Close ad

جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في الصين.. زيارة كسر الجليد

12-9-2024 | 19:06
جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في الصين زيارة كسر الجليدجاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في الصين
مصطفى عبادة
الأهرام العربي نقلاً عن

اتفق الجانبان على أن القادة العسكريين سوف يعقدون مكالمات فيديو «فى الوقت المناسب»

موضوعات مقترحة

الرئيس شى جين بينج: الصين وأمريكا يجب أن تتحملا المسئولية تجاه التاريخ والعالم وأن تصبحا مصدراً للسلام ومسرحاً للتنمية
جانب مهم فى الزيارة لم يشر إليه الكثير من المحللين يتعلق بتخوف الديمقراطيين من محاولة تأثير الصين على الانتخابات

منافسة شديدة مع الصين، ولكن "مدارة"، أى يمكن إدارتها، وليس تركها لتصل إلى حدود الصراع الخشن، هذا هو العنوان الأبرز الذى تجسده زيارة "جاك سوليفان"، مستشار الأمن القومى الأمريكى للصين، ومن ناحية ثانية تحاول إدارة بايدن البحث عن نجاح تأخر طويلا، فى واحد من أهم الملفات فى المجال الآسيوى، يمكن أن يدعم موقف المرشح الديمقراطى للانتخابات الرئاسية، ووضع أساس لسياسة واضحة تجاه الصين يمكن للإدارة المقبلة سواء هاريس أم ترامب البناء عليها.

من ناحية ثالثة، تأتى زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى إلى بكين، التى بدأت الثلاثاء 17 أغسطس، وانتهت الخميس 29 أغسطس الماضى، لإجراء محادثات رفيعة المستوى لتحسين الاتصالات العسكرية، حيث كانت الولايات المتحدة، قد عززت تحالفاتها الأمنية الإقليمية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، مما أثار استياء بكين، كما تقوم السفن التابعة لكلا البحريتين بدوريات فى بحر الصين الجنوبى على مقربة شديدة، دون وجود آلية فاعلة لمساعدتها على الابتعاد عن حافة الهاوية فى حالة اندلاع أزمة، واتفق الجانبان على أن القادة العسكريين على مستوى المسرح، سوف يعقدون مكالمات فيديو «فى الوقت المناسب».

وفى اليوم الأخير، التقى الرئيس شى جين بينج بسوليفان وقال، إنه يأمل أن يدعم الجانبان تنمية كل منهما، وأكد شى أن الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما قوتين رئيسيتين، "يجب أن تتحملا المسئولية تجاه التاريخ والشعب والعالم، وأن تصبحا مصدرًا مستقرًا للسلام العالمى ومسرعًا للتنمية المشتركة".

من ناحية رابعة هدفت اجتماعات سوليفان فى بكين، إلى تمهيد الطريق لعقد قمة محتملة بين الرئيس الصينى "شى" والرئيس الأمريكى "بايدن"، الذى سيغادر منصبه فى يناير ويكرس جزءًا كبيرًا من بقية ولايته للسياسة الخارجية، لكن أن بكين لم ترحب بهذه الخطوة، وانتهى الأمر إلى مجرد اتصال تليفونى بين الرئيسين.

وتعد زيارة سوليفان هى الأولى التى يقوم بها مستشار للأمن القومى منذ ثمانى سنوات، وتفصيلا شهدت محادثات سوليفان فى الصين التركيز على مجموعة من القضايا من أهمها:
 
تايوان وأوكرانيا
من أبرز نقاط التوتر فى العلاقات بين الصين، والولايات المتحدة تأتى الحرب الروسية - الأوكرانية والموقف من تايوان، سواء من قبل الصين بمحاصرة الجزيرة دون الدخول فى حرب مباشرة، أم الموقف الأمريكى الداعم لتايوان، وقد طلب سوليفان بشكل مباشر من الصين خفض دعمها لروسيا، والذى تقول الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى، إنه ساعد فى دعم جهود الحرب الروسية، التى دخلت عامها الثالث الآن، ويرى المسئولون الأمريكيون، أن الصين تشترى كميات ضخمة من النفط الروسى وتزود روسيا بتكنولوجيا ذات استخدام مزدوج، يمكن تطبيقها فى ساحة المعركة.

