بداية لابد أن نقدم تعريفًا لمفهومي الإلزام والالتزام وما علاقة الحياة الزوجية بهذين المصطلحين.
الإلزام أمر واجب التنفيذ إذا نفذته حصلت على الثواب، وإذا لم تنفذه وقع عليك العقاب أيا كانت صوره، أما الالتزام، وهو التزامك بما كلفت به، هل ستؤديه أم لا.
إذن فالإلزام أمر خارجي يأتيك من خارجك، بمعنى قد تكون أوامر إلهية، أو أوامر بشرية، أو إلزامات مجتمعية تمليها عليك عادات وتقاليد المجتمع، أو قد تكون إلزامات مؤسسية كالهيئة أو الإدارة التي تعمل بها وكلفك رئيسك أو مديرك أن تقوم بها، الإلزام بمواعيد للتوقيع مثلا في كشوفات الحضور الساعة كذا صباحًا.
هنا إذا لم تلتزم بها توقع عليك العقوبات من خصم فى الحوافز، وخلافه، والعكس إذا التزمت قد تكتب عنك تقارير سنوية ممتازة.
قس على ذلك (قياس مع الفارق)، الإلزامات الإلهية، ممثلة في التزامك بكل ما أمرك به دينك (أي دين) من التشريعات الربانية فإذا ما التزمت بها يتحقق الوعد وتحصل على المكافأة من الله تعالى، وإذا لم تلتزم بهذه الضوابط تنال العقوبة، ويتحقق ما يسمى بالوعيد.
وحتى إذا كان الإلزام خارجيًا، إلا أنه يخاطب عقل الإنسان المنوط به الوفاء بهذه الإلزامات لتتحول من إلزامات خارجية إلى التزامات داخلية.
فالالتزامات الداخلية مخاطبة الخارج للداخل أي مخاطبة الملزم بضم الميم وكسر اللام والميم للملزم بضم الميم وفتح الزاي، أي مخاطبة إرادة هؤلاء الداخلية، التى تقود صاحبها إما إلى الوعد، وإما إلى الوعيد.
وهذا باب من أبواب الفكر الأخلاقي، بمعنى، أن الأفعال الخلقية أفعال ليست لازمة تلزم صاحبها، وإنما هي أفعال متعدية تمس الآخر ومن ثم بات التزامنا بها يفتقر إلى ضمانات خارجية يضمن تحققها وتفعيلها.
وهذه مخاطبتي للعقل ودليلي العقلي لكل ما أثير حول فريات وشبهات تخص الزوجة كضرب الزوجة لزوجها، ومن حق الزوجة الأم أن تمتنع عن إرضاع أطفالها، أو تتقاضى أجرًا، أو أن المرأة لا ينبغي عليها خدمة زوجها إذا ما طلب منها القيام بواجبات منزلية، أو القيام على والديه، ومن حقها أن تخرج دون إذنه وتعود فى الوقت الذي تراه مناسبًا لها، أو تسافر إلى أي مكان دون مشورته، وخلاف ذلك من الأمور الحياتية التي تقع داخل كل بيت من بيوت، الأسر الشرقية، والعربية والإسلامية.
نطرح بعض الأسئلة على الذين أثاروا مثل هذه الموضوعات الغريبة على الأسرة العربية والمصرية.
أليس مثل هذه الموضوعات تؤدي إلى هدم الأسرة وقلبها رأسًا على عقب؟!
أليست هذه الموضوعات مستوردة لم نعلم عنها شيئًا، نشأنا ورأينا أمهاتنا يفعلن كل هذه الواجبات دون ضيق، دون ضجر، يفعلن ذلك بمودة ومحبة وسعادة عارمة ؟
وجدنا أزواجنا يفعلن ذلك بحب وحنان يغمر الأسرة، ألم يقل الله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة)، هل ضاقت يومًا أمهات المؤمنين رضى الله عنهن جميعًا هل ضقن ذرعًا من خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورب متشدقة تقول نحن لسنا في زمن الأنبياء، ولسنا كزوجات الرسول ولا كزوجات الصحابة.
أقول لها، لكن فيهن الأسوة الحسنة!.
فهل يا من تقولن إنه لا ينبغي إرضاع الأطفال، لماذا، هل لأنك تريدين الحفاظ على جمالك، فتتركين طفلك لحمك ودمك جوعان، هل تتركيه، هل تحضرين مرضعة، هل تغذيه على لبن مصنع، كيف، هل قلبك سيطاوعك، إذا طاوعك فتأكدي أنك أم منزوعة الأمومة، (منزوعة الدسم، دسم المودة والحنان)، حتى إذا ما أخذنا المسألة من الناحية الطبية، فإن المرأة قد تصاب بالأمراض الخطيرة التي تنجم عن تجمد وتحجر اللبن في صدرها، وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وقد تصاب مع مرور الوقت بالسرطانات لا قدر الله.
