في تصعيد جديد وخطير، تعرض الجنوب اللبناني لسلسلة انفجارات نُفذت باستخدام أجهزة نداء (البيجر)، مما أثار حالة من الجدل حول الطرق والأساليب التي اُستخدمت في هذه الهجمات، بينما تشير التقديرات الأولية إلى احتمال تورط إسرائيل، تكشف التحليلات المتخصصة عن سيناريوهات معقدة تتعلق بالهجوم، المهندس محمد هارون، خبير أمن المعلومات، يُقدّم رؤيته حول ما إذا كان الهجوم قد نُفذ بواسطة وسائل إلكترونية أم أن هناك تلاعباً مادياً مباشراً بالأجهزة.
موضوعات مقترحة
الهجوم الإلكتروني: احتمالات ضعيفة وتأثير محدود
أوضح المهندس محمد هارون في تحليله أن الهجوم الإلكتروني على أجهزة البيجر، رغم إمكانية حدوثه من الناحية النظرية، يظل احتمالاً ضعيفاً نظراً لتقنية هذه الأجهزة القديمة والبسيطة. وأشار إلى أن أي تلاعب في البرامج الثابتة أو نظام التشغيل للبيجر يتطلب خبرة متقدمة، لكن التأثير في حالة حدوثه سيكون محدوداً مقارنة بحجم الانفجارات التي وقعت.
وأضاف هارون أن أجهزة البيجر ليست هدفاً مغرياً للهجمات الإلكترونية المتقدمة؛ كونها أجهزة قديمة ذات اتصال محدود. على الرغم من أنه قد يكون من الممكن استغلال الثغرات الأمنية لإحداث ارتفاع في حرارة الجهاز أو التلاعب بالبطاريات، إلا أن أثر مثل هذه الهجمات يبقى مقيداً بحجم البطاريات الصغيرة.
العبث المادي في سلسلة التوريد: سيناريو أكثر واقعية
وفقاً لهارون، فإن النظرية الأكثر ترجيحاً تتمثل في العبث المادي المباشر بأجهزة البيجر عبر سلسلة التوريد. يُرجح أن الأجهزة قد تم تعديلها وإدخال مكونات متفجرة داخلها قبل تسليمها إلى المستخدمين. وأوضح أن هذا السيناريو يتماشى مع حجم الانفجارات الكبير الذي يفوق ما يمكن تحقيقه بواسطة الهجمات الإلكترونية.
وأشار هارون إلى أن التحقيقات الأولية تشير إلى وجود مواد شديدة الانفجار تتراوح بين 3 إلى 5 جرامات مدفونة في الدوائر الكهربائية لأجهزة البيجر. هذا الاكتشاف يؤكد أن الانفجارات ليست نتيجة تلاعب عادي بالبرامج، بل هي جزء من خطة معقدة تشمل زرع متفجرات.
كيف يمكن استغلال نقاط الضعف في أجهزة النداء؟
من الناحية التقنية، يرى هارون أن المتسللين يحتاجون إلى تحديد نقاط ضعف في البرامج الثابتة أو في مكونات أجهزة البيجر من أجل التلاعب بها. قد يتضمن هذا التلاعب بأنظمة شحن البطاريات أو إدارة الطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجهاز بشكل غير طبيعي وربما انفجاره.
ورغم أن هذا السيناريو ممكن، إلا أن تنفيذه يتطلب مستوى عالياً من المعرفة التقنية والقدرة على إجراء هندسة عكسية للأجهزة. يظل أثر هذا السيناريو محدوداً نظراً لحجم البطاريات الصغيرة التي تُستخدم في البيجرات، مما يجعل احتمال وقوع انفجارات كبيرة عبر هذا النوع من الهجمات غير وارد.
التفجيرات المتزامنة: دليل على تدخل مادي منسق
التحقيقات أظهرت أن التفجيرات وقعت في عدة أجهزة بيجر في وقت متزامن، وهو ما يشير إلى جهد منسق ومتعمد. يرى هارون أن هذا التنسيق يصعب تحقيقه عبر الهجمات الإلكترونية وحدها، ويعزز من فرضية التلاعب المادي المباشر بالأجهزة.
كما أضاف أن بعض أجهزة البيجر لم تنفجر، مما سمح لحزب الله بفحصها واكتشاف أنها قد تحتوي على مكونات متفجرة تم زرعها مسبقاً. هذا يشير إلى أن الأمر يتعدى مجرد استخدام تقنيات إلكترونية للتفجير عن بعد.
الخبرة التقنية المطلوبة: هل يمكن استهداف البيجرات إلكترونيًا؟
على الرغم من أن استهداف البيجرات إلكترونياً ممكن نظرياً، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب خبرة تقنية نادرة ومعرفة معمقة بتصميم هذه الأجهزة. يحتاج المتسللون إلى تحديد نقاط الضعف في الجهاز وتطوير شيفرات برمجية قادرة على استغلال هذه الثغرات.
ولكن حتى مع هذه الإمكانية، يرى هارون أن تحقيق تأثير مشابه لما حدث في الجنوب اللبناني يتطلب مستوى عالياً من التلاعب المادي وليس مجرد هجوم إلكتروني.
المهندس محمد هارون
مادة شديدة الانفجار داخل الأجهزة: أدلة جديدة تخرج إلى النور
أظهرت التحقيقات أن الانفجارات قد نجمت عن زرع مواد شديدة الانفجار داخل أجهزة البيجر نفسها. هذه المواد، التي تم اكتشافها في بعض الأجهزة غير المنفجرة، تشير إلى أن الهجوم قد يكون جزءاً من عملية أكبر تهدف إلى استهداف أعضاء حزب الله باستخدام أجهزة مخصصة للنداء.
وقال هارون إن هذه الاكتشافات تعزز من فرضية أن الأجهزة تم التلاعب بها أثناء عملية التصنيع أو التوزيع، مما يجعل السيناريو الأكثر احتمالاً هو التلاعب المادي المتعمد وليس الهجوم الإلكتروني.
هل تم اختراق أجهزة النداء أثناء التصنيع؟
يطرح هارون تساؤلاً حول إمكانية تعرض أجهزة البيجر للاختراق أثناء تصنيعها أو توزيعها. في حال تم زرع المكونات المتفجرة خلال هذه المراحل، فإن هذا يفسر كيفية وقوع الانفجارات بتلك الطريقة الدقيقة والمتزامنة.
وأضاف أن سلسلة التوريد قد تكون نقطة ضعف كبيرة في هذا السيناريو، مما يستدعي التحقيق في كل مرحلة من مراحل التصنيع والتوزيع للوصول إلى المتسببين في هذه الهجمات.
استنتاجات أولية: هل تكشف التحقيقات عن تورط جهات داخلية؟
في ختام تحليله، يشير المهندس محمد هارون إلى أن الأدلة الحالية تشير بقوة إلى أن التفجيرات لم تكن نتيجة هجوم إلكتروني بحت، بل نتاج تلاعب مادي مباشر في أجهزة البيجر. سواء كان هذا التلاعب قد حدث أثناء التصنيع أو التوزيع، فإن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد الجهات المسؤولة عن هذه الهجمات المعقدة.
المؤشرات الأولية تؤكد أن هذه العمليات تمت بتخطيط دقيق وتنفيذ منسق، وهو ما يثير تساؤلات حول الجهات التي قد تكون متورطة في هذا الهجوم الفريد من نوعه.