ومن خلال الردود الصينية سواء من وزير الخارجية، أم وزير الدفاع الصينى يبدو أنه من غير المرجح، أن تدير بكين ظهرها لموسكو، شريكتها الوحيدة من القوى الكبرى فى موازنة الولايات المتحدة.

فى المقابل ينتقد المسئولون الصينيون الدعم الأمريكى لتايوان، التى هدد الرئيس شى بأخذها بالقوة إذا لزم الأمر، وتتهم بكين واشنطن بتعزيز "استقلال تايوان"، من خلال تزويد الجزيرة بالأسلحة، والسماح بالتبادلات بين المسئولين الأمريكيين والتايوانيين، وهذا ما دفع الرئيس "شي" إلى التصريح  بأن تايوان هى الخط الأحمر الذى لا تهاون فيه.

ضوابط التكنولوجيا
جاك سوليفان من أنصار ضوابط التصدير التى فرضتها إدارة بايدن، والتى تهدف إلى منع الصين من وضع يديها على أشباه الموصلات الأمريكية المتقدمة، أو الرقائق الدقيقة، التى يمكن استخدامها لتطوير الأسلحة أو القوة الحاسوبية، التى قد تهدد الأمن القومى الأمريكي، فيما يعرف بحرب الرقائق.

وقد أثار هذا الأمر إحباط الصين، التى تكافح من أجل اللحاق بالولايات المتحدة فى تصميم الرقائق المتقدمة، على الرغم من استثمار مليارات الدولارات فى الأبحاث، وتقول بكين إن ضوابط التصدير تهدف إلى إعاقة التنمية المشروعة فى الصين وكانت للقيود، التى تم فرضها لأول مرة فى أكتوبر 2022، عواقب بعيدة المدى من خلال إجبار البلدان على تحويل، أو النظر فى تحويل، بعض إنتاج أشباه الموصلات من آسيا إلى أمريكا الشمالية وأوروبا، وقد استغلت الصين تلك القيود لمضاعفة الجهود الرامية، إلى تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتى من الناحية التكنولوجية، كما استخدم السماسرة وكلاء لتهريب الرقائق المحظورة إلى الصين.

هناك جانب مهم فى الزيارة لم يشر إليه الكثير من المحللين، ولكن مستشار الأمن القومى الأمريكى كان حريصا على إظهاره، وهو التخوف الذى يشير إليه بعض الديمقراطيين من محاولة الصين التأثير على الانتخابات، لا سيما أن هذه الزيارة لسوليفان تستبق الانتخابات بستين يوما فقط، ففى المؤتمر الصحفى لمستشار الأمن القومى الأمريكى مع وزير الخارجية الصينى وانغ يي، قال ردا على سؤال نصه: هل شعرت بمشاعر القيادة الصينية تجاه السباق إلى البيت الأبيض؟ من الواضح أن الانتخابات ستكون قضية وشيكة بالنسبة لهم؟

قال سوليفان: لم يكن لدى أى شعور حقيقى بهذا، لم نناقش الانتخابات الأمريكية، من الواضح أن هذا أمر يقرره الشعب الأمريكى وليس لأى دولة أخرى أن تتدخل فيه، لذا لم نتحدث بشكل محدد عن الانتخابات الأمريكية لا فى اجتماعاتى مع الوزير "وانغ يي"  ولا فى الاجتماع مع الرئيس، أو فى هذا الصدد، مع نائب رئيس اللجنة المركزية للإعلام.

