وسط تدهور الأمور، التي تنذر بارتفاع منسوب التوتر والحروب، كانت هناك إشارات موحية في منطقتنا بإدراك هذه المتغيرات، ومنع الانزلاق إلى الفوضى والانهيار اللذين تدفع بهما إسرائيل منذ 11 شهرًا، وبعد تدمير القطاع بالكامل، وتهديد حياة سكانه، ومقتل أكثر من 40 ألف نسمة وإصابة 50 ألف مواطن.
نحن فى منطقة مشتعلة لن تحل مشاكلها المعقدة في ظل غياب السلام العادل، وعدم إعطاء حقوق الشعب الفلسطينى، باستخدام السيف وحده كما يلوح نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الذى يرى أن الشرق الأوسط منطقة لا يستطيع العيش فيها دون السيف، ما لا يدركه هذا المتطرف أن من عاش بالسيف قتل به.
وقد ظهرت بوادر الأمل، فقد عقد في جامعة الدول العربية اجتماع وزراء الخارجية بمشاركة أوروبية وتركية لممارسة الضغط السياسى، ولدفع المفاوضات الدائرة بين حماس وإسرائيل، بوساطة مصرية أمريكية وقطرية، وكان الاجتماع العربي مؤثرا للغاية على المسرح الدولي، لكشف ما يحدث في غزة خلال العام المنقضي.
ولتصوير الجرائم الإسرائيلية بدقة بالغة أمام الرأى العام الإقليمي والعالمي، ولتحديد الفشل الذى أصاب المجتمع الدولي، الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والجنائية في تلجيم الجرائم الإسرائيلية التى ظهرت أمام العالم بلا تدخل، بل ترك الأطفال والنساء يقتلون بأرقام هائلة، والحياة تتهدم، وصورة غزة تبدو كأكثر بيئة تستحيل فيها الحياة.
أعتقد أن توصيف أمين عام الجامعة العربية كان أبلغ من أى رد، وكاشفا للدبلوماسية العالمية كيف تتحرك لإنقاذ الضمير الإنسانى فى أبشع مجزرة تحدث فى غزة والضفة الغربية، وفى المنطقة العربية ككل، ورد على نتنياهو الذي وصف منطقتنا بأنه لا تستطيع أن تعيش فيها إلا بالسيف، وطالبه بهدوء وثقة الدبلوماسيين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبحقوق الآخرين.
كما شارك فى هذا الاجتماع وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، لأول مرة منذ 13 عاما، بما يعني عودة الدور التركي الداعم لكل قضايا العرب، وعكس خطابه الدور التركي المتنامي بسياستها الخارجية القوية والفاعلة فى الجهود الرامية لإرساء الاستقرار والسلام والازدهار فى المنطقة، بما حملته من رمزية عودة الدفء فى العلاقات العربية - التركية، وتتويجا لجهود التطبيع التى بذلتها الخارجية التركية لإصلاح علاقاتها العربية مع جميع البلدان العربية.
وكذلك خطاب بوريل، الممثل للاتحاد الأوروبى، الذى أشار إلى أن إسرائيل تسعى لتحويل الضفة الغربية إلى غزة جديدة وتنفيذ سياسة التهجير، وأن إسرائيل جعلت من حل الدولتين مستحيلا، ولعلنا نتوقف أمام استنكار بوريل ودعاوى البعض بأن مبادرة السلام العربية قد عفا عليها الزمن.
فى حين أنها التى تسرع وتيرة الحل، وتضع حدا للصراع الراهن، وطالبنا الرجل بعدم اليأس، وها نحن نقول له إن أصحاب الحق لا ييأسون، وإن الأمل قادم والانتصار لفلسطين حقيقة لن ينكرها أحد.
وكان ظهور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ومنسقة الشئون الإنسانية وإعادة الإعمار فى غزة الهولندية سيجريد كانج فى الجامعة العربية، مؤثرا للغاية، بما يعنى أن الأمم المتحدة سوف تضطلع بدورها لإنقاذ غزة بعد تركها خلال عام كامل للعدوان الإسرائيلى بلا قدرةعلى التحرك، أو الفاعلية الدولية أمام العدوان الإسرائيلي والضعف الأمريكى تجاه إسرائيل، وشكلت هى ولازارين، المفوض عن الأونروا، ظهيرا للمنظمة الدولية فى كيفية تلافى الآثار السلبية لهذه الحرب البشعة على غزة وأهاليها.