مسلسل الشطط العقلي يجري كالسيل العرم، يكسح أمامه كل ما تبقى من مفاهيم إنسانية سوية وأواصر اجتماعية، أصطلحت عليها البشرية عبر تاريخ طويل من المعاملات والتطور الحضاري، واستقرت عليها الجماعات البشرية؛ سواء قبلية أو مدنية، ووضع ابن خلدون عبقري علم الاجتماع معادلة اجتماعية، تؤكد أن الروابط الاجتماعية تعزز قوة المجتمع، وحذر من الفردية، ووصفها بأنها ارتفاع في درجة شعور الفرد تجاه استقلاليته عن مجتمعه، وأصبحت اليوم سببًا فاعلًا في انهيار الدول والحضارات.
والفردية سحقت المنظومة الأخلاقية للحضارة الغربية، وساعدت على تفككها، وباتت الفردية وحشًا منفلتًا يهدد أمن المجتمعات، وقد تمخضت الرأٍسمالية الغربية عن ولادة طفلها البكر، وأطلقوا عليه المفكرون عبارة التمركز حول الذات، وسرعان ما تحول إلى التمركز العنصري وإعلاء العنصر الغربي، مما غرز التشدد وروح الكراهية نحو الآخر.
والرأسمالية الغربية كانت وباء على جميع مكونات المجتمع، وأتت على المرأة، وجعلتها كائنًا ماديًا بحت، لا يحمل بداخله أي مشاعر، وتمكنت من القضاء على دورها العاطفي، وتملكها رغبة جامحة في الحفاظ على جمالها أطول فترة ممكنة، حتي تستمر في عملها، بينما حظت المرأة أثناء القرن التاسع عشر مع بدايات الحضارة الغربية باهتمام كبير، وشجعتها الحضارة الغربية على كثرة الإنجاب، لتحقق أعلى معدل إنتاج، وبمعنى آخر اعتبرت المرأة مفرخة لإنتاج الأيدي العاملة.
وتدور عجلة الحضارة الغربية وفي ظلها تتضخم ثروة الإنسان، ويتملك وفرة من السلع الاستهلاكية، وينعم فيها بحرية كاملة، ينقصها الضوابط الأخلاقية، وأفضت به إلى تفضيله للعزوبية، ونأى بنفسه عن الارتباط الشرعي بالمرأة، وبمرور الوقت رسخ في وجدان الغرب مفهوم الفردية والولع بالأفكار المادية، وبحث الرجل الغربي عن بدائل للمرأة، واختار الشذوذ، وانخفضت بالتبعية نسبة المواليد بشكل ملحوظ، وهو كمن فقد عقله، ويتعجل بخراب بيته.
وتتوالى الآثار السيئة الناتجة عن فشل الحضارة الغربية، وأولها نشأة إنسان غير متوازن أخلاقيًا وعلميًا، وعلى إثرها تتفجر الحروب من أجل سيطرة الإنسان الغربي، حروب يغيب فيها الأعراف الدولية وحقوق الإنسان، وتذكرنا بالحروب الهمجية في العصور البدائية، ولا مانع أن يرتكب هذا الغربي رجلًا أو امرأة سلوكًا شاذًا، مثل ظاهرة زواج المساكنة، التي يتشدق بها مرضى الهوس بالحضارة الغربية.
ومنذ سنوات قليلة نبتت براعم لظاهرة شذوذ جديدة، تسمى الزواج من الذات، وفي عام 1993 أعلنت "ليندا بايكرا" عن أول زواج من نفسها، في حضور 75 شخصًا من أفراد عائلتها، وبرغم تأكيد المواقع الإخبارية على صحتها، إلا أنه خبر يخرج عن حدود العقل، وقد يعده البعض أنه مجرد هري وضرب من الجنون، غير أن قناة "بي بي سي" بثت لقاء مع سيدة بريطانية، تسرد قصة زواجها من نفسها، وأنها أنفقت 10 آلاف جنيه إسترليني على تجهيز حفل العرس، واصطحبتها والدتها أثناء الاحتفال.
وبسؤال النساء متزوجي أنفسهن ما الدافع خلف زواج يغيب عنه الطرف الآخر؟ كانت إجابتهم واحدة، بسبب فشل علاقاتهم العاطفية، وانتقد عدد من رجال الفكر في بريطانيا وأمريكا هذا التطرف العاطفي، وفريق آخر اعتبر حفلات الزفاف الفردية للمرأة الغربية صورة جديدة من تحرير المرأة، وعلى ما يبدو أن الغرب أزال من ذاكرته صورته القديمة عن المرأة، وجسدوا فيها المرأة كالفرخة، تقوم بتفريخ الأيدي العاملة، وأقحموها في كادر جديد مشوه، تظهر فيه تزف نفسها إلى نفسها.
[email protected]