زعيم الفلاحين، زعيم الثورة العرابية التي وصفها في مذكراته "بالنهضة المصرية"، وقائد أول ثورة وطنية فى تاريخ مصر الحديث أمام الخديو توفيق فى ميدان عابدين، وصاحب مقولة "مصر للمصريين"، تأثر بالأفكار الثورية التي غرسها فيه جمال الدين الأفغاني، تضافرت سيرته بأحداث الثورة فلا يمكن الحديث عن إحداها دون الأخرى، وسط اختلاف وتضارب كبير حول الاثنين.
موضوعات مقترحة
حملت كلماته عزة وطن وكرامة شعب وضع ثقته فى قائده والتف حوله (لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فوالله الذى لا إله إلا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم) .
الميلاد والنشأة
وُلد أحمد محمد عرابي محمد وافي محمد غنيم عبد الله الحسينى فى 31 مارس 1841م ، في قرية هرية رزنة التابعة لمركز الزقازيق بالشرقية، وينتهي أصل عائلته إلى الإمام الحسين، ترتيبه الثاني وسط أربعة أشقاء (محمد، عبد السميع، عبد العزيز) والده عمدة هذه القرية، حفظ بالكتاب بعض سور القرآن، ثم عهد به والده إلى ميخائيل غطاس صراف القرية ليعلمه المسائل الكتابية والحسابية لمدة 5 سنوات، توفى والده بالكوليرا في 23 يوليو 1848م، والتحق بالأزهر عام 1849م لأربع سنوات أتم فيها حفظ القرآن كاملاً وتعلم جزءًا من علوم التفسير والفقه واللغة.
أصدر الخديو سعيد أمراً بتجنيد أبناء المشايخ والأعيان بالجيش ضمن جهوده للمساواة بين الشركس والمصريين، فالتحق عرابى بالخدمة العسكرية برتبة "شاويش"، وترقى فيه حتى وصل إلى رتبة قائم مقام "عقيد" في 1861م، وهي رتبة لم يصل أي مصري قبله إليها.
تغير وضع الضباط المصريين بالجيش مع تولى الخديو إسماعيل الحكم، حيث ميز الشراكسة والترك عليهم، ورقاهم عليهم دون أن يكون لديهم الكفاءة، فضيق خسرو باشا الخناق على عرابي حتى فصل من الجندية وظل بعيداً عنها ثلاث سنوات.
المشاركة في حرب الحبشة
توسط لعرابي رجل مغربي فعفا عنه الخديو، وعاد في وظائف إدارية بالجيش، وعمل في وظيفة ملاحظة بناء القناطر وحماية الجسور ثم أُحيل إلى التقاعد دون معاش حتى الحاجة إليه، استدعى أثناء حرب الحبشة في 1875م كمأمور مهمات، وزاد غضبه على الشركس؛ لما عرضوا له الجيش المصري من خسائر هناك بسبب قلة كفاءتهم، اتهم بعد عودته بالاشتراك في التخطيط لمظاهرات الضباط في فبراير 1878م ونُقل إلى الإسكندرية.
عادت مكانة عرابي إلى ما كانت عليه مع عزل إسماعيل وتولى الخديو توفيق الحكم، فمنحه رتبة أميرالاي "عميد" في 1879م وأعاده إلى العباسية بالقاهرة، إلا أن عرابي لم يستطع السكوت على ما يراه من تسلط على الضباط المصريين، فاجتمع عدد من الضباط المصريين في منزل عرابي منهم عبد العال حلمى وعلى فهمى وألفي يوسف، وأحمد عبد الغفار فى 15 يناير 1881م، واتفقوا أن يتحدث عرابي باسمهم وكتبوا عريضة طالبوا فيها بعزل وزير الحربية عثمان رفقي وتشكيل مجلس نواب وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي وتعديل بعض قوانين العسكرية، وإلغاء السخرة، ووقعوا عليها وقُدمت إلى رياض باشا رئيس النظار "الوزراء".