إن الإمتناع عن الإرضاع لا يجوز بحال من الأحوال إلا في ظروف صحية معينة كالمرض أو عدم وجود لبن الأم، لكن خلاف ذلك غير مباح بأي وجه من الوجوه، فالطفل أول ما يأتي إلى الدنيا باكيًا لا يسكته إلا صدر أمه وضمتها له وإرضاعه، وقبل أن يفتح عينيه علمه الله تعالى طريق صدر أمه، فكيف تسول لك نفسك حرمانه من هذا الحنان، كيف تسول لك نفسك المطالبة بأجرة الرضاعة، هل عملك مرضعة، ماذا تقولين لولدك حينما يكبر أشبعتك من لبني بمال أبيك اشتراه مني، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذه واحدة!!
أما الثانية، فالحياة الأسرية تقوم على المودة والمحبة والوئام، وعلى المشاركة الوجدانية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يساعد أزواجه في كل شيء ولم يطلبن منه أن يفعل شيئاً ولم يمتنعن عن القيام عن عملهن في البيت، بل كانوا يفعلن كل ذلك بحب ومودة وعشق للنبي صلى الله عليه وسلم، ولنا في هؤلاء المثل الأعلى، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فلابد من المشاركة بين الرجل وزوجته للحفاظ على حياتهما دونما إفراط أو تفريط، بمعنى لا يجوز أن تمتنع الزوجة عن خدمة زوجها بدون سبب، وفي نفس الوقت لا يكلفها زوجها ما لا تطيق، بمعنى لا تكون مثلاً مريضة ومنهكة في يومها ويطلب منها بعدما خلدت للنوم، يطلب منها أن تقوم وتعد له عشاءً، يا أخي من لا يرحم لا يرحم وأوصانا النبي بالنساء خيرًا، هى زوجتك، أم أولادك فعاملها معاملة حسنة بما يرضي الله تعالى، وأغلق الأبواب أمام هؤلاء المتعالمين، ولا تعطيهم الفرصة للنيل من سلامة واستقرار الأسرة.
يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ) جعل الله الحياة بين الرجل والمرأة قائمة على المودة والرحمة، لا على الضرب وعدم الاحترام، وهل ستستقيم حياة بينهما إذا ما رفع الزوج يده على زوجته أو العكس، وما حال الأبناء وقتها وكيف سينشأون وهم يرون هذا الأمر يحدث بين أبيهم وأمهم؟! ولو حدث ذلك، أذكر بقوله تعالى: (إِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ ).
اسمعوها مني وأجري على الله، الأسرة المصرية والبيت المصري فيه ما يكفيه من هموم من مصاريف دروس خصوصية وغلاء معيشي، ومصاريف إنفاق كثيرة، فلا تزيدوا هذه الهموم ولا تحدثوا شقاقًا بين هذه الأسر التي تكفي قوت يومها بالكاد، فبدلا من هذه النبرات التحريضية، حاولوا أن تخففوا عن هذه الأسر بكلمات طيبات رقيقات، بل انصحوا الزوجات والأزواج الوقوف جنبًا إلى جنب، يدًا متشابكة مع يد من أجل الحفاظ على ترابط الأسرة التي لا قدر الله إن حدث لها خلل، سيؤثر ذلك سلبًا على الأبناء، وبالتالي سيؤثر على المجتمع جميعًا ويحدث حلحلة لهذا المجتمع بتحلحل أسره.
أقول لهؤلاء قفوا عند منتهاكم ولا تثيروا فتنًا ولا تعبثوا بكيانات وأنسجة المجتمع، فالأسرة المصرية باقية بتقاليدها وقيمها وأعرافها، قائمة بالود والمحبة بين أفراد، قائمة كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
الأسرة المصرية خالدة باقية ببيتها المودرن، ببيتها الريفي، الأسرة المصرية باقية بنجوعها وقراها ومدنها وأحيائها، الأسر المصرية باقية بعاداتها، بموائدها الرمضانية واللمة الجميلة.
الأسرة المصرية باقية بسيداتها الكادحة العاملة التي تقف خلف زوجها تدفعه دفعًا بكل ما أوتيت من قوة تدفعه إلى الأمام، بل وتبذل الغالي والنفيس من أجل إسعاد أسرتها.
أدعوكم أن تقولوا للناس حسنا، أنا لا أعلم النوايا، لكن الله يعلمها، وكلماتكم هذه ستقفون أمام الله تعالى وستسألون عنها.
عملا بقوله تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان