Close ad

قلق روسى من تحول «تليجرام» إلى أداة في يد حلف الـ«ناتو»

4-9-2024 | 23:13
قلق روسى من تحول ;تليجرام; إلى أداة في يد حلف الـ;ناتو; مؤسس تطبيق تليجرام بافيل دوروف
إيمان عمر الفاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

 

موضوعات مقترحة

أثارت أنباء اعتقال مؤسس تطبيق "تليجرام"، بافيل دوروف بفرنسا، موجة من الذعر والتساؤلات وردود الفعل الغاضبة، على مستويات عديدة، مخاوف من قبل أقطاب التكنولوجيا ورؤساء شركاتها العملاقة من مواجهة ذات المصير والتعرض لملاحقات مماثلة، ومخاوف لدى روسيا من حصول حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، على معلومات سرية وخطيرة بشأن حربها مع أوكرانيا، حيث يمثل تطبيق «تليجرام» أحد أهم القنوات الرئيسية للاتصالات العسكرية الروسية فى تلك الحرب.

من المعروف أن تطبيق «تليجرام»، أصبح ساحة رقمية للحرب الأوكرانية منذ اندلاعها، وبات فى قلب معارك الجغرافيا السياسية، مخاوف من إرغام دوروف على فك التشفير، الميزة الأساسية للتطبيق وعنصر الجذب إليه الحفاظ على الخصوصية، فضلا عن التساؤل الحتمى عن مستقبل التطبيق ذاته، بينما مؤسسه قيد الاحتجاز؟ وعلامة الاستفهام الأبرز لماذا المجازفة بالتوجه إلى عاصمة النور، وهو على علم بمذكرة توقيفه؟ وماذا يوجد بحوزته ليجعل منه صيدا ثمينا؟ وهل أصبح مستقبل المنصات الاجتماعية على المحك؟ وكيف يمكن العثور على رسول إلكترونى جديد فى ساحات الحروب؟

بينما كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة مساء السبت الماضى، بتوقيت أوروبا، تم إلقاء القبض على بافيل دوروف مؤسس تطبيق "تليجرام"، أثناء خروجه من طائرته الخاصة فى مطار باريس لوبورجيه، حيث كان قادما من أذربيجان، وكان برفقته حارسه الشخصى وامرأة لم يعرف هويتها فى بداية القبض عليه، احتجازه حسب التصريحات الرسمية الفرنسية، بسبب فشل "تليجرام"، المزعوم فى إدارة المحتوى غير القانونى عبر تطبيق المراسلة بشكل مناسب، وأثارت أنباء اعتقاله ردود أفعال غاضبة .

منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، ثم حرب غزة، وجد تطبيق تليجرام نفسه فى قلب التطورات الجيوسياسية، كمصدر حيوى للمعلومات للأشخاص على الأرض، وربما يتعرض دوروف الملقب بـ"مارك زوكربيرج روسيا"، لضغوط من أجل إلغاء تشفير تليجرام وفك شفرة المراسلات.

الغريب فى الأمر والمثير للدهشة، حتى بالنسبة للمحققين الذين تحدثوا إلى وسائل إعلام فرنسية، هو سر مجازفة دوروف بالهبوط فى البلاد، برغم وجوده على قائمة المطلوبين فى فرنسا!.
وهكذا وضع دوروف حياته وحريته فى مرمى نيران السلطات الفرنسية، بمزاعم افتقاره إلى الاعتدال عبر تطبيقه، وعدم التعاون مع طلبات الشرطة، وكما ذكرت وكالة "رويترز"، فإن الوحدة الوطنية للأمن السيبرانى، بجانب المكتب الوطنى لمكافحة الاحتيال التابع للجمارك فى فرنسا، تقودان عمليات التحقيق. فضلا عن قاضى التحقيقات المتخصص فى الجريمة المنظمة.

