تساعد المصابين بالاكتئاب على الخروج من دورات التفكير السلبية وتجعلهم أكثر إيجابية
موضوعات مقترحة
الروائية «مارى ستيورات»: الروائح محرك ينعش الذاكرة وهناك ارتباط وثيق بينها وبين الذكريات
الكاتب الألمانى باتريك زوسكيند يتحدث فى روايته الشهيرة: «العطر قصة قاتل» عن الرائحة وعلاقتها بالمعانى العاطفية
مع دخول موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يزداد اهتمام عدد كبير من الناس بالروائح، بحثًا عما يزيدهم انتعاشا تحت وطأة موجات الحرارة، وترتبط العطور والبخور بالشرق والشرق الأقصى، ثم غزت الغرب الذى وقع فى غرامها وأبدع فى صناعتها، ودخل المشاهير على الخط ما بين مروج لها وآخرين لديهم عطور باسمهم مسجلة ماركات عالمية.. ويتعدى دور العطور فى حياتنا من مجرد رائحة، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، حسبما تؤكد الكثير من الدراسات، حيث لها تأثيرات نفسية كبيرة، وباتت العطور تحفر مكانها فى ذاكرة كل إنسان منا، وهو ما يعرف بـ «ذاكرة الشم» فعطر معين قادر على أن يعيد للإنسان ذاكرته لمواقف معينة حدثت حتى ولو مرت عليها عشرات السنين.
إنه العالم الساحر والفاتن للعطور، الذى نكشف بعضًا من جوانبه وتأثيراته العميقة فى حياتنا عبر السطور التالية.
تقول الروائية البريطانية الراحلة «مارى ستيورات»، إن هناك ارتباطًا وثيقا بين الروائح والعطور والذكريات، وهو ما يعرف بـ «ذاكرة الشم»، فهى المحرك الذى ينعش الذاكرة، كما خصص الكاتب الألمانى باتريك زوسكيند روايته الشهيرة «العطر: قصة قاتل» عن تأثيرات العطور التى ربما تقودنا لبعيد، من خلال أحداث، تستكشف قدرات حاسة الشم وعلاقتها بالمعانى العاطفية التى قد تحملها الروائح.
ذاكرة العطر
قد يتبادر إلى الأذهان أن الدور الذى تلعبه العطور محدود، والحقيقة غير ذلك تمامًا، فقد أشارت العديد من الدراسات الغربية إلى التأثير الإيجابي للعطور، خصوصا المصنوع من المواد الطبيعية، فتشير دراسة حديثة عن تأثير العطور نشرها موقع «إكسبريس ميديكال»، أنها تساعد الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب، ويمكن أن يساعد شم رائحة مألوفة بعض الأفراد المصابين بالاكتئاب، على تذكر ذكريات معينة من سيرتهم الذاتية وربما يساعد فى شفائهم.
هذا ما اكتشفه فريق من الباحثين، فى كلية الطب بجامعة بيتسبرج الأمريكية والأخصائيين الاجتماعيين فى المجلة الطبية الشهرية «جاما نتوورك أوبن»، التى تنشرها الجمعية الطبية الأمريكية، عن طريق استعادة ذكرى حدث معين، ويمكن حتى استخدامها فى الإطار السريرى لمساعدة الأفراد المصابين بالاكتئاب، على الخروج من دورات التفكير السلبية وإعادة توصيل أنماط التفكير، مما يساعد على الشفاء بشكل أسرع وأكثر سلاسة، فى وقت مبكر من حياتها المهنية.
وأدركت الدكتورة كيمبرلى يونج، وهى باحثة فى علم الأعصاب تدرس ذكريات السيرة الذاتية، أن إشراك اللوزة الدماغية - هى أحد أجزاء الدماغ، تشبه حبة اللوز ومسئولة عن العواطف المختلفة والتحفيز- تعمل على استرجاع الذكريات، وتوجيه الانتباه والتركيز على الأحداث المهمة، وهناك أدلة واسعة النطاق على أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يواجهون صعوبة فى تذكر ذكريات معينة من سيرتهم الذاتية، كما اكتشفت أن الروائح لدى الأفراد الأصحاء تثير ذكريات، تبدو حية وحقيقية، لأنها تتفاعل بشكل مباشر مع اللوزة الدماغية من خلال الاتصالات العصبية.