تتخوف إدارة بايدن من أنه فى حال نجاح ترامب، فإن الصين سوف تتوسع فى تقوية مركزها العالمي، إلى الحد الذى يمكنها من الإسهام فى القضايا العالمية بشكل أكثر فاعلية بما يفسد مخطط الجمهوريين بإدامة عمر القطب الواحد، لاسيما أن الصين تتخذ موقف المراقب حتى الآن، من الصراعات التى تخوضها أمريكا فى الشرق الأوسط وغيره، وهو الأمر الذى كان ضمن أولويات جاك سوليفان للمناقشة مع الجانب،فى محاولة لإدارة الصراع بشكل ناعم مؤقتا حتى انتهاء فترة الرئيس بايدن، ثم بعد ذلك مع سوف يخلفه، قال "سوليفان": على المستوى الكلي، فإن أهم شيء وجزء أساسى من مشاركتى الموسعة مع وزير الخارجية وانغ لي، ليس فقط هنا، ولكن فى اجتماعات متعددة يعود تاريخها إلى بداية العام الماضي، هو الإدارة المسئولة بشكل عام لهذه العلاقة بيننا، حتى لا تنحرف المنافسة إلى المواجهة أو الصراع، هذا عمل مستمر، والقدرة على الوصول إلى نهاية إدارة الرئيس بايدن مع علاقة مستقرة، على الرغم من وجود مجالات اختلاف ومجالات صعوبة، هذا شيء سنعمل من أجله، وبشكل أكثر تحديدًا، سنسعى إلى تعميق التواصل بين الجيشين حتى نتمكن من نقل ذلك إلى خليفة الرئيس بايدن، وفى الواقع، فإن النتيجة الإيجابية للغاية للجلسات هنا، هى أنه سيكون هناك اتصال بين قادة المسرح وقائد القيادة الهندية لقيادة العمليات، وقائد المسرح الجنوبى لجيش التحرير الشعبى.

وأضاف سوليفان: إن الفرصة التى أتيحت لنا للجلوس مع نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهو أمر لم يحدث لمسئول أمريكى منذ ثمانى سنوات، له أهمية فى حد ذاته لأنه يسمح لنا بإعطاء الزخم والقوة لخطوط الاتصال بين الجيوش، وسيكون ذلك أولوية مهمة بالنسبة لنا فى المضى قدمًا، وهناك قضايا أخرى أيضًا، بطبيعة الحال، سنتعامل معها، وسيتعين علينا أيضًا إدارة المخاطر ونقاط الاشتعال: العلاقات عبر المضيق، وبحر الصين الجنوبي، والدعم الصينى للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، وسنواصل العمل على كل هذه القضايا فى الأشهر المقبلة.


حرب باردة تكنولوجية

الولايات المتحدة والصين تخوضان"حربا تكنولوجية باردة"، وسينتهى الفائز بالسيطرة على القرن الحادى والعشرين،حيث لم تكن بكين تعتبر منافسًا تقنيًا لأمريكا قبل عقد من الزمان. الآن ، يسميها البعض قائدا ويرى أمريكا متأخرة بالفعل فى المجالات الحرجة.

ويقول إنه ليس من المستغرب كيف جعل القادة الصينيون نظامهم قوة تكنولوجية؟ فقد قاموا أولاً بتطوير ثم تنفيذ خطط ومشاريع متعددة، معتمدين على نهج محدد ومنهجى ومنضبط، نتيجة لذلك، يمكن للقادة السياسيين فى الصين وجيشهم من التكنوقراط امتلاك تقنيات الغد قريبًا.

ومع أن البعض يرى أنه لا يزال بإمكان أمريكا اللحاق بالركب، لكن لسوء الحظ، فإن الأمريكيين، الذين يركزون على أمور أخرى، لا يواجهون التحديات التى تمثلها الصين، وينادى أحد الباحثين بأمر خطير قائلا": سيكون حشد المجتمع بأكمله ضروريًا للولايات المتحدة، لاستعادة ما كانت عليه من قبل؛ أى السيطرة على التقنيات المتطورة، فهكذا وصلت أمريكا إلى القمر، وهذا هو مفتاح الفوز فى هذا القرن.

قد لا يحب الأمريكيون حقيقة أنهم مرة أخرى فى صراع شبيه بالحرب الباردة ، لكنهم إما سيتأقلمون مع هذا الواقع أو يتخلفون عن الركب.