جاء اعتقاله غير المتوقع، بعد إصدار مذكرة من قبل مكتب OFMIN وهو هيئة جديدة لإنفاذ القانون، بدأت عملياتها فى نوفمبر الماضى، وأسند إليها تكليف بمنع العنف ضد القاصرين، واعتقال دوروف هو حلقة من تحقيق أولى، فى مجموعة مفزعة من الجرائم المزعومة التى تتنوع ما بين الاتجار بمواد مخدرة، التنمر الإلكترونى، الجريمة المنظمة والترويج للعنف عبر تطبيق "تليجرام"، لكن برغم خطورة تلك الحزمة من الجرائم، فإنها تظل قاصرة عن تبرير ما حدث؟ فالتنمر الإلكترونى وغيره من الجرائم بحق الأطفال، ظاهرة تطال جميع وسائل التواصل الاجتماعى بالعالم الافتراضى والواقعى! وغيرها من الاتهامات المزعومة لا تنهض بحد ذاتها كدافع قوى لإلقاء القبض عليه.

كما عبر ملياردير التكنولوجيا الأمريكى، إيلون ماسك، مالك منصة "إكس"، منتقدا احتجاز مؤسس"تليجرام"، بافل دوروف فى فرنسا، حيث قال ساخرا إنه لا يستبعد أن تبدأ أوروبا قريبا، إعدام الناس بسبب تسجيل الإعجاب أو"اللايكات"، وبحلول عام 2030، ليس من المستبعد أن يتم إعدام الأشخاص فى أوروبا، بسبب إعجابهم بالرموز الساخرة، تعليق صاحب تطبيق "اكس" أو "تويتر" سابقا، وإن كان معبرًا عن سخرية ما حدث، لكنه جاء أيضا كاشفا عن مخاوف تنتاب رؤساء الشركات العملاقة بمجال التكنولوجيا، من تبعات تلك السابقة الخطيرة التى تعد بمثابة جرس إنذار، أثار الهلع فى نفوس عمالقة الـ"سوشيال ميديا".

هذا الخيط تلقفته صحيفة "الجارديان"، البريطانية متسائلة: ماذا يعنى احتجاز دوروف بالنسبة لأباطرة التكنولوجيا الآخرين؟ أولئك الذين يتصورون أن شخصيات مثل مارك زوكربيرج، مؤسس "ميتا"، أو حتى إيلون ماسك مالك شركة "إكس"، سوف يتم اقتيادهما قريبا مكبلين بالأغلال، ربما عليهما الانتظار بعض الوقت, لأن تلك الأسماء ذات وزن ثقيل مقارنة بدوروف، وبرغم كونه أيقونة بعالم التكنولوجيا، فإنه بالطبع من الصعب ابتلاعهم الطعم.

لكن يظل اعتقال دوروف الروسى- الفرنسى الجنسية، يشير إلى أن ما يعتبره البعض، تقاعسا أوروبيا عن سيطرة تلك الشركات، بات على وشك التغيير، فقد كانت لأوروبا علاقات عدائية طويلة الأمد مع شركات التكنولوجيا الكبرى، والتى تنظر إليها باعتبارها مجرد إزعاج من قبل وادى السيليكون، واحتجاز دوروف يشير إلى أنه ربما بدأ يحدث تغيير، فقد منحت حزمة تشريعية أوروبية، بما فى ذلك "قانون الأسواق الرقمية"، وقانون "الخدمات الرقمية"، القوة لمحاولة كبح جماح، ما يعتبر تجاوزات لشركات التكنولوجيا الكبرى، وقد تم بالفعل التهديد بتنفيذ الإجراءات والغرامات.

لكن برغم ذلك، تظل القوة التى يتمتع بها القائمون على المنصات العالمية حائلا دون تفعيل تلك القوانين، ربما يدرك زوكربيرج أنه من غير المرجح أن يجد نفسه ذات يوم مقيدًا بالأصفاد، بحكم شهرته وموقعه.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنه بعيدا عن الدعاية التى تنطلق من تلك المنصة واسعة الاستخدام، تكمن الخطورة فى حقيقة كونها منذ بدء العمليات العسكرية فى أوكرانيا قبل عامين ونصف العام، إحدى أقوى القنوات التى تستخدمها الشبكات العسكرية الروسية، فقد عمل تطبيق "تليجرام"، كأحد الأعمدة الأساسية للاتصالات العسكرية على الخطوط الأمامية، وتبادل المعلومات خلف جبهات القتال.