تعالج الاكتئاب
وتقول يونج، كبير مؤلفى الدراسة والأستاذ المساعد فى الطب النفسى بجامعة بيت: «كان من المفاجئ بالنسبة لى أنه لم يفكر أحد فى النظر إلى استرجاع الذاكرة لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب، باستخدام إشارات الرائحة من قبل، لذلك قررت اختبار ما إذا كان إشراك اللوزة الدماغية يمكن أن يساعد الأفراد المصابين بالاكتئاب، فى الوصول إلى ذكرياتهم بشكل أكثر فاعلية، وقدمت يونج للمشاركين فى الدراسة سلسلة من القوارير الزجاجية غير الشفافة التى تحتوى على روائح قوية مألوفة، من البرتقال والقهوة المطحونة إلى ملمع الأحذية، وحتى مرهم فيكس فابوراب، وبعد أن طلبت من المشاركين شم رائحة القارورة، طلبت منهم أن يتذكروا ذكرى معينة، سواء كانت جيدة أم سيئة، وفوجئت يونج عندما اكتشف أن استدعاء الذاكرة، كان أقوى لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب الذين تلقوا إشارات الرائحة مقارنة بإشارات الكلمات، وأن الذين تلقوا إشارات الرائحة، كانوا أكثر عرضة لتذكر ذكرى حدث معين، على سبيل المثال، أنهم ذهبوا إلى مقهى يوم الجمعة الماضى، أو من الذكريات العامة أنهم ذهبوا إلى المقاهى من قبل.
وكانت الذكريات التى حفزتها الروائح أيضا أكثر حيوية، وشعرت بأنها أكثر انغماسا وواقعية، ومن المثير للاهتمام أنه برغم أنها لم توجه المشاركين إلى تذكر الذكريات الإيجابية على وجه التحديد، فإن نتائجها تشير إلى أن المشاركين كانوا أكثر عرضة لتذكر الأحداث الإيجابية. وتقول يونج: إذا قمنا بتحسين الذاكرة، يمكننا تحسين حل المشكلات وتنظيم العواطف والمشكلات الوظيفية الأخرى، التى يعانى منها الأفراد المصابون بالاكتئاب فى كثير من الأحيان».
كما نشر الموقع الإلكترونى التابع له «فيز دون أورج»، دراسة تقول إنه قام فريق صغير من المهندسين الكيميائيين فى الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، بالتعاون مع زميل من شركة «آى.إيه.مورينز ستارتابز» بتطوير طريقة لاستخدام التعلم الآلى لتكرار الروائح، ومن ثم التحقق من صحتها باستخدام القياس الكمى التجريبى لإدراك العطور، ونشرت المجموعة ورقة تصف بحثها، وقد أظهرت الأبحاث السابقة أنه من الممكن استخدام تطبيقات التعلم الآلى /الذكاء الاصطناعى لتوليد جزيئات ذات روائح مرغوبة، سواء للعطور أم للمواد الكيميائية المضافة إلى الأطعمة. وتتفاعل الجزيئات الموجودة فى عطر معين مع البيئة قبل إدخالها إلى الأنف، ويمكن أن يكون لمثل هذه التفاعلات تأثير عميق عليها.
المكونات العليا
ويشير الباحثون أيضا إلى أن العطور وغيرها، من المواد التى تنبعث منها رائحة تحتوى على مكونات حساسة للوقت، تؤدى إلى تغييرات مع مرور الوقت، حيث تحتوى العطور، على ما يعرف بـ»المكونات العليا» وهى الروائح التى يتم شمها بعد وقت قصير من انبعاثها فى الهواء. ومكونات وسطى ومكونات سفلى، التى يمكن أن تدوم لساعات أو أيام، وقام الباحثون بإنشاء تطبيق ذكاء اصطناعى، قادر على أخذ جميع هذه العوامل فى الاعتبار، لتوليد الرائحة المرغوبة فيها، واكتشفوا أن كل عطر يمثل مزيجا فريدا من المكونات الشمية المختلفة، والزيوت والجزيئات الكيميائية، التى تشكل معا رائحة متناغمة تساعد على الاستذكار وعلاج الاكتئاب.
وغالبا ما يتم وصف مكونات رائحة العطر باستخدام ما يسمى بالنوتات أو الملاحظات مثل الفانيليا، ومجموعاتها، مثل المسك مع الياسمين، التى تسمى «الاتفاقات»، من خلال افتراض أن عطرًا معينا يحظى بشعبية كبيرة بسبب رائحته الطيبة، وقام فاسيليوسكايت وإيفانز بتطبيق تحليل شبكى معقد، على البيانات عبر الإنترنت الخاصة بـ1000 ملاحظة موجودة فى أكثر من 10 آلاف منتج عطرى، ووجد الباحثون أن المكونات الأكثر شعبية، والاتفاقات الأكثر استخداما لا ترتبط بالضرورة بأعلى تصنيفات العطور، على سبيل المثال، أسهم اتفاق الياسمين والنعناع بشكل كبير فى الحصول على تقييمات أعلى، لكنه لم يتم تمثيله بشكل كاف فى العطور التى تمت دراستها، ووجد الباحثون أن المكونات عند إضافتها إلى الاتفاقات الموجودة، تعزز التأثير على الإنسان بشكل أكبر، كما اكتشفوا أن المكونات ذات الشعبية الكبيرة، مثل المسك والفانيليا، تميل إلى تعزيز الاتفاقات أكثر من غيرها، مثلما فعلت النوتات ذات الأسماء العامة مثل نوتات الأزهار.