كتاب "جوردون جى تشانغ"، "الحرب التكنولوجية الكبرى بين الصين والولايات المتحدة"، يوضح مدى الخوف والتحدى الكبير الذى تواجهه الولايات المتحدة فى مجال التكنولوجيا الفائقة، كما يوضح سبب تحدى إدارة الرئيس ترامب لنظام هواوى المنافس فى الصين، حيث يمكن للشيوعيين (يقصد الحزب الشيوعى) فى الصين التحكم فى أنظمة الاتصالات المستقبلية فى جميع أنحاء العالم.

يسأل "تشانغ": فى أى مكان تتخلف أمريكا عن الصين؟ ويجيب: فى السباق لبناء الجيل الخامس من شبكات الاتصالات اللاسلكية فى العالم.
ويشير تشانغ إلى ما كتبه ديفيد غولدمان، الكاتب والمفكر الأمريكى، فى مجلة Tablet in فى مارس 2019 بالإشارة إلى 5G: "لسنوات عديدة كانت الحكمة السائدة، ترى أن الصينيين فقط هم من يستطيعون التقليد ولكن لا يمكنهم الابتكار، لقد ثبت الآن خطأ هذه الحكمة ".

تقدم الصينيون فى 5G إلى حد كبير، لأنهم جعلوها "دعامة مركزية" لعملية التخطيط الصناعى، بما فى ذلك فى كل من الخطة الخمسية الثالثة عشرة ، التى تغطى نصف عقد ينتهى فى عام 2020، وMade in مبادرة الصين 2025، أعلن التكنوقراط الصينيون عن إضافة 5G إلى CM2025 كما جعل الزعيم الصينى "شى جين بينج" 5G جزءًا من مبادرة الحزام والطريق عندما أعلن فى مايو 2017 عن "طريق الحرير الرقمى". وحيث ستظهر أهمية الاتصالات اللاسلكية بشكل بارز فى الخطة الخمسية الرابعة عشرة، فوفقًا للمتوقع  فإن 5G ليست أقل من "التكنولوجيا، التى ستقود الاقتصاد العالمى فى العقد المقبل"، من الواضح أن هذا التوقع صحيح، نظرًا للسرعات الأعلى 2000 مرة من شبكات 4G الحالية ، ستسمح 5G باتصال شبه عالمى، سيتم ربط المنازل والمركبات والآلات والروبوتات، وكل شىء آخر تقريبًا والتواصل مع بعضها البعض، هذا ما يسمى الآن بإنترنت الأشياء، تخيل عالماً تتصل فيه بكين بمعظم الأجهزة حول الكوكب، وهذا يمنح الصين بالفعل "أوبك الجديدة للبيانات"، وإمكانية الوصول إلى المزيد منها.


شى وتايوان.. عواصف خطيرة

منذ أن أصبح رئيسًا للحزب الشيوعى الصينى، لم يتخل شى جين بينج عن إعادة تايوان إلى الصين، ولم يحدد موعدًا نهائيًا لذلك، لكنه أشار إلى أنه ينوى أن يكون فى منصبه عندما يحدث ذلك، وقال إن مسألة تايوان "لا يمكن أن تنتقل من جيل إلى جيل"، وفى خطاب كان ألقاه بمناسبة الذكرى المئوية للحزب الشيوعى، حذر من أن "الشعب الصينى لن يسمح أبدًا لأية قوى أجنبية بالتنمر علينا وإكراهنا واستعبادنا، من يحاول القيام بذلك سوف يكسر رأسه بالتأكيد على سور الصين العظيم الفولاذى الذى بنى بدماء ولحم 1.4 مليار صينى".

كما سبق له فى خطابه أمام مؤتمر الحزب الأخير، أن حذر من "عواصف خطيرة" فى المستقبل، وأمر القادة بالاستعداد لعصر "النضال"، وهى كلمة تم تعديلها فى ميثاق الحزب فى سبعة مواضع. تم حذف العبارات التى توحى بالاستقرار، مثل "السلام والتنمية سيظلان موضوعات العصر"، من التقرير المصاحب للخطاب، وقال شى لقادة الحزب: "لقد دخلت بلادنا فترة تتعايش فيها الفرص الإستراتيجية مع المخاطر والتحديات"، "لقد دخل العالم فترة من الاضطراب والتحول."

