لازال الغموض يحيط بمعنى "التغريب" الذي يستهدف مآثر المسلمين من تراث علمي وثقافي، فتراث المسلمين لم يعد محط اهتمام لدى أحفادهم، إلا ما رضي الله عن سعيهم وعن جهدهم، بينما لا يزال العلماء والباحثون الأجانب يتمسكون بمآثر أسلافنا الذين ملأوا الدنيا علمًا وحكمة.
موضوعات مقترحة
لقد أصبح تراثنا ضحية لتغيرات عالمية كثيرة، ولم يعد مُقيدًا داخل حدود الأمة الإسلامية، فالتغريب هنا ليس مجرد تأثيرات ثقافية أو اجتماعية، بل هو عملية مُنظمة للتسلط على التراث العلمي والثقافي الإسلامي، ليس بهدف الفهم والتعلم، بل لأغراض أخرى قد تكون غير واضحة أو مشبوهة في بعض الأحيان، وقد لاحظت هذا بنفسي أثناء بحثي عن إحدي المخطوطات، وكنت قد جمعت كل ما أحتاج لإيجاده من معرفة المواضع الخاصة به والفهرسة، وساعة بحثي عنه وجدت، وكأنه قد ذاب في الظل دون أي تفسير واضح، وبقية القصة كلها أسف من هول ما لاقيت، وإن فقدان التراث الإسلامي بهذا الشكل يدق ناقوس الخطر.
والتغريب الذي أقصده هنا هو ذلك التغريب الكُلي الذي يُمارس من خلال السيطرة على المخطوطات الإسلامية، وتحويلها إلى مجرد أرقام مُفهرسة في مكتبات أجنبية دون تحقيق أو دراسة جادة، هذا النوع من التغريب لا يشبه ما قام به العلماء الغربيون في الماضي، مثل المستشرق الألماني هيلموت ريتر (1892-1971)، الذي قدم جهودًا حقيقية في دراسة المخطوطات وتحقيقها.
وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن العديد من المخطوطات القيّمة التي تشهد على عظمة الحضارة الإسلامية ستكون عرضة للضياع أو التلاعب، ومن الضروري أن تسعي المؤسسات الأكاديمية في معاونة ودعم المتخصصين والباحثين لكي يعودوا إلى تراثهم المخطوط ويقوموا بدراسته، وتحقيقه، ونشره، إلي جانب ذلك، هناك حاجة مُلحة لتطوير وسائل جديدة لحفظ التراث، يمكننا استغلال التكنولوجيا الحديثة، مثل الرقمنة والتوثيق الإلكتروني، لضمان أن تكون هذه المخطوطات متاحة للأجيال القادمة.
محمد مكرم عبيد
باحث في التاريخ والحضارة
محمد مكرم عبيد