أجري الكاتب والناقد الفني جليل البنداري، حوارًا صحفيًا مع صديقه الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، بعد مرور 6 سنوات على تولي هيكل رئاسة تحرير الأهرام، والحوار الذي امتد لأربع صفحات بالحجم الكبير في مجلة "آخر ساعة" التي كان يعمل بها هيكل قبل انتقاله للأهرام حمل عنوان "هيكل الذي يندفع إليك من تحت عقب الباب".
موضوعات مقترحة
وقد كشف فيه البنداري عن جوانب خفية وأسرار كثيرة عن محمد حسنين هيكل الخجول من النساء، وخاصة الفنانات وصاحب القلب الأبيض والمتسامح لأبعد الحدود.
ورد في مقدمة الحوار الصحفي النادر الذي تنشره "بوابة الأهرام" ما يلي:
"هو الذي يقدم لي في كل صباح مع الإفطار وجبة من الغذاء الفكري بما فيها الأنباء وما وراء الأنباء، هو الذي يدخل بيتك في ساعة مبكرة دون ضجة، ودون أن يزعج بدق جرس الباب، أن بائع الخبز واللبن وبائع الفول المدمس يدقون جرس الباب، ويقلقلون راحتك.
حوار نادر أجراه الأستاذ جليل البنداري مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في مجلة آخر ساعة
هيكل والأهرام
أما محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام، إذا وجد بابك موصدا، استحى أن يدق الجرس، واندفع إليك من تحت عقب الباب، وفى كل جمعة يحملك في قطار سريع كقطار اللونابارك فيهبط بك إلى الأعماق، ثم لا يلبث أن يرتفع بك إلى قمم الهيملايا، لتطل معه بعينك على أحداث العالم، في رحلة لا تستغرق من وقتك أكثر من نصف ساعة، ولكنك تكون خلالها، قد رأيت وسمعت كل ما يجب أن تعرفه من أنباء بلادك وبلاد العالم العربي من حولك، وتلك البلاد النائية بعيدًا بعيدًا في الشرق أو في الغرب".
ينتقل الأستاذ جليل البنداري في حواره مع هيكل إلى دوره في التشييد الثاني لصرح الأهرام لتصبح واحدة من كبرى الصحف في مصر والشرق الأوسط.
قال البنداري الذي استرسل في الحديث مع ذكرياته مع محمد حسنين هيكل، إن الوسط الصحفي تساءل في دهشة، كيف انتقل هيكل الصحفي المتحرك الذي عاش عمره الصحفي كله على ظهور الطائرات يجري وراء المدافع والقنابل الذرية وغير الذرية، أينما تنطلق سواء في حرب فلسطين، أو الحرب الأهلية في اليونان، أو الحرب الكوبية، كيف يترك هيكل داره المتحركة ليتولى رئاسة تحرير الأهرام المحافظة الثابتة الجامدة جمود أهرام الجيزة، وكيف يمكن أن يتجاوب أو يتفاهم مع المحررين والصحفيين من ذوى الطرابيش الحمراء الطويلة الثابتة على الجُباه، والياقات البيضاء المنتشاة والقفازات والبابيونات والجينز الذي يُغطى الحذاء، ونحن الذين عشنا معه أكثر من عشر سنوات في الطابق الثاني، كنا نعتقد أنه لن يعيش في الجمود وسيبتعد، وقد ذهب هيكل إلى الأهرام، وكان أول مقال يكتبه في الأهرام، بعنوان (الجمود يتحرك)، وفى أحد الاجتماعات نظر إلى ذوى الطرابيش الحمراء، والياقات، وقال لهم بصراحة:(نفسي أشوف واحد فيكم يبتسم)، وقد تحرك الجمود وبدأت الابتسامات ترتسم على وجوه الصحفيين في الأهرام، حين تولى محمد حسنين هيكل، بل انتقلت الابتسامة من وجوه المحررين إلى الكتابة ومضت سنة وراء سنة وصار هيكل مرتبطا بالأهرام، وقد خسرنا صاحب القلم الساحر الذي كان يحول عباراتنا بخفة ومرونة لكلمات موسيقية احتفل محررو الأهرام بمرور 20 عامًا على اشتغال محمد حسنين هيكل بالصحافة، ودعاني على الجمال لحضور الحفلة في نادي الأهرام بالقرب من ميدان التحرير.
فوجىء جليل البنداري من تغير مظهر الصحفيين في الأهرام، حيث القمصان الإسبور والضحكات الرنانة والمسابقات بدلاً من الطرابيش الطويلة، وقد كان عثمان العنتيلي يُقلد جميع زملائه من أول رئيس التحرير حتى نفسه، أما أحمد بهجت فقد كان يختبر نفسه في معلومات الصحافة، أما كمال الملاخ فقد كان يرقص عشرة بلدي وعبد الحليم حافظ يغنى بالأحضان، ويرددها الجميع.
