دائما أقول إن الولايات المتحدة الأمريكية، هى أمم متحدة بمعنى الكلمة. حيث يتشكل المجتمع الأمريكى من عرقيات مختلفة وديانات وثقافات متعددة ومتنوعة. ودائما كان المجتمع الأمريكى وما زال وسيظل، فيما يبدو على هذه الحال لأطول فترة ممكنة طالما ظل الدستور والقانون يسودان فى هذا البلد، الذى فتح ذراعيه لاستقبال بنى البشر من كل صوب وحدب.
موضوعات مقترحة
تلعب هذه التركيبة السكانية المتنوعة دورا كبيرا ومهما فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية كل أربع سنوات، ويخطب ودها الحزبان الديمقراطى والجمهورى، للفوز بأكبر قدر ممكن من الأصوات التى تساعد فى الفوز بالانتخابات والانتصار على الحزب الآخر، والسيطرة على البيت الأبيض وكذلك الكونجرس بمجلسيه نواب وشيوخ.
يشكل البيض ٪59 من المجتمع الأمريكى، فيما يشكل الهسبانيك أو الأمريكيون من أصول لاتينية ٪18، أما الأمريكيون من أصول إفريقية فيشكلون ٪13 ثم يليهم الأمريكيون من أصول آسيوية، حيث يشكلون ٪6 من المجتمع الأمريكي، أما الـ ٪4 المتبقية، فيشكلها بقية العرقيات المختلفة كسكان ألاسكا الأصليين والعرب والسكان الأمريكيين الأصليين الذين يطلق عليهم عادة الهنود الحمر وبقية العرقيات.
ومن هذه التركيبة المتنوعة نرى أن العرق الأبيض حاليا، هو الذى يسود، ولكن طبقا للدراسات المختلفة والأبحاث الميدانية فإن المجتمع الأمريكى سيشهد تغييرا كبيرا فى تركيبته العرقية خلال عشرات السنوات المقبلة، حيث سيقفز الأمريكيون من أصول لاتينية إلى الصدارة بسبب الهجرات القادمة للولايات المتحدة، وحرصهم على كثرة المواليد.
وباستبعاد العرق الأبيض من تركيبة المجتمع الأمريكى، فإن الأمريكيين من أصول لاتينية وإفريقية يشكلون الأقلية الأكثر عددا، والتى يحرص كل المرشحين للانتخابات نيل أكبر قدر من دعمهم وأصواتهم لتقوية مواقفهم الانتخابية سواء كان المترشح للانتخابات الرئاسية أم الانتخابات النيابية.
وفى الغالب يهتم أبناء الطبقات اللاتينية والإفريقية بملفات الخدمات الاجتماعية والخدمات الصحية، وتوفير الوظائف والتعليم وحقوق المواطنة بمختلف درجاتها، لذلك فإن مثلا حادثة مثل حادثة الأمريكى من أصول إفريقية جورج فلويد الذى قتل على يدى ضابط شرطة أمريكى من أصول بيضاء، تعد حدثا كبيرا من الممكن أن يغير موقف الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية لتأييد مرشح بدلا من مرشح آخر، وذلك طبقا لما سيقدمه المرشح الذى سيختارونه من دعم لهم، وكيف سيحمى حقوقهم ويعمل على إزالة أى معوقات لنيل كل مستحقاتهم المجتمعية.
كذلك ما حدث أخيرا من العرب والمسلمين فى ولاية ميتشيجان، بسبب الحرب الدائرة فى غزة وموقف إدارة جو بايدن منها، حين قرروا بأنهم لن يكونوا ملتزمين بالتصويت للرئيس جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعلنوا ذلك صراحة خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى فى الولاية، مما يعنى خسارة الديمقراطيين لما يقرب من 150 ألف صوت فى ولاية ميتشيجان لوحدها.
وبعد ما تشتد المنافسة بين المترشحين للحديث عن الأقليات وحقوقهم خلال الجولات الانتخابية المختلفة فى كل الولايات التى يزورونها، بل ويتنافسون فى تقديم الوعود البراقة لحل المشكلات التى يتعرض لها الأقليات فى الولايات المتحدة، لكن هل يفى المرشحون بكل ما يلتزمون به أمام الناخبين!؟ هذا السؤال دائما ما يطرح نفسه خصوصاً بعد أول سنتين من فوز أى مرشح بالانتخابات الرئاسية، وطبقا للانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن كثيرا من وعود الرئيس جو بايدن التى وعد بها مجتمعات الأقليات لم تتحقق لذلك، ربما يغير الكثير منهم بوصلته الانتخابية، ويذهب لانتخاب مرشح الرئاسية الجمهورى دونالد ترامب، ولكن أيضا سيكون هناك كثيرون ممن يرغبون فى اختيار كمالا هاريس المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، كى تكون هى رئيسة الولايات المتحدة القادمة، لاعتقادهم بأنها من الأقليات ومن الممكن أن تقدم لهم الكثير من الوعود التى ستعمل على تحقيقها خلال سنوات حكمها الأربع.
ومن التهم التى يوجهها الجمهوريون عادة للديمقراطية، هى أنهم يعملون على إدخال المهاجرين غير الشرعيين من الحدود الجنوبية للولايات المتحدة للعمل على توطينهم فى البلاد، ومن ثم الاستفادة بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية والبرلمان المختلفة، لكونهم ساعدوهم على الدخول إلى الولايات المتحدة، وبالتالى يكون هذا الملف دائما ملفا شائكا يعمل على العلاقات بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فيما يتعلق بمسألة الهجرة والحدود، ويجعل دائما أصوات المهاجرين سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين، وتم توفيق أوضاعهم لاحقا، لتميل كفتها ناحية الديمقراطيين.
على كل، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أقل من شهرين ستشهد الكثير من الدعاية الانتخابية الصاخبة للفوز بأصوات الأقليات، وربما يحصل هؤلاء على الكثير من الوعود الانتخابية التى سيستفيدون منها فى حال تحققت، وإن غدا لناظره قريب.