Close ad

من عيون تراثنا العربي.. "حي بن يقظان" لابن طفيل في دراسة جديدة بتوقيع د.عادل يحيي

13-9-2024 | 12:51
من عيون تراثنا العربي  حي بن يقظان  لابن طفيل في دراسة جديدة بتوقيع دعادل يحيي صورة تعبيرية

ضاع الكثير من تراثنا العربي، ونُسب زورًا لغيره من الثقافات في معترك صراع الحضارات بين الشرق والغرب، لم يقتصر ذلك السطو على الجوانب العلمية مثل الطب، والرياضيات، والفلك فقط ، بل إن نظرة فاحصة للأعمال الأدبية والفلسفية الأوروبية تكشف أنها صورة كربونية لمؤلفات ورسائل عربية، فالكوميديا الآلهية لدانتى أليجرى (1321م)، التي يشار إليها باعتبارها أعظم نص أدبي أنتجته أوروبا في القرون الوسطى، ما هي إلا مسودة لما كتبه الوزير والشاعر الأندلسي أبو عامر ابن شُهيد المتوفى عام 424هـ / 1034م " في رسالته الشهيرة "التوابع والزوابع".

موضوعات مقترحة

تكرر الأمر مع قصص وروايات عالمية وجدت طريقها إلى القلوب على اختلاف الشرائح العمرية مثل "طرازان" و"ماوكلى..فتى الغابات"، تلك الشخصيات الكارتونية والسينمائية التي أحبها الصغار والكبار على السواء، في حين أن كليهما "طرزان" و"ماوكلى" أصلهما عربي، وتعاقب على كتابتهم ٤ من عظماء فلاسفة وأطباء الإسلام ، تحت اسم "حي بن يقظان".

في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، كان الشرق الإسلامي قد بلغ أوج عظمته الحضارية، وفى أقصى الغرب الإيراني كان الشيخ الرئيس وأمير الأطباء ابن سينا المتوفى عام 427هـ /1037م" يمضى فترة سجنه في همدان نتيجة آرائه الفلسفية، لكنه أمضى العقوبة مُنهمكًا في كتابة رسالة فلسفية سماها "حي بن يقظان" تناقش علاقة الإنسان بالكون والدين وتدعو إلى استعمال التّفكُر والمكاشفة في الوصول إلى الخالق.

غير أن رواية "حي بن يقظان" وهى النسخة الأصلية لـ " طرازان" و"ماوكلى" قد اكتسبت شكلاً جديدًا حين قام الطبيب والفيلسوف الأندلسي أبو بكر بن طفيل" 581هـ/ 1185م" بإعادة صياغتها من جديد، كما أن معاصره شهاب الدين السهروردى " 578هـ / 1190م" قد أعاد بناءها تحت عنوان "الغربة الغريبة" ، فيما كان مكتشف الدورة الدموية الطبيب الأندلسي الشهير أبو الحسن علاء الدين بن النفيس"687هـ/ 1288م"، هو آخر من تناول تلك الرواية، حيث اسماها "فاضل بن ناطق" أو "الرسالة الكاملية".

دراسة جديدة بمنظور مختلف

وقد صدر مؤخرا دراسة بعنوان "التأثيرات القرآنية وجوانب أخرى حول ابن طفيل ورسالته حى بن يقظان" للدكتور عادل يحيي عبد المنعم، ضمن قيام سلسلة التراث الحضاري بالهيئة المصرية العامة للكتاب بإعادة نشر حي بن يقظان، بتحقيق الأستاذ أحمد أمين ـ رحمه الله ـ، ومحاولة تسليط الضوء على جوانب جديدة لم تتم معالجتها من قبل من خلال هذه الدراسة.

الجديد في الأمر أن صاحب الدراسة الأستاذ الدكتور عادل يحيي عبد المنعم قد نفذ إلى عمق رواية "حي بن يقظان" من خلال محورين جديدين لم يسبقه إليهما أحد، أولهما الجانب النفسي لشخصية بطل الرواية حي بن يقظان، الذي أبصر النور وحيدًا في جزيرة بعيدة، وبدأ يتعرف على نفسه وعلى الكائنات والكون وصولاً إلى خالقه سبحانه وتعالي، ثانيهما هو التأثيرات القرآنية لرواية "حي بن يقظان". 

صدر هذا الكتاب عن سلسلة التراث الحضاري بالهيئة العامة المصرية للكتاب، وهو الإصدار رقم "66" من إصدارات السلسلة التي ترأس تحريرها الكاتبة سلوى بكر، فيما يشغل الدكتور أسامة السعدوني جميل مدير تحريرها، وتهتم بنشر عيون التراث الحضاري على مدى الأزمان.