كما أظهرت التحليلات، أن العلامات التجارية الكبرى للأزياء أنتجت العديد من العطور الأكثر نجاحا، لكن لا يبدو أن شعبية العطر مرتبطة بسعره، ولا بوقت إطلاقه، حيث تشير النتائج إلى أن تحليل الشبكة المعقدة يمكن أن يكون أداة مفيدة لصانعى العطور، لاستكشاف اتفاقات جديدة تعزز إمكانية نجاح العطر، وتقدم هذه التحليلات إطارًا من شأنه أن يكون أداة مناسبة لصانعى العطور، لاستكشاف مساحة متعددة الأبعاد من تركيبات الروائح.
مهرجان الأناناس
الأناناس هو نبات إستوائى صالح للأكل، موطنه الأصلى أمريكا الجنوبية، حيث تمت زراعته لعدة قرون.وإن إدخال نبات الأناناس إلى أوروبا فى القرن السابع عشر جعل منه رمزا ثقافيا مهما للرفاهية، ومنذ عشرينيات القرن التاسع عشر، تمت زراعة الأناناس تجاريا فى البيوت الزجاجية، ثم انتشر فى بقاع الأرض، وينمو الأناناس على شكل شجيرة صغيرة، وينضج عادةً فى غضون سنة.
وقد ارتبطت العطور والمعطرات والبخور بالشرق والشرق الأقصى، ثم غزت الغرب ووقع فى غرامها وأبدع فى صناعتها، ودخلت عناصر شرقية وخليجية مثل المسك والعنبر والصندل المر واللبان والعود، لتكون أساسيات فى مكونات قواعد العطور لضمان ثباتها ولتتخذ مكانتها المميزة فى تركيبات العطور العالمية، بالإضافة لمكونات أخرى أثبتت وجودها مثل جوز الهند والفانيليا والباتشولى وأنواع لا تنتهى من الورود، وأندر الزهور، وأقوى الأخشاب، وألذ الفواكه، وحتى الحلوى بأنواعها، وبعض الروائح التى تبدو غريبة، وتبارت الدور المتخصصة فى العطور مع دور الأزياء، وحتى المشاهير دخلوا على الخط لكى يتفننوا فى صناعة أروع العطور من حيث الفوحان والثبات والشهرة.
وقد نشر الموقع الإلكترونى الأسترالى “اسنشيالى أستراليا”، دراسة عن فوائد الزيت العطرى لثمرة الأناناس، تقول إنه يجعل الناس يشعرون بالسعادة والنشاط، والانتعاش على الفور! وشكله مبهج ورائحته المنعشة تساعد على التركيز وتحسين الحالة المزاجية ويساعد على تهدئة الأطفال المزعجين، ونشر الموقع الإلكترونى الأمريكى النسائى “ذا زويه ريبورت” أنه عام الأناناس فى العطور، وآخر صيحة تدخل فى مكونات العطور، وأن خزانة الملابس الصيفية جاهزة لاستقبال هذه الروائح الجميلة، فهى حالمة ومنعشة، كما لو كانت تجمع بين الموالح والمانجو والخوخ، وليست ثقيلة ولا حارة وهناك دور متخصصة مزجتها مع الزهور أخرى ومع الفانيليا لتقدم توليفة روائح رائعة!.
وقدم الموقع الإلكترونى الأمريكى النسائى “ذا هاربر بازار”، تفاصيل أكثر حول إطلاق 11 عطرا جديدا الأكثر إثارة لموسم صيف 2024، ولم يعد كوكتيل البينا كولادا مشروبا فحسب والذى يعتمد على مزيج الأناناس وجوز الهند، بل اقتحم عالم العطور أيضا، وهو يندرج تحت مجموعة الروائح “الجورماند”.
ويضفى الأناناس لمسة غير متوقعة، ووفقا لصانعى العطور، من الممتع الاعتماد على المرح المتأصل فى النوتة، وفى عالم العطور، يشير “الجورماند”، إلى الروائح التى تتطور حول روائح منعشة صالحة للأكل، كما لو كنا فى محل الآيس كريم مثل: الفانيليا، وغزل البنات، والشوكولاتة، والعسل، وحتى القهوة، ويمكن أن تشمل أيضًا روائح المكسرات مثل الجوز واللوز أو الفستق”، ويلاحظ أن عطور “الجورماند” غالبا ما تحتوى على قاعدة ناعمة من المسك.