ففى العام الماضى، استخدم يفجنى بريجوجين زعيم مجموعة "فاجنر"، التطبيق كشبكة اتصالات رئيسية له، وعلى الجانب الروسى، بما فى ذلك الجنود الذين يبحثون عن معلومات تتجاوز الرسائل التليفزيونية الرسمية من الكرملين، أصبح تليجرام جزءا من حياتهم اليومية، ومع ذلك على مدار الـ24 ساعة التى أعقبت أنباء اعتقال دوروف مؤسس التطبيق فى فرنسا، تم تمرير تعليمات إلى هيئة الأركان العامة الروسية، تطالبها بالتوقف عن استخدام التطبيق، وفى الوقت نفسه دعوة المستخدمين إلى حذف جميع رسائلهم بالغة الحساسية، والسؤال الذى يطرح نفسه إذا أدى اعتقال دوروف بالفعل إلى حظر استخدام الجنود لتليجرام، فكيف سيتمكنون من الاستمرار فى تبادل الرسائل؟ معضلة سلطت عليها الضوء صحيفة "لوموند"، الفرنسية.

موقع "ديفينس وان"، فى تقرير خطير له بعنوان "اعتقال مؤسس تطبيق تليجرام قد يؤثر على الفهم العام للحرب الأوكرانية -الروسية"، جاء به "إن اعتقال دوروف مؤسس تطبيق التواصل الاجتماعى، والمراسلة المثير للجدل فى فرنسا، فضلا عن الإجراءات الإضافية المحتملة ضد التطبيق نفسه، من شأنه أن يقلل من قدرة الجمهور على فهم مجريات الحرب الأوكرانية بشكل كامل؛ حيث كان التطبيق مصدرا رئيسيا للتحليل وآراء المدونين العسكريين الروس"، والخطير فى الأمر أنه ليس من الواضح على وجه التحديد ما هى انعكاسات اعتقال دوروف بالنسبة لتطبيق تليجرام فى المستقبل، أو بالنسبة للمصادر والبيانات الموجودة هناك حول الحرب.

المعلومات التى يوفرها التطبيق تمثل نافذة مهمة على كيفية تصور بعض أقوى مؤيدى الحرب للأحداث على أرض الواقع، بل وأبعد من ذلك، كثيرا ما تعتمد منظمات التحليل مثل معهد "دراسات الحرب"، وغيره على التطبيق لإعداد تقارير عن النقاشات الخاصة بالحرب بالداخل الروسى.

وبحسب تصريحات أحد المساعدين فى مركز الأمن الأمريكى الجديد، والمستشار فى شركة CNA لموقع "ديفينس وان"، يتم استخدام تطبيق تليجرام من قبل جميع مستويات وزارة الدفاع الروسية، من كبار القادة والمسئولين إلى وحدات كتابة التقارير الخاصة، والمتطوعين بل والمواطنين وغيرهم.

مجلة "نيوزويك"، نشرت تقريراً مفصلاً، عبر موقعها الإلكترونى عن تداعيات إلقاء القبض على مؤسس "تليجرام"، وأصدائه بالداخل الروسى، استندت فيه إلى آراء وتصريحات خبراء وصحفيين أمثال الصحفى الروسى ألكسندر سلادكوف الذى صرح قائلا: " الجيش الروسى يجرى نصف اتصالاته عبر تطبيق المراسلة "تليجرام"، ويجب البحث عن بديل بشكل عاجل"، أو بعبارة أخرى "نحن بحاجة إلى رسول عسكرى روسى".

