Close ad

بين الضرورات الإستراتيجية وضغوط الشارع الأمريكى.. مصير القوات الأمريكية في سوريا

12-9-2024 | 18:27
بين الضرورات الإستراتيجية وضغوط الشارع الأمريكى مصير القوات الأمريكية في سورياصورة أرشيفية
إلهامى المليجى
الأهرام العربي نقلاً عن

فى ظل التوترات الإقليمية والدولية الراهنة، تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة تحديًا مزدوجًا فى سوريا، حيث تتقاطع المصالح الإستراتيجية مع الضغوط السياسية الداخلية، فمن جهة، يمثل الوجود الأمريكى فى شمال سوريا جزءًا حيويًا من إستراتيجية الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، حيث تُعتبر القواعد العسكرية هناك ضرورية لتحقيق أهداف متعددة، هذه الأهداف تشمل مواجهة التهديدات الإرهابية، مثل تنظيم "داعش"، وكذلك كبح جماح النفوذ الروسى والإيرانى، المتزايد فى المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، يشكل الوجود الأمريكى فى سوريا ركيزة أساسية لدعم الحلفاء المحليين، خصوصا الأكراد، الذين يلعبون دورًا محوريًا فى استقرار المنطقة.

موضوعات مقترحة

على الجانب الآخر، يواجه ساكن البيت الأبيض الجديد ضغوطًا متزايدة لسحب القوات الأمريكية من مناطق النزاع، بما فى ذلك سوريا.

هذه الضغوط تأتى من عدة اتجاهات: من الكونجرس، الذى يعكس رغبات شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكى المتعب من الحروب الطويلة، ومن وسائل الإعلام التى تسلط الضوء على التكلفة الباهظة لهذه الحروب، سواء من حيث الأموال أم الأرواح، إضافة إلى ذلك، هناك ضغط اقتصادى على الإدارة الأمريكية، حيث يمثل الوجود العسكرى المستمر فى الشرق الأوسط استنزافًا للموارد التى يمكن توجيهها لتحسين الأوضاع الداخلية فى البلاد.

تصاعد المطالب بخروج القوات الأمريكية من العراق يزيد من تعقيد الموقف، فالعراق، الذى يشهد دعوات متزايدة لإنهاء الوجود العسكرى الأمريكى، يمثل عنصرًا آخر يجب على الإدارة الأمريكية أخذه فى الاعتبار عند صياغة سياساتها تجاه سوريا، التوترات فى العراق وسوريا متداخلة، وأى قرار بسحب القوات من إحداهما قد يؤثر على الأخرى، مما يجعل اتخاذ القرار أكثر صعوبة.

وبينما تسعى الإدارة الجديدة لتحقيق توازن بين الحفاظ على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وبين تلبية مطالب الجمهور الأمريكى الذى أصبح ينظر بعين الشك إلى التورط فى الصراعات الخارجية، يتعين على صانع القرار فى البيت الأبيض مراعاة كل هذه العوامل المعقدة، فى نهاية المطاف، ستتطلب هذه المعادلة الحساسة اتخاذ قرارات مدروسة بعناية لتجنب الانزلاق فى مغامرات جديدة، أو ترك فراغ قد تستغله قوى أخرى لصالحها.

فى خضم السياسة الأمريكية المعقدة والمتشابكة، يبرز الملف السورى كأحد الملفات الساخنة التى تتناولها الإدارة الأمريكية باستمرار، وبينما تتغير الإدارات ويتبدل القادة، يبقى الوضع فى سوريا حرجًا، وتشكل القوات الأمريكية المتمركزة هناك جزءًا مهمًا من الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، ومع تزايد التوترات الدولية والإقليمية، يصبح التعاطى مع هذا الملف أكثر تعقيدًا.

موقف دونالد ترامب
الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، كان له موقف واضح وصارم من الوجود العسكرى الأمريكى فى الخارج بشكل عام، وفى سوريا بشكل خاص، فمنذ حملته الانتخابية الأولى، أبدى ترامب رغبته فى تقليص الوجود الأمريكى فى مناطق النزاع، حيث اعتبر أن مثل هذه التدخلات مكلفة وغير فاعلة، وفى عام 2018، أعلن ترامب فجأة عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا، مما أثار جدلاً كبيرًا داخل الأوساط السياسية الأمريكية والدولية، وبرغم معارضة العديد من المسئولين فى إدارته والكونجرس، أصر ترامب على أن المهمة فى سوريا قد انتهت، مشددًا على ضرورة إعادة الجنود الأمريكيين إلى الوطن.

موقف كامالا هاريس
نائبة الرئيس الحالى، كامالا هاريس، وبرغم عدم تسلمها لزمام السلطة كقائد عام للقوات المسلحة، فإنها تبنت خلال حملتها الانتخابية رؤية معتدلة فيما يتعلق بالوجود العسكرى الأمريكى فى الخارج.

هاريس تؤيد استخدام الدبلوماسية كأداة أولية لحل النزاعات الدولية، وتفضل تقليل التورط العسكرى المباشر، ومع ذلك، لم تعبر هاريس بشكل قاطع عن نيتها لسحب القوات الأمريكية من سوريا، بل تبدو أكثر انفتاحًا على الحفاظ على الوجود العسكرى فى حالات الضرورة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب وحماية الحلفاء الإقليميين.

