الأمريكى دونالد ترامب، نجم تليفزيون الواقع، قطب العقارات والأعمال الشهير، المرشح الرئاسي، الرئيس السابق، القادم من طريق يختلف عن طريق نخبة واشنطن، ألقته الأقدار فى طريق أمريكا دون سابق إنذار، بل ألقته فى طريق حلف الناتو، والذين يدورون فى فلك القطب الرومانى الجديد.
يبدو ترامب هذا مخيفا للمزاج الأمريكى المعتاد، ومخيفا للمزاج الأوروبى المذعور، وللذين يؤمنون بأمريكا «الأرض الموعودة الجديدة».
يقال إن ترامب إذا ما فاز مرة أخرى سيحيل العالم إلى خراب مقيم، ويقال إنه سيحطم السياق الذى تكوّن على مدى عقود، وسيهز مكانة أمريكا المرموقة، هكذا يبادر الذين يخافون رئاسته لأقوى دولة فى التاريخ.
تقريبا لا يوجد مثقف، أو سياسي، أو خبير بالشأن الأمريكي، إلا ويخشى عودة ترامب، الجميع يرى فيه خطرا على الإنسانية، كذلك تفعل هوليوود بنجومها اللامعين، وفنانيها الأوائل، وممثليها المتوسطين، وكتابها، ومؤلفيها، أما وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، فتعمل على شيطنته، وتنشر بيانات متلاحقة عن نتائج استطلاعات الرأي، تبدو فيها المنافسة متفوقة عليه بمراحل.
فى سنواته الأربع الأولى لم تقع أى حرب تذكر، ولم يحدث اختلال فى النظام الدولي، بينما فى العصر الذى تلاه اندلعت عشرات الحروب، أبرزها إبادة الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة على أيدى الجماعة الإسرائيلية، ومجزرة الأخوة فى أوكرانيا وروسيا، غير تلك الحروب التى تجرى تحت ذرائع شتى، أما الاقتصاد العالمى فوصل إلى حالة ركود تتفوق على الكساد العظيم الذى ضرب العالم فى الثلاثينيات، بدءا من أمريكا نفسها، ولم يتم التعافى الكامل منه إلا فى عام 1954.
ترامب شخص محدد الهوية والمسار، هو ضد إشعال الحروب، والثورات الملونة، والتدخل فى أنظمة الدول الأخرى، وهذا لا يعجب المتيمين بالاندفاع الأمريكي.
يقول ترامب إن حرب غزة ستتوقف على الفور مع إعلان فوزه بمنصب الرئيس، وكذلك يؤكد أن حرب روسيا وأوكرانيا، ستتوقف على الفور.
إعلان ترامب المبكر هذا يخيف فريقا من الناس والمنظمات، والأحلاف، يخيف حلف الناتو، والشراكة الإستراتيجية عبر المحيط بين أمريكا وأوروبا، وكل أتباع سياسة الاندفاع الأمريكى فيما وراء المحيطين، كزعيمة أولى وأخيرة.
سياسة الاندفاع هذه تسببت فى إشعال 50 حربا على الأقل، ما بين كبرى وصغرى، وصاغت إستراتيجية تدمير أنظمة وطنية، وإشعال ثورات، وانهيارات اقتصادية، واغتيال زعماء وطنيين، وانحياز أعمى ضد الشعوب المحتلة، وفلسطين مثال واضح على اعتناق هذه السياسة.
يقول قائل إن ترامب الرئيس لن يستطيع تغيير السياسة الإستراتيجية المعتمدة، وإن مؤسسات التفكير العميق صاحبة الولاية دون منازع، لكنه قول محفوظ، والدليل الدامغ خوف تيارات أمريكية، داخليا، وتيارات
مرتبطة بها، خارجيا، تحصى الأوقات، تدعو ألا يأتى ترامب.
هل هبط ترامب بالمظلة من سماء بعيدة؟
بالطبع لا، هو تعبير غاضب من استبعاد تيار أمريكى نشأ مع النشأة الأولى مع الآباء المؤسسين لأمريكا، لكنه استبعد فى الطريق، وترك فى الشوارع الخلفية.