بينما قال المدون العسكرى الروسى، أليكسى سوكونكين: "اعتقال دوروف، يثير مجموعة من المعضلات والمشاكل، تحتاج إلى معالجة فورية، نظرا لكون التطبيق حاليا أساس الاتصالات".
وأشارت قناة "ريبار"، الروسية إلى أن تطبيق "تليجرام" أصبح الآن الوسيلة الرئيسية تقريبا للسيطرة على الوحدات فى الحرب الأوكرانية، وسيكون من المحزن للغاية والمثير للدهشة والسخرية، فى ذات الوقت أن يكون المحفز والمحرك للتغيرات فى أساليب وتكتيكات الاتصالات والتحكم فى القوات القتالية هو اعتقال دوروف، وليس المشاكل العسكرية الفنية البحتة، التى تراكمت على مدى العامين الماضيين ونصف".

وتساءلت الصحف الروسية عن مستقبل التطبيق؛ حيث نشرت مقالات تتساءل "إذا تعطل تطبيق تليجرام, فكيف ستقاتل القوات الروسية؟ بالإضافة إلى إشارات، مفادها أنه قد يصبح أداة فى يد حلف شمال الأطلنطى".
وفى غياب دوروف، يبدو مستقبل تليجرام غامض، وعالق فى الميزان. يقول جورجى لوبشكين -رئيس العلاقات العامة السابق فى موقع فكونتاكتى الموقع الاجتماعى الأكبر فى روسيا، الذى طوره دوروف عام 2006: "أشعر بالصدمة، ويشاطرنى نفس المشاعر جميع من هم فى الدائرة المقربة من دوروف، فلم يكن أحد مستعدا لهذا الموقف، ومن يمكنه ملأ الفراغ الإدارى للشركة فى ظل غياب دوروف".

ويقول أنطون روزنبرج، الذى عمل مع دوروف، فى عام 2007 منذ الأيام الأولى لـ"VK": لم يكن أحدا مستعدا لمثل هذا السيناريو، لكننى أتوقع أن يحصل على أفضل وأقوى دفاع قانونى، وبدونه قد نواجه مشاكل ضخمة فى الإدارة، نظرا لمشاركة دوروف فى الإدارة بشكل شخصى، ويتخذ بنفسه قرارات رئيسية فى كل الأمور تقريبا من التمويل إلى إستراتيجيات التطوير، وتصميم المنتج وسياسات تعديل المحتوى والمدفوعات, ولا أرى بديلا له فى الوقت الحالى".

أما إليس كامبو، الذى أدار التطبيق فى مراحله الأولى وأعماله وشراكته منذ عام 2015، وحتى عام 2021، فيتوقع أن يستمر كل شىء على النحو الطبيعى فى الوقت الحالى، لكن الأمر مرهون بالطبع بالمدة التى سوف يستغرقها التحقيق، هناك هيكل وظيفى وزخم ذاتى، لكن المدى الزمنى محدود، كما أن عدد موظفى الشركة محدود للغاية، بحيث لن تتأثر البنية التحتية بدرجة كبيرة، كما قام دوروف بسداد المدفوعات لكن ماذا ستكون الحال عندما يطالب مقدمو الخدمات التى تتعلق بالاتصالات بمدفوعات جديدة وهو لا يزال قيد الاعتقال؟

وتشتهر خدمة تليجرام بتشفيرها الشامل، والتزامها بخصوصية المستخدمين، وهو ما جعلها واحدة من أكثر التطبيقات تحميلا على مستوى العالم، والمنصة المفضلة للمستخدمين الذين يعطون الأولوية للخصوصية، وتظل المنصة شائعة الاستخدام خصوصا فى مناطق الصراع مثل روسيا وأوكرانيا.

أخيرا، كما يشير كريس ستوكيل ووكر، مؤلف كتاب "طفرة التيك توك: تطبيق ديناميت الصين، وسباق القوى العظمى على وسائل التواصل الاجتماعى" فإن احتجاز مؤسس تطبيق "تليجرام"، سوف يجعل المسئولين التنفيذيين للشركات الرائدة فى مجال التكنولوجيا، يعيدون تقييم المشهد بما ينطوى عليه من مخاطر، وبأن منصاتهم أصبحت على المحك!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة