تعتبر مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لبناء الإنسان المصري، من أهم المبادرات الرئاسية في الفترة الأخيرة، والتي تهدف إلى الاستثمار في رأس المال البشرى، من خلال برامج عمل تستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية من خلال تعزيز الجهود والتنسيق والتكامل بين جميع جهات الدولة في مختلف أقاليم الجمهورية، وبتعاون كامل بين مؤسسات الدولة كافة، بحيث يشعر المواطن بمردود إيجابي خلال فترة وجيزة.
ومن المقرر أن ترتكز المبادرة على بناء الوعى وإعداد أجيال جديدة تترسخ فيها قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية في عملية التنمية الشاملة، لتنفيذ إستراتيجية مصر 2030، مستهدفة الأطفال "من سن يوم حتى 6 أعوام"، لتعزيز الصحة والحد من الوفيات وغرس القيم والمبادئ الإيجابية، كذلك برامج للفئة العمرية "من سن 6 إلى 18 عامًا"، وتركز على تحسين المهارات وزيادة كفاءة سوق العمل وتدريب الشباب وتنمية مهاراتهم بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وبرامج للكبار "من سن 18 إلى 65 عامًا" ليشمل البرنامج تدريبًا وتأهيلًا لسوق العمل، والمشاركة المجتمعية، في إطار الحفاظ على القيم والأخلاق والمبادئ التي تمثل الهوية المصرية الأصلية.
وانطلاقًا من دورها الوطني في النهوض بالإطار الأخلاقي للمجتمع؛ سارعت المؤسسات الدينية في الترحيب بالمبادرة ودعمها، وعلى رأس تلك المؤسسات الأزهر الشريف، حيث أعرب فضيلة الإمام الأكبر عن ترحيبه الكبير بالمبادرة ومشاركة الأزهر فيها من خلال قطاعاته المختلفة وإداراته المنتشرة على مستوى الجمهورية، وأثنى فضيلته على المبادرة خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يتعرض فيها أبناؤنا وشبابنا لغزو ثقافي مسموم وغير مسبوق يستهدف القضاء على هويتهم، وانحرافهم عن مصادر قوتهم، وفصلهم بالكلية عن ماضيهم وتاريخهم وحضارتهم.
ولاشك أن الأزهر الشريف بكل قطاعاته يعمل ليل نهار في ضوء تلك المبادرة حماية وتنمية للإنسان المصري في مختلف مراحله العمرية، وسواء أكان يدرس في الأزهر وأروقته أم لا، حيث يعمل الأزهر على غرس القيم والمبادئ لدى الأطفال والشباب من خلال برامجه المختلفة التي نذكر منها: معاهده المنتشرة في كل ربوع الجمهورية، وندوات ومبادرات الرابطة العالمية لخريجي الأزهر وإصدارها لمجلة نور الخاصة بالأطفال، وصحيفة الرواق، كذلك إصداره لجريدة صوت الأزهر، ومجلة الأزهر.
ولا تفوتنا الجهود الكبيرة التي يقوم بها مرصد الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية من خلال الندوات المختلفة التي يعدها على مدار العام، لحماية الشباب من التطرف الفكري، وهجمات الإلحاد التي تعصف بعقولهم، وكذلك وحداته المختلفة الداعمة للأسرة المصرية ولم شملها، وكذلك الأروقة الأزهرية التي تستقبل جميع فئات المجتمع لدراسة العلوم الشرعية والنهل من علوم الشريعة بمنهج وسطي يحمي العقل من الإفراط والتفريط.
ولا تقف حدود الأزهر الشريف على بناء الإنسان وتنمية قدراته المصري فقط؛ بل تعدى دوره حدود الوطن ليعبر إلى بلدان العالم كافة، من خلال عالمية جامعته الشريفة في استقبال العديد من الطلاب الوافدين من أكثر من 110 دولة ليبلغ عدد الطلاب الوافدين الدارسين في معاهده وجامعته أكثر من 40 ألف طالب، ينهلون من علوم الأزهر الشريف ليعودا إلى بلدانهم خير سفراء لمصر وأزهرها الشريف.
والحقيقة أن الأزهر كمؤسسة وطنية معنية ببناء الإنسان وفق المنهج الإسلامي، فشأنه شأن العديد من المؤسسات المصرية التي تعنى بتقديم قيمة للمجتمع؛ لكن بعثرة الجهود هي أحد العوامل التي أدت إلى هذه الشروخ في الجدار المجتمعي التي نلاحظها اليوم، ولعل هذه المبادرة هي رؤية حكيمة لتجميع هذه الجهود وتكاملها، بما يضمن فاعليتها وتحقيق هدفها الأسمى وهو السمو بالجانب الإنساني في المجتمع، هذا السمو الذي يعود أثره على الإنسان فكريًا وثقافيًا وصحيًا، ولعل سرعة تجاوب الأزهر مع هذه المبادرة بمثابة تعطش من جندي شديد البأس ليواصل معركته من أجل تحقيق النصر على كل عدو يحاول أن يلحق الضرر بالإنسان المصري الأبي "بنيان الله على أرضه".
* أستاذ الإعلام بكلية الإعلام، جامعة الأزهر