هناك قلق آخر لدى بعض المسئولين الأمريكيين، يتمثل فى أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة الصناعية على تحمل حرب أطول مع الصين، التى تحتفظ بأكبر صناعات الصلب وبناء السفن فى العالم، "ما يمكن الصين من إعادة بناء خسائرها بشكل أسرع؟ "قال ضابط عسكرى كبير. "من يمكنه وضع الفولاذ للسفن الجديدة؟ من يمكنه جعل ألياف الكربون أسرع للطائرات الجديدة؟ حاملات الطائرات؟ ضد الصين، لسنا فى وضع يسمح لنا بأخذ واحد مقابل واحد". يقول الخبراء إن المشكلة تمتد عبر طيف القدرة التصنيعية، قال تقرير حديث صادر عن معهد ميتشل لدراسات الفضاء، وهى شركة أبحاث أمريكية، إنه فى حرب مع الصين، ستنفد ذخائر سلاح الجو الأمريكى المتقدمة بعيدة المدى فى أقل من أسبوعين.

من ناحية أخرى من المحتمل أن تؤدى أزمة طفيفة حول تايوان إلى زيادات كبيرة فى تكلفة التأمين على السفن فى المنطقة ، مما قد يؤدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع بطرق، من شأنها أن تدمر الاقتصاد العالمي، وقال رايان هاس، الباحث فى معهد بروكينجز ودبلوماسى سابق فى الصين: "الاقتصاد الصينى يتدهور - الاستهلاك منخفض الآن، والمحرك الرئيسى للنمو هو الصادرات، هل يريدون تدمير التأمين البحرى بجعل من المستحيل على السفن أن تتدفق من وإلى الصين؟ سيغلقون اقتصادهم ".

هل ستفوز أمريكا بالصراع؟

ذهب مستشار الأمن القومى الأمريكى إلى بكين، محملا بالعديد من الأفكار والدراسات التى تحدد خطط الفوز على الصين فى الصراع العالمى الدائر الآن، لا سيما على صعيد مسألتى التجارة العالمية، والصراع التكنولوجى وهو أكثر الأمور رعبا بالنسبة للأمريكيين، فالصينيون اخترعوا إنترنت الأشياء عبر اتصالات الجيل الخامس، الذى يمكن بكين من الاتصال بكل الأجهزة على سطح الكرة الأرضية على رأس هذه الدراسات دراسة بعنوان: لابد من الفوز.. هل ستفوز أمريكا بالصراع؟ كتبها الباحثان مات بوتينجر ومايك غالاغر ونشرت فى دورية الفورين أفيرز فى العدد المزدوج مايو/يونيو 2024 بدآها بالقول: لا بد من الفوز بالمنافسة الأمريكية مع الصين، وليس إدارتها، وأضافا إنه وسط رئاسة تعانى فشل الردع فى أفغانستان وأوكرانيا والشرق الأوسط، برزت سياسة إدارة بايدن فى التعامل مع الصين، باعتبارها نقطة مضيئة نسبيا، فقد عززت الإدارة تحالفات الولايات المتحدة فى آسيا، وقيدت وصول الصين إلى التكنولوجيات الأمريكية المهمة، وأيدت مزاج المنافسة بين الحزبين، ومع ذلك، تهدر الإدارة هذه المكاسب المبكرة بالوقوع فى فخ مألوف: إعطاء الأولوية لتهدئة العلاقات مع قادة الصين على المدى القصير على حساب تحقيق انتصار طويل الأمد على إستراتيجيتهم الحاقدة، إن سياسة فريق بايدن المتمثلة فى "إدارة المنافسة" مع بكين، تخاطر بالتركيز على العمليات أكثر من النتائج، والاستقرار الثنائى على حساب الأمن العالمي، والمبادرات الدبلوماسية التى تهدف إلى التعاون، ولكنها لا تولد سوى الرضا عن النفس.