الوضع الدولى حاليًا، يشهد تصاعد حدة المنافسة بين القوى الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسى، إلى جانب صعود قوى إقليمية كتركيا وإيران، وكلها تنظر إلى سوريا كساحة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية، هذه التوترات تجعل من سوريا محورًا إستراتيجيًا يُعقد من موقف الإدارة الأمريكية، ويزيد من صعوبة اتخاذ قرارات حاسمة بشأن سحب القوات العسكرية من شمال سوريا.

تنازع القوى فى شمال وشرق سوريا والقواعد الأمريكية شمال سوريا، حيث تتمركز القوات الأمريكية، يعد منطقة إستراتيجية متنازعا عليها بين عدة قوى، الأكراد يسعون للحفاظ على مكتسباتهم فى وجه الضغط التركى، بينما تسعى روسيا لاستعادة السيطرة على كامل الأراضى السورية، الوجود الأمريكى فى هذه المنطقة يسهم فى الحفاظ على توازن هش، ويحول دون اندلاع صراع شامل بين هذه القوى، كما يساعد فى ردع عودة تنظيم "داعش".

احتمالات عودة "داعش"
برغم الضربات القوية التى تلقاها تنظيم "داعش" الإرهابى، لا يزال خطر عودته قائمًا، فالتنظيم يسعى باستمرار لإعادة تنظيم صفوفه، واستغلال أى فراغ أمنى قد ينجم عن انسحاب القوات الأمريكية، فى ظل هذه الظروف، يعتبر الحفاظ على وجود القوات الأمريكية فى سوريا ضروريًا لمواجهة هذا التهديد ومنع انهيار الوضع الأمنى.

هل يمكن أن يسحب ساكن البيت الأبيض الجديد 2500 جندى من سوريا؟
فيما يتعلق بإمكانية سحب الـ 2500 جندى أمريكى من سوريا، فى عهد الرئيس الجديد، فإن الأمر يعتمد على العديد من العوامل المعقدة، أولاً، يعتمد ذلك على التقييم العام للتهديدات فى المنطقة، خصوصا من قبل تنظيم "داعش" الإرهابى.
 ثانيًا، العلاقات مع الحلفاء الإقليميين، مثل الأكراد وتركيا ستلعب دورًا مهمًا فى هذا القرار، إضافة إلى ذلك، تلعب الاعتبارات السياسية الداخلية دورًا حاسمًا.

التعاطي المختلف
فى ظل هذه التطورات، يبدو أن أى قرار بسحب القوات الأمريكية من سوريا يجب أن يراعى هذه التعقيدات، الإدارة الجديدة ستكون مضطرة للتعامل مع الملف السورى بتوازن دقيق، بحيث تحافظ على مصالح الولايات المتحدة، وتدير التحالفات الإقليمية دون التورط فى مستنقع جديد.

خلاصة القول

فى ظل هذه المعادلة المعقدة، يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتعامل بحذر مع الملف السورى، فالانسحاب السريع من سوريا قد يفتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية لتعزيز نفوذها فى المنطقة، وهو ما يتعارض مع المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، فى المقابل، فإن الإبقاء على القوات الأمريكية فى سوريا يمثل عبئًا سياسيًا واقتصاديًا متزايدًا، خصوصا فى ظل تزايد المطالب الداخلية بإعادة الجنود إلى الوطن.

إن التحدى الأكبر الذى يواجه ساكن البيت الأبيض الجديد، يكمن فى تحقيق توازن دقيق بين هذه العوامل المتضاربة، فمن جهة، يجب أن تواصل الولايات المتحدة دعم حلفائها المحليين، خصوصا الأكراد، لضمان استقرار المنطقة ومنع عودة تنظيم "داعش"، ومن جهة أخرى، يتعين على الإدارة الاستجابة لمطالب الشعب الأمريكى الذى بات متعبًا من التورط فى صراعات الشرق الأوسط التى تبدو بلا نهاية.

إن القرارات التى ستتخذها الإدارة الأمريكية فى الأشهر والسنوات المقبلة، بشأن الوجود العسكرى فى سوريا ستكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، بل أيضًا لتحديد الدور الذى تريد الولايات المتحدة أن تلعبه على الساحة الدولية.

ومع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، سيكون من الضرورى أن تكون هذه القرارات مستندة إلى تحليل دقيق وشامل، يأخذ فى الاعتبار جميع الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية.

فى النهاية، قد يكون الخيار الأمثل للإدارة الجديدة هو تبنى نهج مرن ومتكيف، يسمح لها بالحفاظ على الوجود الإستراتيجى فى المنطقة دون الانغماس فى مستنقعات جديدة، مع العمل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية بأقل تكلفة ممكنة.

يبدو أن السؤال عن إمكانية سحب القوات الأمريكية من سوريا، لا يمكن الإجابة عنه بسهولة، إذ يعتمد الأمر على مدى تطور الأوضاع فى المنطقة والعالم، الوجود الأمريكى فى سوريا أصبح جزءًا من شبكة معقدة من العلاقات والمصالح التى تحتاج إلى إدارة حذرة ومتابعة دقيقة.

أى قرار بسحب القوات سيتطلب دراسة معمقة للمخاطر المحتملة، بدءًا من عودة "داعش" الإرهابى، مرورًا بتوازن القوى الإقليمى، وصولًا إلى تأثير ذلك على العلاقات مع الحلفاء والشركاء فى المنطقة. فى النهاية، من المحتمل أن يكون التعاطى مع الملف السورى فى السنوات المقبلة متعدد الأبعاد، يأخذ فى الاعتبار كل التحديات والفرص التى تفرضها هذه الساحة المضطربة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: