"يا إبرة مصدية عالكوم مرمية، ياختى تقوليش بالعة إبرة، من الإبرة للصاروخ" ..كل هذه مقولات نرددها في حياتنا اليومية عن إبرة الحكاية التي تملك الكثير من الحكايات لنقوله عنها.
موضوعات مقترحة
بدورها تقول الباحثة والكاتبة شذي يحيي، إن الابرة الصغيرة شكتها مؤلمة، تبدو الإبرة عارية وباردة لكن لا غنى عنها فهى التى تصنع الستر والحمى من البرد والحر، لا يخلو منها بيت فى تلك العلبة الصفيح التى كانت تحتوى على حلوى وشيكولاتة، ولما فرغت بدلاً من رميها تصبح بيتًا مستعارُا للإبر وكستبانها وخيوطها الملونة لرتق الثياب، وخياطة الطيور بعد حشوها، وإغلاق الأجولة وأغطية الألحفة والمخدات والستائر والبياضات، أما الأحذية هى الأخرى فمصنوعة بالإبرة وإذا بليت ترسل للأسكافى لخياطتها وترقيعها بالإبرة.
وتضيف يحيي أن الإبر تستخدم أيضا فى الوشم للزينة والعلاج والحماية من الشر، لقد ذهب الإنسان إلى القمر وغزا الفضاء وصنع القنابل والصواريخ وما زالت تكسو ثيابه إبرة بل ما زالت تصلحه إبرة عندما يُجرح أو يقوم بجراحة.
وتوضح شذي يحيي أن الإنسان البدائى عرف الإبرة منذ أكثر من خمسين ألف سنة، حيث وجدت إحداها فى روسيا، وكانت مصنوعة من عظام الحيوانات وطولها حوالى 6سنتيمترات، أما الخيط فكان مصنوعًا من أحشاء وجلود الحيوانات وما تزال هذه الإبرة صالحة للاستعمال حتى اليوم، وقد عُثر على كمية من الأبر فى كهوف العصور الحجرية فى الصين، وجنوب أفريقيا، وسلوفينيا وأمريكا اللاتينية، وجميعها مصنوعة من عظام الحيوانات والطيور والأسماك والأصداف.
كانت الإبر تُصنع من شظية عظم تشطف وتصنفر بالرمال ثم تُثقب، وكانت تستخدم لوصل الجلد ببعضه لتثبيته على الجسم، وكانت هذه هى الملابس الأولى فى التاريخ، أما أول إبرة معدنية فقد عثر عليها فيلندر بترى فى مصر وتعود الفترة من ٥٥٠٠ إلى ٤٥٠٠ ق.م، وكانت مصنوعة من النحاس، حيث صنع المصريين الإبر من البرونز والفضة وعظام السمك، وكانت رفيعة ولها ثقب فى طرف واحد، وقد أجادوا تطريز ثيابهم وفرشهم وخاطوا الصنادل وأربطة الجلد، وفى عام ٣٥٠٠ ق.م صنع الأطباء الهندوس إبرة جراحية من الحديد على شكلين مستقيمة ومعقوف.
وفى عام ١١٠٠م، ذكر الغزالى وهو مؤرخ عاش فى بلاد فارس ٢٨ مهنة تحتاج الإبر فى صناعتها ذاكرا أن الإبر هى أدوات باهظة الثمن وتستلزم صنعة خاصة، وقد صنع الصينيون الإبرة الفولاذية منذ القرن العاشر وكانت تباع فى أسواق العالم الإسلامى بأسعار باهظة على حد ذكر الغزالى، وانتقلت الإبرة الصينية عبر طريق الحرير إلى أوربا، كان العالم يعرف الفولاذ قبل ذلك بقرنين وكان لمدينة دمشق شهرة كبيرة فى صناعته منذ القرن الثامن وانتقل سر الصنعة إلى كاتالونيا فى إسبانيا لكن كيفية سحب الإبرة وصناعتها ظل سر الصينيين حتى كشفه الألمان فى مدينة نومبرغ ونقلوا سره للفرنسيين، ثم الإنجليز فى العام 1445/.
وتؤكد شذي يحيي أن الإبر تنوعت شكلاً وحجمًا حسب الاستخدام، كما فُرضت الضرائب على الإبر المستوردة لحماية الإنتاج المحلى، كما حدث فى روسيا فى عهد بطرس الأكبر، وفى بدايات الثورة الصناعية اخترعت آلة لصناعة الإبر الفولاذية وثقبها كانت بمثابة النقلة فى عالم الأزياء والخياطة.
من أشهر الأمثال على الإبر "إبرة فى كوم قش" و "زى الإبرة تكسى وهى عريانة"
وتضيف يحيي، أن مصر ظلت حاضرة للنسيج والتطريز والأزياء والموضة منذ عصر الدولة القديمة وحتى العصور اليونانية والرومانية، وعرف المصرى القديم السراجة والشلالة وغرزة الفرع والحشو والسلسلة وطرز الأكفان بالخيوط الملونة، وبلغت ذروة ازدهار التطريز فى العصر القبطى، حيث ذكر أن القساوسة كانت لهم ثياب مطرزة لأداء الصلوات والقداسات واستخدم الفنان القبطى الخيط الأبيض على قماش مصبوغ بألوان داكنة كالازرق والأحمر والبنى، كما استخدم الخيوط المعدنية وربما كان هذا الاستخدام الذى فتح الباب لفن تطريز التلى فى أزمنة لاحقة كما عرف القطان .
وازدهرت الثياب فى العصور الإسلامية، وأصبحت الملابس بتفصيلات أكثر تعقيدًا، وتنوعت التطريزات بالإبرة وتوشية الثياب بالحرير والمعادن وإضافة أشكال حروفية بالذهب أو الحرير على النسيج الذى لاقى رواجًا كبيرًا وصدر لأسواق البندقية، ومنها لباقى أوروبا، وفى العصر الفاطمى ازدهر فن الخيامية وسرادقات القماش المزخرفة بالقماش الملون المرقد بالإبرة فوق قماش الخيمة ومازال يُصنع إلى اليوم بنفس الطريقة بواسطة الإبرة.
فى القرن التاسع عشر ظهر الخياطين الأرمن والشوام فى الأسواق المصرية ،وكانت ملابس الرتب وكبار الموظفين تحاك وتطرز وتوشى على النظام الأوربى وبرع الأرمن فى تنفيذ هذه التصميمات وأقبل الأعيان وعلية القوم على هؤلاء الخياطين، ودفعوا لهم مبالغ باهظة فى مقابل مبالغ زهيدة كانوا يدفعونها للخياط أو الترزى المصرى، وظهر مصطلح ترزى بلدى يصنع الزى الشعبى، وترزى أفرنجى يصنع الملابس الغربية، وكان الشوام بارعين فى صنع القيطان والتطريز؛ لذلك كانت أسعارهم أعلى قليلا من المصريين وعندما ظهرت ماكينات الخياطة استعملها الجميع كل بطريقته.
وتوضح شذي يحيي، أن الإبر بقيت للتسريج واللفق وطبعا للتطريز الذى لم يعد مطلوبًا فى الملابس الرجالية،وأصبح هواية لسيدات الطبقة الراقية بأشغال مثل اللاسيه والكانفاه والتريكو ولكل نوع إبر مخصوصة.
الإبر ـ صورة تعبيرية