أما الصحفيين في الأهرام فقد كانوا يغنون قلبي وأفراحه ويقوم العندليب بترديدها وراءهم كان هيكل يؤمن أن كل شىء يقع تحت عين الصحفى بالإمكان تحويلها لمادة صحفية، كما كان يُردد دائما أن مهمتك كصحفي أن تقدم للقارىء أقصى ما يمكن من العلم والثقافة.
يُكمل البنداري، قائلا:"ذهب هيكل إلى الأهرام، وهو يحمل معه لسانه الحلو وقلبه الأبيض الذي يغضب أحيانًا ويصفح ويسامح بسرعة، عام 1953م دخل هيكل في صراع مع نقابة الصحفيين المصريين، والتى حولته للجنة التأديب بسبب مقال له فى مجلة "آخر ساعة" التي كان يتولى رئاسة تحريرها، ورفض هيكل قرار الإحالة فكتب مقالا آخر بعنوان "أحالوني إلى مجلس تأديب" مُطالبًا نقابة الصحفيين بتقديم الملفات الآتية للمسئولين، وهى: كشوفات المصروفات السرية، فحص حسابات جميع الصحف لمعرفة مصدر تمويلها، وأكد هيكل أنه لا يريد الدخول في مهاترات بالألفاظ ولا يريد أن يتهم أحدا، أو يتجنى على أحد؛ لأنه يريد الحقيقة كاملة؛ لأنه يريد كرامة مهنته وقداستها وحريتها كاملة، وقال هيكل:"أريد الحقيقة لأني أريد أن تبقى صحافة مصر عزيزة مجيدة على نفس المستوى الذي صنعه لها طليعة من روادها وأبطالها، يوم أن اندفعوا عُزلاً إلى الإيمان بمقاومة جيوش الشر الزاحفة، ويوم أن قاموا بإحراق حصون الظلم".
حوار نادر أجراه الأستاذ جليل البنداري مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في مجلة آخر ساعة
هيكل والريحاني
كان هيكل خجولاً من النساء ومعروفا عليه ذلك، وقد كان من الأقدار أن يلتقي بنجيب الريحاني في المسرح عام 1942م؛ لإجراء حوار صحفي معه، لكنه تقابل مع الفنانة ميمي شكيب، وقد كان خجولاً لدرجة أنه لم يعرف شكلها، هل هي جميلة أم قبيحة؟.
وقد اعترف هيكل في حواره الصحفي أن صداقة كبيرة امتدت بينه وبين نجيب الريحاني، وقد كان من رأيه أن ألا يكتب في المسرح والصحافة الفنية، طلب الريحاني من محمد حسنين هيكل أن لا يُضيع وقته في صحافة الفن، فكافة الذين يكتبون في الصحافة الفنية غير جديرين بالصحافة الفنية، وقد رضخ هيكل لنصيحته فكتب في كافة الفنون الصحفية، وكان آخر تحقيق وأول تحقيق كتبه في الفن عن نجيب الريحاني.
ويؤكد محمد حسنين هيكل أنه فى عام 1944م، أخطأ أحد المترجمين في كتابة اسم النجمة السينمائية "جيل باثريك" واعتبرها رجلا، وقد قام محمد التابعي بتأنيبه فى خطاب: (هذه أول مرة فيما أعلم أن تتحول امرأة إلى رجل بسن قلم، وكنت أظنها تحتاج إلى سن جراح"، وقد حاول هيكل الحديث مع التابعي، إلا إن التابعي رفض؛ لأنه أبدى رأيه في الموضوع، ولا يُريد الحديث مرة ثانية في هذا الأمر.
يؤمن هيكل أن الجريدة غذاء كامل، وأنه لا يُمكن المقارنة بين الخُضر واللحوم فكل عنصر فيها مهم، وقد كان يؤمن أن الذي يصنع الخبر هو عنصر جديد، سواء كان دقيقة أو ملايين السنين، القمر مثلا موجود من ملايين السنين، لكن كل حاجة فيه لا نعرفها؛ لذا أي خبر عنه جديد، والاكتشافات على الكرة الأرضية كلها أخبار وتختلف باختلاف قيمة كل منها.
وقد كان هيكل لا يؤذى إنسانًا، ويكره الإضرار بالناس، وكان يقول:"لا تلتفتون إلى من يسيئون إليكم، ففي التفاتكم إلى الوراء وأنتم تجرون، تتعطلون عن الجري وعن أهدافكم"، وقد كان هيكل يكتب بسرعة ويتمتم بالعبارة قبل أن يسجلها على الورق فتخرج كالجملة الموسيقية فإذا خرجت كانت تطويرًا للتحقيق الصحفي.
حوار نادر أجراه الأستاذ جليل البنداري مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في مجلة آخر ساعة حوار نادر أجراه الأستاذ جليل البنداري مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في مجلة آخر ساعة