سلط البنك الدولي في تقرير شامل حول تأثير الكيماويات على كوكب الأرض، الضوء على الأزمة البيئية الصامتة بسبب المواد الكيميائية مثل الرصاص والنيتروجين الموجودة في التربة وإمدادات المياه والمنتجات المنزلية ذات الأثر الوخيم.
موضوعات مقترحة
وأشار التقرير الذي شارك في كتابته أكسيل فان تروتسنبيرج المدير المنتدب الأول لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي مع شتيفي ليمكي وزيرة البيئة والحفاظ على الطبيعة والسلامة النووية وحماية المستهلك في ألمانيا، إلى أن العالم على سبيل المثال بدأ في الآونة الأخيرة في إدراك الحجم الحقيقي للتسمم بالرصاص وتأثيره على أمراض القلب والأوعية الدموية وقدرة الأطفال على التعلم.
ونبه التقرير الدولي إلى أنه لا يوجد مستوى آمن من الرصاص في جسم الإنسان، حيث أظهرت بحوث البنك الدولي أن 5.5 مليون نسمة في جميع أنحاء العالم يموتون مبكرا بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بالتعرض للرصاص كل عام وأن الأطفال دون سن الخامسة يفقدون في المتوسط نحو 6 نقاط من معدل الذكاء في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وبالتالي يتم إعداد هؤلاء الأطفال للإخفاق في الحياة وفقدان فرصة ليعيشوا حياة صحية ومنتجة، وقد تتجاوز تكلفة هذه الخسارة 11% من الدخل مدى الحياة للأطفال الذين يشاركون في القوى العاملة حيث إن فقدان كل نقطة في معدل الذكاء يمكن أن يخفض الدخل بنسبة 2% وهذا عبء ضخم على التنمية الاقتصادية رغم أنه مستتر.
وأفاد التقرير بأن الرصاص مجرد مثال، ونسبة 60 % من النيتروجين الموجود في الأسمدة تنتقل إلى الهواء والماء مما يؤدي إلى هلاك الثروة السمكية وتلوث الهواء والمساهمة في تغير المناخ أما الكادميوم الموجود في البطاريات والإلكترونيات ومواد الطلاء فيمكن أن يسبب الفشل الكلوي والسرطان "وفي معظم الحالات نجد أن الفئات الفقيرة والأكثر ضعفاً واحتياجاً وتعرضاً للمخاطر هم الأكثر تضرراً من التلوث الكيميائي"..لافتا إلى أنه قد حان الوقت للعمل من أجل كوكب خال من الأضرار الناجمة عن الكيماويات والنفايات.
وذكر أنه مما لا شك فيه أن المواد الكيميائية ضرورية لتحقيق التنمية لا سيما لتصنيع منتجات مثل الأدوية والأسمدة، كما أنها أساسية لتقنيات مثل الألواح الشمسية والبطاريات التي نحتاجها لمستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية بهدف التصدي لأزمة المناخ ، وهي أحياناً تسهل حياتنا لكن طريقة إنتاج المواد الكيميائية واستخدامها ونشر النفايات والمخلفات في العالم لا سيما المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد والإلكترونيات التي يتم التخلص منها، ومبيدات الآفات منتهية الصلاحية، وتلوث الهواء الناجم عن الصناعة والوقود الأحفوري، لا يهدد صحة الناس فحسب بل يدمر الطبيعة ويقوض جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأوضح تقرير البنك الدولي أنه على الرغم من كل ذلك فالأمر لا يدعو إلى اليأس والإحباط وفقدان الأمل، فلدينا أمثلة ملموسة على قيام العالم بعمل مشترك والنجاح في التخلص من الملوثات الضارة حيث أدت الجهود العالمية إلى التخلص من الرصاص الموجود في البنزين، كما أدى بروتوكول مونتريال إلى وقف استنفاد طبقة الأوزون.
ونوه التقرير بأن هناك زخما عالميا جديدا للتصدي للتلوث الكيميائي ، فقبل عام مضى وافق العالم على الإطار العالمي للمواد الكيميائية ، إذ يمثل هذا الإطار مظلة للجهود التي تبذلها العديد من القطاعات وأصحاب المصلحة والأطراف المعنية ويشجعه لاسيما الحكومات والمؤسسات الصناعية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية ، وفيما يعتبر ذلك إنجازا هائلا إلا أنه مجرد خطوة أولى وبالتالي علينا الآن أن نسعى حثيثا لتفعيل الدور الحيوي لهذا الإطار وتعزيز قدراته وتوفير التمويل اللازم له.
ووفقا للتقرير شهد العام الماضي موجة واعدة من التغيير وبدأت الحكومات في تنفيذ الإطار على المستوى الوطني وتم إنشاء الصندوق الخاص به وتفعيله بدعم من ألمانيا التي أسهمت فيه بنحو 20 مليون يورو بجانب مانحين آخرين بما يتضمن مؤسسات الصناعات الكيميائية ، ومن المتوقع أن يساعد الصندوق البلدان النامية على تدعيم قدراتها على إدارة الكيماويات على نحو مستدام وبما يلائم احتياجاتها وستقوم المنظمات الدولية بتنسيق أعمالها والتعاون مع الشركاء في إطار برامج لتنفيذ الإطار بهدف ضمان ألا تسبب التنمية الاقتصادية تلوثاً للبيئة.
وذكر تقرير البنك الدولي أنه لضمان إدارة الكيماويات على نحو أكثر استدامة وسلامة، يجب مواصلة العمل على مستوى المجتمع بجميع أطيافه فعلى مؤسسات الصناعات الكيميائية الاستثمار في الكيمياء الخضراء والمستدامة للتنبؤ بالآثار الضارة لاستخدام الكيماويات على نطاق واسع وتجنبها ومنعها وإيجاد البدائل لها.. مطالبا الحكومات التحلي بالرؤى المتبصرة والإرادة السياسية والقدرة على وضع ضوابط الحماية اللازمة لاستخدام الكيماويات.
وشدد على ضرورة التكاتف للحد من الإفراط في استخدام المواد الكيميائية وإدارتها على نحو آمن وضمان عدم سقوط المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم مرة أخرى في براثن الفقر بسبب آثار التلوث .. قائلا :"مسؤوليتنا أن نترك لأطفالنا وأحفادنا كوكباً صالحاً للعيش فيه وخالياً من التلوث".
وأكد التقرير التزام مجموعة البنك الدولي وألمانيا التزاما تاماً بتحقيق هذه الأجندة ، حيث يلتقي القادة في منتدى برلين الثالث لمناقشة سبل المضي قدما.
وأهاب تقرير البنك الدولي بجميع الجهات والأطراف الفاعلة الاضطلاع بدورها لتفعيل اتفاقية الإطار العالمي للمواد الكيميائية على أرض الواقع إذ أن جميع تلك الأطراف لن تتمكن من النجاح إلا معاً، في تلك المهمة الضخمة التي تعتبر أيضاً فرصة غاية في الأهمية كي يتسنى للجيل الصاعد تغيير الاتجاهات الحالية من أجل كوكب ينعم بالصحة والسلامة وبظروف معيشية أكثر أماناً لأطفالناً.