Close ad

السياحة المُفرطة

17-9-2024 | 14:38

ظاهرة جديدة وغريبة تشهدها الوجهات السياحية التقليدية في أوروبا، تعكس في جوهرها عدم الترحيب "ضمنيا" بمزيد من السائحين القادمين إليها، بعدما باتت ترفع شعار "كامل العدد". هذه الوجهات لم تعد بمقدورها استقبال المزيد من الزوار، حيث يفد إليها سواح من جميع أنحاء العالم بأعداد كبيرة تفوق بكثير قدرتها وطاقتها الفندقية الاستيعابية أو بنيتها الأساسية. فأكثر من ثلثي السياحة الأجنبية الوافدة إليها ترد خلال الموسم السياحي الممتد لثلاثة أشهر بين يوليو وسبتمبر من كل عام وهو ما يشكل ازدحاما شديدا، في حين تتوزع نسبة الـ 40 بالمئة الأخرى على بقية أشهر السنة. وتتجه بعض الوجهات إلى فرض ضرائب ووضع معايير جديدة لنزل الإقامة إرضاء لسكانها المحليين، بما يضع سقفًا لعدد الزوار المسوح استقباله، بعدما شهدت مظاهرات مُطالبة بطرد السائحين.
 
مظاهرات ضد السياح

شهدنا خلال يوليو الماضي احتجاجات في برشلونة الإسبانية ضد السياحة الأجنبية، وأغلق السكان الغاضبون مداخل الفنادق والمقاهي، في محاولة رمزية للتعبير عن سخطهم من الاكتظاظ السياحي المفرط الذي تعاني منه مدينتهم.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم تسليط الضوء فيها على "مشكلة" السياحة في إسبانيا، حيث شهدت البلاد التي تستقبل 85 مليون زائر سنويًا، سلسلة من الاحتجاجات ضد ما يسمى بـ "السياحة المُفرطة"، مما جعل العديد من السكان المحليين غير قادرين على تحمل تكاليف العيش فيها بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات.

وهذا يذكرنا أيضا بتظاهر الآلاف من مواطني مدينة البندقية الإيطالية قبل نحو خمس سنوات للمطالبة بمنع مرور السفن السياحية الكبرى في خليج المدينة الشهير، حفاظا على البيئة هناك.

وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى إصدار السلطات المحلية قرارًا يحظر رسو السفن السياحية الكبيرة عبر القناة الكبرى، بما يساعد في الحفاظ على السلامة الهيكلية والبيئية للمدينة.
 
إجراءات سيادية
السلطات في بعض الدول الأوروبية بدأت تستجيب لمطالب السكان المحليين واتجهت لوضع حلول تحد من أعداد السياحة الوافدة عبر فرض المزيد من الضرائب أو تقنين أوضاع الشقق الفندقية.

ففي إسبانيا، قررت برشلونة وضع حد لتأجير الشقق السياحية بحلول عام 2029، وهو ما يتيح لها إعادة آلاف المساكن إلى سوق الإيجار أو البيع. إذ وافق البرلمان الإقليمي في كاتالونيا على مرسوم ينظم عدد أماكن الإقامة المرخصة للاستخدام السياحي البالغ 100 ألف منزل.

مشكلة برشلونة الأساسية أنها تشهد زيادة في عدد الشقق والمنازل للأغراض الفندقية استجابة للزخم السياحي الذي يشهده الإقليم، مقابل نقص المعروض من الشقق السكنية وهو ما أفضى إلى زيادة الإيجارات بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية.
 
فرض ضرائب
كما هو الحال في إسبانيا، العديد من الإيطاليين غاضبون من تداعيات السياحة المُفرطة، إذ فقدت مراكز المدن التاريخية طابعها التقليدي، وتحولت المزيد والمزيد من الشقق السكنية إلى وحدات فندقية.

لذا تدرس السلطات الإيطالية فرض ضريبة تصل إلى 25 يورو في الليلة، ارتفاعًا من 5 يورو حاليًا، على أغلى غرف الفنادق في المدن التي تشهد كثافة سياحية.

وعلى خطى إيطاليا، تعتزم اليونان فرض ضريبة بقيمة 20 يورو على الزوار القادمين على متن السفن السياحية، إلى جزيرتي سانتوريني وميكونوس خلال ذروة موسم الصيف، في محاولة للحد من وصول أعداد أكثر من اللازم من السائحين.

رغم أن سويسرا لا تعاني من السياحة المُفرطة إلا أنها اتخذت إجراءات استباقية لتجنب الوقوع في هذه المشكلة التي تعاني منها جاراتها في أوروبا، وتعمل السلطات السياحية على عدم تكدس الزائرين خلال الموسم السياحي الصيفي وتعزيز الجذب السياحي على مدار العام.

بجانب الضرائب السياحية والعملة القوية، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة يجعل من سويسرا وجهة باهظة للزيارة، ما يحد من مخاطر السياحة المُفرطة.
 
اضطرابات عالمية
إن السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، فهي توظف عُشر سكان المعمورة وتتيح سبل العيش لمئات الملايين غيرهم، وتشير تقديرات منظمة السياحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، إلى أن مساهمة قطاع السياحة والسفر في الاقتصاد العالمي بلغت العام الماضي نحو 3.3 تريليون دولار، ووصلت الإيرادات السياحة الدولية إلى 1.4 تريليون دولار.

وإذا كان ذلك هو واقع الحال في الوجهات السياحية الغنية؛ حيث تعاني تخمة في عدد الزائرين، فإن السياحة العالمية تواجه جملة من العقبات أثرت اقتصاديًا على بعض دول العالم، لا سيما تلك التي تعتبر السياحة مصدرًا رئيسيًا من مصادر دخلها القومي.

ولا يزال قطاع السياحة العالمي يواجه تحديات منذ بداية جائحة كورونا ووصولًا للتغيرات والاضطرابات الجيوسياسية حول العالم، بما في ذلك التوترات في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا.

وبصورة أوضح فإن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تعيق جزءًا كبيرًا من الحركة السياحية الوافدة لها، إضافة إلى بعض الدول القريبة من روسيا وأوكرانيا.

لذا فإن العمل على إزالة الصراعات والتوترات الجيوسياسية يسهم في التعافي التام لقطاع السياحة وعودة حركة التنقل والسفر إلى معدلاتها الطبيعية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: