربات الفرح"، و"خمسة وخميسة خطى يا عروسة".
وإلى جانب الموسيقار محمد فوزي كانت المطربة أحلام من أوائل الفنانين الذين غنوا للأطفال، حتى اشتهرت أغانيها بين الأسر المصرية، فحتى الآن يتغنى الأطفال بأغنية "بابا جاى امتى"، و"ياختى عليها بنتى الحلوة"و"تاتا خطى العتبة"، وقد نالت أحلام جائزة منظمة اليونيسكو على أداء هذه الأغاني للأطفال.
لكن صوت أحلام لم يكن ليقتصر على أن يكون أجمل زغرودة في تاريخ الأغنية العربية، فقد ربط ظهورها الأول في استعراض "القمح الليلة" بالأغاني الريفية، فغنت أيضا للقطن أغنيته الشهيرة " نورت يا قطن النيل يا حلاوة عليك يا جميل" من كلمات محمد حلمى المانسترلى، ثم اتبعت ذلك بأغنية "يا حمام البر سقف، طير وهفهف، حوم ورفرف، على كتف الحر وقف والقط الغلة" من كلمات الشاعر صلاح جاهين، والأغنيتين من ألحان محمود الشريف، وقد قدمت هذه الأغاني وصفاً دقيقاً لصورة الريف المصري في منتصف القرن العشرين، وما كان عليه من مظاهر جمالية وعادات اجتماعية.
وامتلكت أحلام رصيدا كبيراً من الأغاني الدينية التي تفيض بالحس الصوفي والضراعة في الأداء، ولعل أشهر تلك الأغاني "سبحانك" من كلمات الشاعر المتصوف عبد الفتاح مصطفى وألحان الموسيقار عبد العظيم محمد، وأغنية "من فوق سبع سماوات" كلمات محمد الشهاوى وألحان عبد المنعم الحريري أحد عازفي الكمان بفرقة أم كلثوم.
المطربة أحلام
اقتصر الظهور السينمائي لأحلام في ثلاثة أفلام، أولها فيلم "المرأة شيطان" مع محمد فوزي، والثاني فيلم "المرآة" مع كمال الشناوي، والفيلمان إنتاج عام 1949، فيما قدمت "فيلم البنات شربات" مع إسماعيل يس عام 1951 لتنهى علاقتها تماماً بالشاشة الكبيرة.
ومنذ منتصف الستينيات انحسرت دائرة الشهرة عن أحلام، غابت الأضواء عن الأفراح، وساد الصمت بعدد الزغاريد التي أطلقتها في أغانيها حتى توفيت في 17 مايو عام 1997.
المطربة أحلام المطربة أحلام المطربة أحلام روبرتاج صحفي عن المطربة أحلام وزوجها آنذاك محمد الموجي