ولا ينبغى للولايات المتحدة أن تدير المنافسة مع الصين، يجب أن يفوز بها، ويزعم الباحثان أن بكين تتخذ مجموعة من المبادرات العالمية المصممة لتفكيك الغرب والدخول فى نظام غير ديمقراطي،فهى تدعم روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، لقد ضاعفت ترسانتها النووية أكثر من الضعف منذ عام 2020 وتقوم ببناء قواتها التقليدية بشكل أسرع من أى دولة منذ الحرب العالمية الثانية، وتظهر هذه الإجراءات أن الصين لا تهدف للوصول إلى طريق مسدود،ولا ينبغى لأمريكا أن تفعل ذلك.

كيف سيبدو الفوز؟ وهل سوف يتخلى حكام الصين الشيوعيون عن محاولة تحقيق النصر فى صراع ساخن أو بارد مع الولايات المتحدة وأصدقائها، وسوف يجد الشعب الصينى ــ من النخب الحاكمة إلى المواطنين العاديين ــ الإلهام لاستكشاف نماذج جديدة للتنمية والحكم لا تعتمد على سياسة الحزب الواحد كما الأمريكيون.

بالإضافة إلى الحصول على قدر أكبر من الوضوح بشأن هدفها النهائي، تحتاج الولايات المتحدة إلى قبول أن تحقيق ذلك، سوف يتطلب احتكاكًا أكبر فى العلاقات الأمريكية - الصينية، ستحتاج واشنطن إلى تبنى خطاب وسياسات، قد تبدو تصادمية بشكل غير مريح، ولكنها فى الواقع ضرورية لإعادة إنشاء الحدود التى تنتهكها بكين وأتباعها، وهذا يعنى فرض تكاليف على الزعيم الصينى شى جين بينج، بسبب سياسته الرامية إلى تعزيز الفوضى العالمية، ويعنى التحدث بصراحة عن الطرق التى تلحق بها الصين الضرر بالمصالح الأمريكية، ويعنى ذلك زيادة القدرات الدفاعية الأمريكية بسرعة لتحقيق مزايا نوعية لا لبس فيها على بكين، بما يعنى قطع قدرة الصين على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية وإحباط جهود شى لتحويل ثروة بلاده إلى قوة عسكرية، ويعنى ذلك متابعة دبلوماسية مكثفة مع بكين فقط من موقع القوة الأمريكية، كما ترى كل من واشنطن وبكين.

ولا ينبغى لأى بلد أن يستمتع بشن حرب باردة أخرى، ومع ذلك، هناك حرب باردة، تشن بالفعل ضد الولايات المتحدة من قبل قادة الصين، وبدلاً من إنكار وجود هذا الصراع، يجب على واشنطن أن تمتلكه وتنتصر فيه، إن التصريحات الفاترة التى تتظاهر كما لو أنه لا توجد حرب باردة، من شأنها أن تثير حرباً ساخنة؛ فهى تشير إلى الرضا عن النفس للشعب الأمريكى والتصالح مع القادة الصينيين،وكما كانت الحال فى الحرب الباردة الأصلية، فإن النصر فى الحرب الباردة الجديدة، لن يكون من خلال أنصاف التدابير أو الخطاب الخجول، ويتطلب النصر الاعتراف صراحة بأن النظام الشمولى الذى يرتكب الإبادة الجماعية، ويغذى الصراع، ويهدد بالحرب لن يكون شريكا يمكن الاعتماد عليه أبدا، ومثل سياسات الانفراج التى فقدت مصداقيتها، والتى تبنتها واشنطن فى سبعينيات القرن العشرين فى التعامل مع الاتحاد السوفيتى، فإن النهج الحالى لن يسفر عن قدر كبير من التعاون من قِبَل القادة الصينيين، فى حين يعمل على تعزيز اقتناعهم، بأنهم قادرون على زعزعة استقرار العالم دون عقاب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: