أطفال غزة يُقتلون ويُجوَّعون ويُيتمون ويُشردون، وصراعات مسلحة في السودان وليبيا والصومال.. وغيرها وغيرها، وإذا بحثت عن الفاعل الحقيقي وراء كل ذلك ستجد حسد الصهاينة للمسلمين، وخاصة في غزة وفلسطين والضفة الغربية والقدس وبيت المقدس؛ لامتلاك المسلمين تلك الأرض المقدسة، ويريد الصهاينة أن يُخرجوا المسلمين منها، وأن تكون تلك الأرض لهم وحدهم، وليس لأحد غيرهم.
كما يريد الصهاينة هدم المسجد الأقصى تحت زعم وجود "هيكل سليمان" أسفله، على الرغم من أن المسجد الأقصى بُني قبل عهد سيدنا سليمان (عليه السلام) بأزمنة طويلة، كما أن الآثار الأموية والعباسية والعثمانية تدل على إسلامية المسجد الأقصى البحتة، التي لا يشترك معها أي ديانة أخرى، وينسف الادعاءات الباطلة لليهود بوجود أي أثر لهم في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى أن وجود المسجد الأقصى قبل الهيكل المزعوم بأزمان طويلة من أقوى الأدلة التاريخية التي تبطل مزاعم اليهود، وتكشف مدى مصداقية الرؤية الإسلامية في حق المسلمين في المسجد الأقصى وفلسطين، كما أن هناك خلافًا كبيرًا بين علماء اليهود وحاخاماتهم في تحديد مكان الهيكل، وفي قيام دولة إسرائيل من الأساس، وهذا دليل دامغ وقوي على أن "هيكل سليمان" أكذوبة وأسطورة!! وهذا هو الحسد بعينه؛ فالصهاينة يحسدون المسلمين على امتلاكهم القدس وبيت المقدس، فالحسد صناعة صهيونية.
أما عن وجه الشبه بين إبليس والصهيونية، فتبدأ الحكاية من بعد أن خلق الله تعالى أبانا آدم عليه السلام، وحتى قبل أن ينفخ الله فيه الروح؛ إذ كان إبليس اللعين يحوم حول أبينا آدم ساخرًا منه وحاسدًا له.
فقد حسد الشيطان اللعين أبانا آدم منذ أن رآه للوهلة الأولى، وظن -جهلًا وتكبرًا- أنه أفضل منه؛ لأنه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين، وخفي عن إبليس اللعين أن الخيرية لا تقاس لا بالنار ولا بالطين ولا بأي شيء غير التقوى؛ فقد حسم الله تعالى هذه القضية وقال: (... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات 13).
وكان الطرد من رحمة الله تعالى وجنته هو عقوبة إبليس لعدم امتثاله لأمر الله تعالى، فطلب إبليس اللعين من الله تعالى أن يبقيه حيًا حتى يوم البعث؛ لكي يتمكن من إغواء آدم وذريته وحسدهم أجمعين، ولكنه استثنى عباد الله المخلَصين بـ(فتح اللام لا بكسرها)؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه لن يستطيع إغواءهم؛ وهم الرسل والأنبياء وأولياء الله الصالحين، حيث قال تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (سورة ص 79: 83)
وكما أن الحسد طبيعة إبليسية، فهو أيضًا صناعة صهيونية؛ لأن اليهود حسدوا رسولنا الكريم محمد "عليه أفضل الصلاة والسلام" على أن آتاه الله النبوة، واعترضوا على حكمة الله تعالى في إعطاء النعم (النبوة) لسيدنا محمد "عليه أفضل الصلاة والسلام" واصطفائه؛ لأنهم كانوا يتمنون أن يكون رسول آخر الزمان، الذين هو مكتوب عندهم في التوراة وينتظرونه، منهم وليس من المسلمين، ويقول الله تعالى في ذلك: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ…) (النساء 54).
وهذا هو وجه الشبه بين إبليس والصهاينة؛ فإبليس حسد أبانا آدم عليه السلام، والصهاينة تحسد المسلمين الآن على وجودهم في الأرض المقدسة، ويريدون إخراجهم منها، وإن رفضوا فليس لديهم أي مانع من إبادتهم جميعًا، كما أني أرى أن هناك وجه شبه آخر بين إبليس والصهاينة؛ وهو أن كلًا منها عدو للبشرية، وكأن الله تعالى خلقهما ليجعلهما اختبارًا وابتلاءً للبشر!!
ويقول الإمام الشافعي لكل حاسد:
ألا قل لمن بات لي حاسداً
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
لأنك لم ترض لي ما وهب
فجزاك ربي بأن زادني
وسد عليك وجوه الطلب
ولكن حتمًا سينقلب السحر على الساحر والحسد على الحاسد؛ وكما أن مصير إبليس الحاسد اللعين قد حسمه الله تعالى بالخلود في جهنم وبئس المصير، فقد اختارت إسرائيل والصهاينة، بما فعلوه في الفلسطينيين، مكانهم في مزبلة التاريخ، وستنتهي دولة إسرائيل آجلا أم عاجلا، فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وإن غدًا لناظره قريب.