ملخص رواية "حي بن يقظان" 

تدور قصة "حي بن يقظان" عن طفل أبصر النور ليجد نفسه وحيدا في جزيرة نائية، فقد كان خاله ملكًا شديد البطش والغيرة، وكانت له أخت ذات جمال باهر، منعها أخوها الملك من الزواج بعد ما لم يجد لها رجلاً يليق بها، ولكنها تزوجت سرًا من رجل اسمه يقظان،فحملت منه وأنجبت (حيًّا)، فلما خافت أن يفتضح أمرها وضعَتْه في تابوت، وخرجت به إلى ساحل البحر وقلبُها يحترق خوفًا عليه، ثم قذفَتْ به في اليمّ، حتى رست به الأمواج فى جزيرة "الوقواق".

وبعد تلك الحبكة الدرامية المستوحاة من قصة نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ يسرد ابن طفيل كيف استطاع ذلك الطفل أن ينشأ دون أب يكفله أو أم ترعاه، حيث صادف وجود ظبية "غزالة" قد فقدت ولدها؛ فحنت عليه وأرضعته، وقامت برعايته، ودفعت عنه أذى الحيوانات، واصطحبته معها في مواطن الرعي.

ومنذ تلك اللحظة يمر"حي بن يقظان" بسبع مراحل للوصول إلى معرفة الكون وخالقه العظيم، أما الأولى فهي إرضاع الظبية لحي ورعايتها له حتى عمر سبع سنوات ، وما إن ماتت الظبية حتى شكل هذا حدثًا استثنائيًا في حياته ، لتبدأ المرحلة الثانية حيث قام حي بتشريح جسدها للتعرف على سبب الوفاة، وهنا تظهر العبقرية الطبية لابن طفيل مؤلف الرواية ، حيث استرسل في تشريح الجثة ما يشي بتمكنه من علم الطب ، وفى هذه المرحلة تكونت لدى "حي بن يقظان" الرغبة في المعرفة عن طريق الحواس.

أما المرحلة الثالثة فكانت اهتداء حي إلى استخدام العقل بصورة أكبر للتعاطي مع الطبيعة ومحاولة التعايش مع الحيوانات المختلفة، حيث اكتشف النار للدفء والطهي، وإبعاد الحيوانات المفترسة، فضلاً عن استخدامه لريش الطيور في صناعة زى يوارى جسده، وفى هذه المرحلة بنى بيتًا له يسكن فيه، كما أنه بدأ في تسخير الحيوانات وركوبها ليستعين بها على قضاء حوائجه.

أما المرحلة الرابعة فكانت اكتشافه لجميع الأجسام التي كانت موجودة حوله، فعرف الفرق بين الجسد والروح، واكتشف تشابه الكائنات في المادة واختلافها في الصور، فوصل بذلك أن كل صناعة لابد لها من صانع، وأن كل خلق لابد له من خالق، حيث انتقل فكرُه وتأمله من محيطه الأرضي إلى السماء والكون باتساعه وعظمته؛ أملًا منه في العثور على هذا الخالق العظيم .

بدأ حي المرحلة الخامسة فكانت في اكتشاف الفضاء، وكان ذلك الاكتشاف أقرب ما يكون لتدبر نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ لحركة النجوم والكواكب، واختلافها في الشكل والظهور والوظيفة، واستنتج بعد كل هذا أن الأجسام السماوية والكون بحاجة إلى صانع، كبقية الأجسام الأرضية التي عرفها من قبل.

وعند بلوغه الخامسة والثلاثين من عمره، بدأ حي مرحلته السادسة، وهى الوصول إلى خالق الكون، حيث اختار طريق الصوفية وأهل المعرفة للوصول إلى الله من خلال التجرد من الطباع الشهوانية للحيوانات، والسمو بالروح من خلال تذكية الروح وتطهرها من الذنوب، فتشبه بالأجسام العلوية في السماء، فتارة يمضى سياحته طائفا حول الجزيرة،وتارة يدور حول نفسه في رقصات صوفية أشبه بـ"المولوية"، لينتهي به الأمر إلى نظريات ذوبان الجسد واتحاد الروح والكشف والمشاهدة للخالق العظيم.

لكن حياة "حي" تنقلب رأسًا على عقب حينما قرر شخصان أحدهما يدعى "أبسال" والآخر"سالمان" أن ينزلا بجزيرة ابن يقظان، وكان الشقيقان أبسال وسالمان يعتنقان إحدى الديانات السماوية، وحين التقيا بحي قاما بتعليمه اللغة، إذ كان لا يعرف غير أصوات الحيوان، وحينما حكى لهما قصته للوصول إلى خالق الكون من خلال الاكتشاف والفطرة، اتفق ذلك مع ما جاء به الدين.

