انتابتني حيرة شديدة وأنا أٌشاهد شابًا في عز شبابه؛ يجلس جلسة كلها تعالٍ؛ وكنت أستقل الأتوبيس الأخضر؛ أجر الرحلة عشرة جنيهات، وهو مبلغ معقول جدًا لعموم الشعب، المهم ركب الشاب؛ وبعد جلوسه؛ بدأ في رسم جلسته ليظهر نفسه بمظهر المتميز؛ فوضع قدمًا فوق الأخرى بشكل مستفز جدًا لكل من يفكر أن يجلس بجواره؛ كل هذا وأنا أحاول أن أفهم لماذا التعالي؟
وبعد لحظات جاء شاب في مثل عمره تقريبًا؛ ليجلس جواره؛ ولم يعجبه جلسة الشاب المتعالي؛ فلفت انتباهه ليعتدل في جلسته؛ فلم يهتم المتعالي؛ فآثر الشاب السلامة؛ وقام ليجلس في مقعد آخر، وبعد عدة دقائق نزل المتعالي؛ وبدأت أسمع همهمة الناس عن سلوكه، وامتعاضهم منه.
في مشهد آخر؛ كنت في أحد المستشفيات الاستثمارية؛ لزيارة صديق؛ وفي الاستراحة الكبرى؛ جلس شخص أربعيني؛ واضعًا قدمه فوق الأخرى بارتفاع مستفز؛ موحيًا لمن حوله بأنه شخص مهم جدًا؛ هكذا فهمت؛ وللحظ جاءت جلستي بجواره و لم يعدل جلسته؛ فتعمدت أن أضع قدمي بنفس طريقته وموجهة إليه؛ بل قد تكون جلستي أكثر استفزازًا؛ وانتظرت رد فعله؛ حتى أتعامل على قدره، فما كان منه إلا أن قام مسرعًا باحثًا عن مقعد آخر؛ ولما يجد مكانًا شاغرًا؛ ظل واقفًا!
هذان المشهدان يتكرران يوميًا في عشرات الأماكن؛ عامة وخاصة؛ بل في المواصلات العامة؛ بات من الطبيعي أن تجد شخصًا مستفزًا يمد قدمه، وعليك وأنت تمر أن تمر فوقها؛ مع أن هناك مساحة لقدمه مثل باقي الركاب؛ ولكنه يمدها متعمدًا بشكل استفزازي؛ دون فهم السبب.
أتذكر مرة دار حوار بيني وبين أحد هؤلاء المتعالين؛ أعتقد منذ بضعة شهور؛ كنت أركب مترو الأنفاق وسيلتي المفضلة؛ وأنا استعد للنزول في محطتي؛ كان هناك شاب يمد قدمه بشكل يمنع المرور دون أن تتخطاها؛ فوضعت قدمي فوق قدمه كأنها ليست ممدودة عامدًا؛ وحينما أبدى استياءه؛ دار حوار أنهيته بأن هناك آداب للتعامل مع الأماكن العامة؛ يجب الالتزام بها؛ منها احترام من في الجوار، وعدم التعالي عليهم، المستغرب؛ ليس رد فعله؛ ولكن عدم اشتراك الركاب في الحوار؛ كأن ما حدث لا يعنيهم! وتلك كانت إشارة تبين حالة الانعزالية التي بدأت تتفشى.
رويدًا رويدًا؛ بدأت أفهم ما يحدث؛ هناك بعض النفوس الضعيفة؛ التي تحاول أن تبث فيمن حولها أنها تملك شخصية غير عادية متميزة؛ فتضفي على نفسها بعضًا من الغرور لزوم ديكور الشخصية الفريدة!!
تعلمت أن التواضع صفة الكبار؛ وأن الغرور هو الضعف في أبهى صوره؛ كلما كنت مغرورًا؛ كنت ضعيف الشخصية مهزوزًا؛ والدليل؛ إذا رأيت أحد هؤلاء المتعالين؛ وتعالمت معه بنفس طريقته سيخشى التعامل معك؛ وقد يبعد عنك مسافة طويلة، منعًا للاحتكاك.
فلا يغرنك هؤلاء؛ فهم أضعف ما يكون؛ وكن متميزًا بشخصيتك المتفردة في العمل أو الدراسة؛ واجعل أخلاقك تسبقك ليٌشار إليك بالحسن؛ وتخلفك لتتحدث عنك وعن سماتك ورقيك.
أما أصحاب الغرور؛ الضعفاء؛ فعندك أحد حلين؛ أن تهملهم؛ فيشعرون بالانزواء؛ أو تتعامل معهم بنفس منطقهم؛ حتى تكشفهم؛ والخياران متساويان.
لكن المؤكد أن ديكورهم هش؛ سرعان ما يزول؛ عسى أن يهتدوا.
[email protected]