القضية التي كشف عنها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية؛ بخصوص التلاعب في أسعار البيض بالسوق المحلية، تؤكد مجددًا حالة الفوضى التي تضرب الأسواق منذ فترة، ويدفع فيها المواطن فاتورة باهظة ماديًا ومعنويًا؛ بسبب هذه الممارسات غير المشروعة، والتي يرتكبها أصحاب الضمائر الخربة الذين أعماهم الجشع، فراحوا يخططون ويتآمرون لسرقة المواطن البسيط ويحققون أموالًا طائلة من رفع الأسعار بلا مبرر ودون وازع من دين أو دافع من ضمير.
منذ ما يزيد على عام، وضمن موجة سعرية ضربت الأسواق كالوباء الذي طال كل السلع، شهدت سلعة البيض ارتفاعًا متتاليًا بلا مبرر ودون أسباب واقعية.. حينها أرجع بعض القائمين على هذه التجارة الأمر إلى زيادة سعر الأعلاف بعد تعديل سعر الصرف، لكن لم تتوقف الزيادات السعرية لهذه السلعة، برغم تدخل الدولة بتوفير الأعلاف، حتى إن الأمر بدا مفتعلًا، بل أصبح مجالًا للسخرية، ومع مرور الوقت تأكد أن هناك شيئًا ما يحدث في سعر البيض الذي بلغ مداه بأن وصل سعر الكرتونة إلى 180 جنيهًا، في حين أن كل الحسابات تشير إلى أنه لا يزيد على 90 جنيهًا، بعد الزيادات الجديدة في سعر الصرف، وهو ما أثار علامات استفهام، وطرح العديد من التساؤلات!!
إلى أن جاء تقرير جهاز حماية المنافسة اليوم كاشفًا عن إمبراطورية بالفعل للبيض تتربح وتتكسب المليارات من وراء التلاعب في السوق وارتكاب جريمة الاحتكار؛ عبر الاتفاق اليومي بينهم لتحديد السعر الذي يتم البيع به للمستهلك وهو بالـتأكيد مبالغ فيه.
أعضاء هذه المافيا وفق بيان الجهاز يبلغ عددهم 12؛ وهم من كبار منتجي البيض والمدهش أن من بينهم أو من يقودهم من أعضاء بشعبة البيض بالاتحاد العام لمنتجي الدواجن؛ حيث اتخذت جريمة الاحتكار أشكالًا كثيرة للدرجة التي نجحوا فيها في ضرب مبادرات الدولة لخفض الأسعار، وعبر وسائل احتيالية واحتكارية أيضًا باتوا هم من يحدد السعر يوميًا وفق ما يريدون.
وهنا اقتبس جزءًا مما جاء في بيان جهاز حماية المنافسة، والذي أحال به هؤلاء إلى النيابة؛ حيث يكشف عن وقائع سرقة ممنهجة، وكأنها مافيا بالفعل يملكون شبكة متطورة تكنولوجيًا لإحكام عملية الاحتكار، وضمان توحيد السعر الذي يحددونه في جميع المحافظات؛ حيث يقول الجهاز: "..وخلال الفحص الذي قامت به الفرق الفنية بالجهاز تكشَّف أن شعبة بيض المائدة تتواصل مع كبار المزارع في نهاية اليوم؛ من أجل تحديد أسعار بيع طبق البيض الأبيض والأحمر في اليوم التالي، ثم إعلام العاملين بالسوق بالأسعار المتفق عليها من قبل ممثل الاتحاد العام لمنتجي الدواجن؛ باعتباره حلقة الوصل بين كافة العاملين بهذه السوق، من خلال النشر على صفحات الفيسبوك الخاصة بالشعبة والاتحاد، بالإضافة إلى مجموعات التواصل الاجتماعي لكل منطقة على مستوى الجمهورية، فضلًا عن قيام كبار المنتجين بالنشر على صفحاتهم الخاصة حتى يتحقق العلم لكافة المزارع المنتجة على مستوى الجمهورية للبيع بهذه الأسعار، وقام المخالفون باتباع منهجية في زيادة الأسعار بشكل تدريجي، بغض النظر عن آليات العرض والطلب خلال الفترة الماضية، مستغلين ظروف السوق والأحوال الاقتصادية في زيادة الأعباء على المواطنين، خاصة أن بيض المائدة يمثل سلعة غذائية أساسية لكل المواطنين طوال العام".
مافيا البيض التي سقطت اليوم هي نموذج فقط من عصابات أخرى تعبث بأقوات المواطنين وتتربح من جيوبهم، وكثيرة هي السلع التي شهدت أسعارها قفزات غير مبررة، وتتحكم فيها مثل هذه المافيا، وقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي مثل هذه الوقائع المخالفة، وأصبح في مقدور أي مجموعة من التجار التحكم في تحديد السعر الذي يريدونه.
حرية السوق لا تعنى الفوضى، وأخلاقيات التجارة وقوانينها تفرض على كل المتعاملين الالتزام بقواعد العرض والطلب، ويقينًا أن السوق في مصر تحتاج إلى إعادة ضبط لحماية المستهلك من هذه الممارسات الضارة التي لم تعد مقبولة، ولا يستطيع أحد تحملها بعد أن تفشى الغلاء وطال العديد من السلع والمنتجات بمعدلات مبالغ فيها تفوق قدرة المستهلك، وتتحدى سلطة القانون.
تحية تقدير لرجال جهاز حماية المنافسة وفي انتظار المزيد.
[email protected]