قرر الخديو بعد اجتماع برئاسته إيقاف الضباط الثلاث ومحاكمتهم، فانتفض الجيش للثورة على الخديو وأخرجتهم من الاعتقال، وتحركت القوات على رأسهم عرابي إلى قصر عابدين وطالبوا بعزل وزير الحربية فوافق الخديو مرغما على عزله وعين محمود سامي البارودي بدلاً منه في فبراير 1881م.
الثورة العرابية
ارتفع شأن عرابى كزعيم وطني يمكن الاعتماد عليه ، وفى 9 سبتمبر 1881م حشد عرابى قوات الجيش المصرى وسار به إلى قصر عابدين فى مظاهرة عسكرية لعرض مطالب الشعب على الخديوى توفيق ومنها (إسقاط وزارة رياض باشا وتشكيل مجلس نيابى وزيادة عدد أفراد الجيش) وتعتبر أول مظاهرة يقوم بها الجيش ضد الحاكم ، اعترض الخديو بشدة على هذه المطالب وترك عرابى ودخل القصر، إلا أن المطالب أجيبت وسقطت الوزارة وافتتح المجلس النيابي في 26 ديسمبر 1881م.
حصل عرابي على رتبة اللواء في 1882م وصدر أمر بتعيينه وكيلاً لوزارة الحربية في 4 يناير 1882م، ثم وزيراً للحربية في وزارة البارودي في فبراير من نفس العام، لم يعجب الإنجليز والفرنسيين تضخم نفوذ الجيش المصري الذي يقوده عرابي والبارودي، فالجيش له الكلمة العليا فى الشارع ويستطيع أن يجبر القصر على تغيير سياسته، تقدمت إنجلترا وفرنسا بإنذار لوزارة البارودي وتسلم الخديو نسخه منه تطالب فيها باستقالة الوزارة وخروج عرابي من مصر وتحديد إقامة عبد العال حلمي وعلي فهمي، قبل الخديو الإنذار ورفضه الوزراء وتقدموا باستقالتهم اعتراضاً عليه فقبلها الخديو، وتمسك الضباط بعرابي وزيراً لهم، وعمت البلاد الاضطرابات.
هزيمة التل الكبير واحتلال مصر
أدت الأحداث المتتالية بين رفض وقبول الإنذار إلى ضرب الأسطول الإنجليزي الإسكندرية في 11 يوليو 1882م، توالت المعارك في عدة أماكن ومحاولات الخديو والإنجليز كسر شوكة عرابي وجنوده فأصدر السلطان العثماني عبد الحميد منشورا بعصيان عرابي ثم هُزم فى التل الكبير 12 سبتمبر 1882م، فعاد لحماية القاهرة إلا أن الأنجليز دخلوها في نفس يوم وصوله 15 سبتمبر ليبدأ الاحتلال البريطانى لمصر.
محاكمة عرابي ونفيه
حوكم عرابى ورفاقه وحُكم عليه بالنفي، وغادرت سفينة بميناء السويس فى 28 ديسمبر 1882م متجهة إلى جزيرة سيلان يرافقه إلى المنفى محمود سامى البارودى.
عاد بعد 19 عاما فى المنفى إلى السويس، في وقت تمكن الإنجليز من البلاد، لا يذكره أحد من الجيل الناشئ أو يذكر ثورته إلا بالسوء، فسكن مع أبنائه في شارع الملك الناصر، وكتب مذكراته بعنوان "كشف الستار عن سر الأسرار" وذكر فيها أنه لم يجد ما يقرب من الحقيقة عما حدث في النهضة المصرية، فكتبها تصحيحا للتاريخ وخدمة للإنسانية، أوصى أولاده أن ينشروها مهما قابلهم من عقبات، وقد ترك 4 أبناء في مصر قبل نفيه وتزوج في منفاه و أنجب 4 أبناء عادوا معه إلى مصر أما البنات فبقين هناك.
أُصيب بمرض السرطان، واشتد عليه المرض وغاب عن الوعي لأكثر من 30 ساعة، ثم مات عرابى فقيرا فى 21 سبتمبر 1911م عن عمر 70 عاما، أبناؤه انتظروا صرف معاشه لتجهيزه ودفنه، ودُفن بالإمام الشافعي، وقد كرمته ثورة يوليو وأنشأت له مُتحفًا.