وحين قرر حي أن يرحل عن جزيرته إلى الجزيرة التي جاء منها "أبسال" و"سالمان" ، واختلط بالناس، واكتشف ما بهم من شرور ومكائد وابتعاد عن طريقته التي وصل إليها في الحب الإلهي، قرر أن يعود إلى جزيرته مرة أخرى ليعبد الله على طريقته.

وفيما يلي ننشر المقال الافتتاحي للدراسة الخاصة بدراسة كتاب "حي بن يقطان" للأستاذ الدكتور عادل يحيي عبد المنعم، حيث يقول: 

رغم تعدد كُتاب "حي بن يقظان" بين أطباء وفلاسفة شهد لهم العالم بعبقريتهم الفذة، تبقى الرواية التي كتبها أبو بكر بن طُفيل أكمل وأروع تلك النسخ، وتأتي أهمية الدراسة في بيان مدى أهمية الفكر الفلسفي في الحضارة الإسلامية، بما يشير إلى ما كان عليه الغرب الأوروبى في محاربته في العصور الوسطى، وشيوع مقولة من تمنطق، أو تفلسف، فقد تزندق. 

وقد بدأت الدراسة بالتعريف الموجز بابن طفيل الأندلسي ، الذي عاش في ظل دولة الموحدين، وكانت وفاته في مراكش سنة ٥٨١ من هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

تناولت محاولة ابن طفيل في تبسيط الفكر الفلسفي للعوام والبسطاء من الناس، وهو مادفعه إلى اللجوء إلى العنصر القصصي والدرامي في رسالته، متخذًا منهج من عاصروه من الفلاسفة في التأكيد أنه لايوجد تعارض بين العقل والنقل، أو بين الفلسفة والدين، وهو ماظهر في كتابات مثل فصل المقال... لابن رشد، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، وغير ذلك مما يعرفه المتخصصون، وربما يأتي المستقبل بجديد لا نعرفه.... إلا أني أزعم أن الرجل كان سباقًا في تبسيط الفكر الفلسفى، وفي التأكيد على عدم تعارضه مع الدين. 

كما تناولت الدراسة نقد ابن طفيل لبعض فلاسفة المشرق والمغرب على حد سواء، من أمثال ابن باجة، الفارابي، ابن سينا والغزالي، معيبًا على نفر منهم الغموص، والوقوف عند حد المعرفة النظرية، وغير ذلك كثير مما أفضل الإحالة إليه، وربما كان هذا سببًا في استخدام الجانب القصصي في كتابة حي بن يقظان كما سبق القول.

كما تناولت تفصيلا، وفي نقاط أزعم إنها جديدة، التأثيرات القرآنية والنزعة الصوفية والروح الإسلامية في كتابات الرجل، بما يوحي إنه صاحب ثقافة إسلامية أصيلة، ومفندًا في نفس الوقت ماجاء بشأن التأثيرات اليهودية والمسيحية في فكره، ردًا على ماجاء في كتابات نفر من المستشرقين. 

كما تناولت الدراسة جوانب أخرى عديدة، منها ما ارتبط ببعض الأقلام التي نقدت فلسفة ابن طفيل نفسه، ومنها ما تعلق بالظروف التي أحاطت به في بيئته المغربية والاندلسية، وموقفه من استلهام التاريخ، والدوافع التي دفعته الى كتابة حي بن يقظان، ونقده للمجتمع الأندلسي تحديدا..... فضلا عن جوانب أخرى متعددة أحيل القاريء الكريم إليها خشية الإطالة.

ثم جاءت خاتمة الدراسة لتوضح مدى أصالة الفكر الإسلامي عند ابن طفيل وقصته حي بن بقظان، وإن القصة شاع تأثيرها في الغرب الأوروبى في كافة مجالات الأدب والفن والسينما... وإن أعلام الحضارة الإسلامية كانوا روادًا في الرمز والإيحاء والإسقاط في معالجة القضايا والمشكلات، وهي بضاعتنا التي أخذها الغرب في فكرهم الفلسفي الذي يحاربوننا به.

وما كان هذا كله ليتم لولا اهتمام النظام السياسي في المغرب والأندلس بالفلسفة والفلاسفة؛ إيمانًا بدور الفلسفة في التعبير عن مشكلات المجتمع، وعندئذ - وعندئذ فقط - يمكن أن يكون للفلسفة دورها نحو مستقبل أفضل، وهو مايمكن أن يسجله المؤرخون في كتاباتاهم؛ استنادا إلى قيام المؤرخ برصد كافة أحداث مجتمعه وحضارته، بما يعود بالنفع على الأمة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

د. عادل يحيي

عضو اتحاد المؤرخين العرب 

عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية 


كتاب حي بن يقظان في طبعته الجديدةكتاب حي بن يقظان في طبعته الجديدة

د. عادل يحيي عبد المنعم د. عادل يحيي عبد المنعم
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: