هزّت سلسلة من الانفجارات لبنان، لكن هذه المرة لم تكن بفعل قنابل تقليدية أو صواريخ، بل كانت أجهزة اتصالات بسيطة - البيجرات والواكي توكي - هي السلاح القاتل الجديد. ومع تكشف الأحداث، بات واضحًا أن هذه الانفجارات لم تكن مجرد صدفة. كيف حدثت هذه الانفجارات؟ ومن يقف وراءها؟.. يجب على هذه الأسئلة الشائكة د. وائل بدوي، رئيس قسم البيانات في الجامعة المصرية الروسية.
موضوعات مقترحة
القصة تبدأ بتحذيرات من استخدام الهواتف المحمولة
في فبراير 2024، حذر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أعضاء التنظيم من استخدام الهواتف المحمولة بسبب إمكانية اختراق إسرائيل للشبكات. بعد هذا التحذير، لجأ أعضاء التنظيم إلى استخدام أجهزة البيجر كبديل أكثر أمانًا، وتم شراء مجموعة من أجهزة البيجر التي تم استيرادها من تايوان. لكن مع مرور الوقت، تبين أن هذه الأجهزة لم تكن آمنة كما كان يُعتقد، ففي سبتمبر من نفس العام، تعرضت هذه الأجهزة لانفجارات غامضة، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، بينهم أطفال وأعضاء من حزب الله.
الانفجارات: ضربة تقنية مميتة
في جنازة لضحايا الانفجار الأول، جاءت الصدمة عندما انفجرت أجهزة الواكي توكي أيضًا، مما أدى إلى مقتل المزيد من الأشخاص وإصابة المئات.
كيف انفجرت هذه الأجهزة؟
يقول د. وائل بدوي، إن التحليلات الأولية تشير إلى أن الأجهزة قد تكون مزودة بتقنيات تفجير عن بعد أو تم تعديلها لتحتوي على مواد متفجرة صغيرة الحجم. الفرضية الأكثر رواجًا هي أن هذه الأجهزة تم تعديلها في مرحلة ما من سلسلة التوريد، إما أثناء التصنيع أو خلال نقلها، بحيث تم إدخال متفجرات أو دوائر إلكترونية تتفاعل مع أوامر معينة.
التلاعب في سلسلة التوريد
تشير تقارير عديدة إلى أن أجهزة البيجر تم التلاعب بها في سلسلة التوريد. من المحتمل أن تكون إسرائيل قد تسللت إلى سلسلة الإمداد وأدخلت متفجرات صغيرة في هذه الأجهزة. عملية التلاعب هذه كانت دقيقة للغاية، حيث لم تُكتشف أي آثار أو إشارات واضحة على أن هذه الأجهزة تم العبث بها.
التفجير عن بعد باستخدام إشارات لاسلكية
ويؤكد د. وائل بدوي أن السيناريو الآخر يشير إلى إمكانية التفجير عن بعد. بما أن هذه الأجهزة تعتمد على استقبال إشارات لاسلكية، قد تكون الإشارات قد استخدمت لإرسال أمر تفجير، حيث يتم تفعيل مواد متفجرة مخبأة داخل الأجهزة عند استقبال تردد أو رمز معين.
هجوم إلكتروني على الأجهزة
وفي هذا السيناريو، من الممكن أن الأجهزة قد تعرضت للاختراق عبر هجمات إلكترونية متطورة. تم زرع برمجيات خبيثة داخل النظام الإلكتروني لهذه الأجهزة، بحيث تم تشغيل آلية التفجير بشكل متزامن عند استلام إشارة معينة.
تداعيات الانفجارات: تحديات جديدة للأمن السيبراني
وقال رئيس قسم البيانات في الجامعة المصرية الروسية إن هذه الحادثة غيرت مفهوم الأمن السيبراني بالكامل. فبدلاً من التركيز فقط على حماية المعلومات الرقمية، أصبح من الضروري التفكير في الأجهزة المادية التي يمكن أن تصبح أدوات لتفجير أو تدمير. الحادثة تؤكد أن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تمتد إلى الحياة المادية، حيث يمكن استغلال الأجهزة اليومية في تنفيذ هجمات مميتة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا؟
الأمن السيبراني يجب أن يشمل جميع الأجهزة: لم يعد الأمر يقتصر على الحواسيب أو الهواتف، بل حتى الأجهزة الصغيرة مثل البيجر أو الواكي توكي قد تكون عرضة للاختراق.
التأكيد على تأمين سلاسل التوريد: يجب أن تصبح سلاسل التوريد أكثر أمانًا، بحيث لا يتم العبث بالأجهزة في أي مرحلة من مراحل التصنيع أو النقل.
الحاجة إلى قوانين دولية صارمة: لحماية العالم من مثل هذه التهديدات، يجب على الدول أن تتبنى قوانين صارمة تضمن سلامة وأمان الأجهزة الإلكترونية.
هل نحن جاهزون لمستقبل الحروب الإلكترونية؟
يقول د. وائل بدوي: مع تطور التكنولوجيا بشكل هائل في العقد الأخير، أصبحت الهجمات الإلكترونية تتعدى حدود الكمبيوترات والشبكات لتصل إلى الأجهزة المادية التي نستخدمها يوميًا. اليوم، نرى كيف يمكن أن تتحول أشياء مثل أجهزة البيجر أو الواكي توكي إلى أسلحة مميتة بفعل التلاعب الخفي في سلسلة التوريد أو عبر هجمات إلكترونية معقدة. وهذا يثير تساؤلات مهمة حول مدى استعدادنا لمواجهة هذا النوع الجديد من الحروب.
ما الذي يجب علينا فعله لتجنب مثل هذه التهديدات في المستقبل؟
من الضروري بناء طبقات أمان إضافية في الأجهزة. يجب استخدام تشفير قوي لكل الاتصالات، وتطوير أنظمة كشف العبث.
ويجب على الحكومات والشركات تبني سياسات أمنية جديدة تتعامل مع الأجهزة المادية كجزء من استراتيجية الحماية الشاملة.
كما أن التعاون الدولي ضروري لضمان أمن الأجهزة الإلكترونية. يجب أن تتعاون الحكومات لإنشاء قوانين ومعايير دولية للأمن السيبراني.
وهناك حاجة إلى أن تتضمن حملات التوعية الجديدة التحديات المرتبطة بالأجهزة الذكية والتهديدات التي قد تنشأ عنها.
المستقبل في ظل الحروب الإلكترونية الجديدة
ويختتم د. وائل بدوي: ما حدث في لبنان يعد جرس إنذار للعالم. الحروب لم تعد محصورة في ساحات المعارك التقليدية، بل امتدت إلى حياتنا اليومية، لتشمل الأجهزة التي نعتمد عليها في التواصل والعمل. مستقبل الأمن السيبراني يعتمد على قدرتنا على التأقلم مع هذه التهديدات الجديدة واتخاذ خطوات استباقية لحمايتنا من الأسلحة التي قد تكون في جيوبنا دون أن ندري.
هذه الحوادث تدفعنا للتفكير بعمق في الابتكار المسؤول. لا يجب أن نخاف من التكنولوجيا، بل علينا استخدامها بطرق تجعل حياتنا أكثر أمانًا وراحة. ومع وجود وعي مجتمعي وتعاون دولي أكبر، يمكننا تحقيق توازن بين التقدم التقني والأمن.
د. وائل بدوي