موضوعات مقترحة
رحيل أحد أعمدة الفن التشكيلي.. التوني اسم خالد بين الكبار
شريف نادى
رحل عن عالمنا اليوم الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني، أحد أبرز الرواد في الساحة المصرية والعربية في الفن التشكيلي، إذ شكلت أعماله الفنية جسراً بين التقليد والابتكار، مدمجاً بين التراث المصري العريق والتقنيات الحديثة التي جعلت من لوحاته تجسيداً لمزيج فريد من الألوان والأشكال. يرحل حلمي التوني بعد مسيرة طويلة غنية بالإنجازات والإبداعات التي ساهمت في إثراء المشهد الفني التشكيلي ليس فقط في مصر، ولكن على مستوى العالم العربي. وُلد حلمي التوني عام 1934، وبدأ اهتمامه بالفن منذ صغره، حصل بكالوريوس كلية الفنون الجميلة تخصص ديكور مسرحي عام 1958 ودرس فنون الزخرفة والديكور، حيث تأثر بأعمال العديد من الفنانين الكبار وأصبح يطمح لأن يكون له بصمة خاصة في عالم الفن التشكيلي. تميزت أعمال التوني بقدرتها على التركيز على التراث الشعبي والثقافة المصرية والهوية البصرية، وتميزت رسوماته بالتفرد.
بدأت مسيرته الفنية بالتركيز على استخدام الألوان الزاهية والتقنيات الفنية الجديدة التي تعكس جماليات التراث المصري. أضافة إلى أعماله لمسة فنية تتسم بالخيال والابتكار، حيث استخدم الرموز والعناصر الشعبية لتقديم رؤى جديدة للعالم من حوله، فكان لا يخفي إعجابه بالفنان العالمي بابلو بيكاسو ولا تأثره بالفنانين المصريين رواد الفن الشعبي الذين يتخذهم قدوة في مساره الفني مثل: محمود مختار ومحمود سعيد وعبد الهادي الجزار تُعد أعمال حلمي التوني تجسيداً لفلسفة فنية تجمع بين التأصيل والحداثة. كان معروفاً باستخدام الألوان القوية والتراكيب المتنوعة التي تعكس تأثره بالثقافة الشعبية المصرية.
كما أنه كان له دور بارز في تقديم التراث المصري بأسلوب عصري، حيث كان يدمج بين الخطوط الهندسية والرموز التقليدية في تشكيلات فنية مميزة. تولي العديد من المناصب، وأقام العديد من المعارض سواء محلية أو دولية، عاش بالقاهرة وبيروت والتي كانت زيارته الفنية لها لمدة 3 سنوات، كما أنَّ العديد من الناس في مختلف دول العالم يقتنون الكثير من لوحاته، كما أنَّ متحف الفن المصري الحديث بالقاهرة يقتني أيضًا عديد من لوحاته القيمة يعتبر حلمي التوني من أشهر الفنانين التشكيلين الذين صمموا أغلفة روايات الكاتب الراحل نجيب محفوظ، ورسم شخصيات نسائية لرواياته مثل نفيسة في رواية "بداية ونهاية"، وأمينة في الثلاثية السكرية، وغيرها الكثير، وتميزت لوحاته بتصاميمها الغنية بالتفاصيل، والتي تعبر عن ثقافة مصر بشكل عميق، وكان يستخدم التوني الرموز الشعبية والمشاهد التقليدية ليعيد تقديمها بأسلوب عصري يلامس الحاضر، واستخدم الألوان والخطوط بشكل يعكس تطوراً في أسلوبه وتحديثاً في تقنياته.
من خلال تلك الأساليب، استطاع التوني أن يعبر عن معانٍ عميقة تتعلق بالهوية والثقافة والتاريخ المصري. كان لفن حلمي التوني تأثير كبير على الجيل الجديد من الفنانين التشكيليين. من خلال أسلوبه الفريد وتفانيه في العمل، أصبح مصدر إلهام للكثيرين، ممن استلهموا من تقنياته وتوجهاته الفنية.
لقد ساهم في تطوير المشهد الفني المصري من خلال تجديده وتحديثه، مما جعله رمزاً للفن التشكيلي المعاصر في مصر.
في تعبير عن الحزن العميق لفقدان أحد أبرز رموز الفن التشكيلي المصري، تقدم وزير الثقافة المصري ببيان نعي رسمي يصف فيه حلمي التوني بأنه " الراحل كان أحد حراس الهوية المصرية، وشكل وجدان جيل بأكمله بأعماله الخالدة، ليرحل تاركًا بصمات لن تمحى على الساحة الفنية من خلال أعماله المتميزة، والتي أسهمت في إثراء الثقافة البصرية على مدار عقود".
لم يكن فقط فناناً بارعاً، بل كان أيضاً معلماً وملهمًا للعديد من الفنانين الشبان الذين استفادوا من تجاربه وخبراته، ورغم رحيله لكن إرثه الفني سيظل حياً في لوحاته التي تجسد الروح المصرية وتبث الحياة في التراث والثقافة، وإبداعاته ومساهماته الكبيرة في تطوير الفن التشكيلي، تاركاً خلفه إرثاً فنياً عظيماً سيظل خالداً في ذاكرة الفن التشكيلي. أعماله ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، ومثالاً على القدرة على الدمج بين الأصالة والحداثة في الفن، وفقدانه هو خسارة عظيمة للثقافة والفن.