بفكر جديد ورؤية عميقة تحدث المهندس عبد السلام الجبلى رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس الشيوخ لـ«الأهرام التعاونى والزراعى» عن أبرز القضايا التى تهم المزارع والزراعة المصرية، و دور اللجنة وحرصها الدائم على تقديم التوصيات اللازمة فى مختلف القضايا الزراعية التى تناقشها الحكومة للاستفادة منها فى مواجهة التحديات والعقبات.. الجبلى كشف عن التعاون المستمر بين البرلمان ووزارة الزراعة للنهوض بالقطاع الزراعى، وتنفيذ خطة الدولة فى التنمية الزراعية. السطور التالية تستعرض أهم ما قاله حول هذه القضايا ورؤية اللجنة فيها..
التعاونيات من أبرز القطاعات التى تحتاج إلى تعميق دورها حتى يتسنى لجمعياتها خدمة الفلاح، كيف نحقق ذلك، وما الذى تحتاجه التعاونيات ليعود دورها؟
تقوم اللجنة حالياً بالتعاون مع مجلس النواب بدراسة تشريع جديد لتعديل قانون التعاونيات، بحيث يسمح لها بالاستثمار فى كل المجالات الزراعية وقانون التعاون يحظى بأهمية خاصة وأولوية من المجلسيْن، وهو من أول القوانين التى ستتطرح خلال دور الانعقاد القادم، وهذا التوجه سيكون له مردود إيجابى كبيرعلى المزارعين.
أثار مجلس الشيوخ موضوع استخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة، فكيف يمكن تطبيق ذلك؟
تعانى المراكز البحثية عموماً من نقص فى الإمكانيات المادية، واللجنة تناقش الملفات الخاصة بالبحث العلمى فى قطاع الزراعة، مع قيادات ومسئولى مراكز البحوث المختصة والمعوقات التى تواجههم ورؤيتهم فى التطوير، بهدف الخروج بتوصيات تساعد وتدعم تطوير تلك المؤسسات البحثية الهامة. وقد اكتشفت اللجنة عدم وجود تنسيق بين المراكز البحثية، فضلاً عن عدم وجود تطبيق للأبحاث على أرض الواقع، وعدم وجود ربط بين المراكز البحثية ومناطق الإنتاج، وبالتالى لايشعر المزارع بقيمة البحوث العلمية التى تتم فى المجالات المختلفة ولايستفيد بها. وقد ناقشت اللجنة فى دور الانعقاد الماضى اقتراحاً بدعم الميزانية المخصصة للبحث العلمى التطبيقى للبحوث الزراعية.
ما تصوركم للتوسع الأخضر وزيادة حجم الإنتاج الزراعى؟
إن تطوير البحث العلمى مرتبط بالتعليم، والذى يحتاج إلى تطوير وإعادة هيكلة ليواجه متطلبات التنمية، حيث يجب تحديث المناهج الدراسية، وزيادة عدد الكليات التكنولوجية الموجودة فى مجال الزراعة، وإعادة النظر فى جودة التعليم الفنى الزراعى، حتى يناسب احتياجات سوق العمل فى ضوء النهضة الزراعية الحالية. كذلك الاستثمار البشرى فلابد أن يكون هناك ربط بينه والاستثمار الزراعى، ولذلك يجب الاهتمام بالعلم وتأهيل العنصر البشرى.
كيف السبيل لتفعيل دور الإرشاد الزراعى؟
الإرشاد الزراعى اختلف عن الماضى، حيث كان يتم بين المهندس الزراعى والمزارعين فى الحقل، وإعطاؤهم الإرشادات مباشرة، ومع التطور الحالى أصبح الإرشاد يعتمد على أدوات أخرى مثل برامج التوعية والنشرات والندوات، ولكن يجب أن يكون هناك اعتماد أكبر فى نشر الوعى بين المزارعين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، بطريقة أكثر فاعلية من الوضع الراهن، وهذا ماطالبت به اللجنة وزارة الزراعة.
تعد أزمة الأسمدة مشكلة أزلية.. فما هى الحلول التى اقترحتها اللجنة لمواجهتها؟
طالبت اللجنة وزارة الزراعة بوضع خريطة سمادية حسب أنواع التربة والمحاصيل، حتى يتم تقدير الاحتياجات السمادية الحقيقية المطلوبة، أما بالنسبة لتداول الأسمدة، حثت اللجنة الحكومة على تعميم تطبيق الكارت الذكى، لتحديد الاحتياجات السمادية والكميات المطلوبة وأماكنها بدقة، وأرى أن حل هذه المشكلة يكمن فى الوصول إلى سعر مقبول لكلٍ من المنتجين والمزارعين، بحيث يتناسب مع قدرة المزارع واقتصاديات المحاصيل، وتوفير الأسمدة لكل المحاصيل بجميع المساحات والسماح بالحيازات، الأكثر من 25 فداناً بالحصول على الأسمدة أيضاً لغلق السوق السوداء.
ما اقتراحات لجنة الزراعة لتوفير الأعلاف بأسعار مناسبة؟
عقدت اللجنة أكثر من جلسة لدراسة هذا الموضوع، الذى ظهر مع أزمة كورونا بسبب استيراد مصر 90% من مكونات الأعلاف الرئيسية، متمثلة فى الذرة الصفراء وفول الصويا من: البرازيل وأوكرانيا وروسيا وبلغاريا ورومانيا، ولأنها زراعات تنمو على رى الأمطار، وبالتالى فإن تكاليف إنتاجها بهذه الدول أقل منها فى مصر. وتوجه الدولة حالياً جميع الأراضى الجديدة إلى زراعة الذرة الصفراء، ما أدى لانخفاض سعرها لنحو 50%، وانخفض سعر الطن من 20 ألف جنيه إلى نحو 11 ألف جنيه، وتستهلك مصر نحو 9 ملايين طن من الذرة الصفراء سنوياً، والتى كانت تستورد منها نحو 7 ملايين طن، وهذه الفجوة تحتاج لزراعة نحو 3 ملايين فدان، تتم زراعة 1.5 مليون فدان منها حالياً، ونتيجة للتوسع فى زراعة الذرة الصفراء أصبحت لدينا كمية من الإنتاج المحلى لسد جزء من الفجوة الاستيرادية، ومع استمرارية الإنتاج المحلى للذرة الصفراء وفول الصويا أيضاً التى تستهلك مصر منه نحو 3 ملايين طن سيتم تحسين أسعار الأعلاف.
تعتبر التغيرات المناخية تحدٍ كبير بالنسبة للزراعة، من حيث نقص المياه ودرجة الملوحة فكيف يمكن مواجهتها؟
التغير المناخى يحتاج دراسة شاملة لكل مراحل الإنتاج لتغيير منظومة الزراعة، كما أنه يرتكز على تكثيف البحث العلمى للمساعدة فى التكيف مع هذه التغيرات، وتتم مواجهة هذا التغيير أيضاً بتطوير الرى وعمل خريطة محصولية لكل منطقة، ودراسة التعديل فى مواعيد الزراعة لتتناسب مع التغييرات المناخية الجديدة.
ما الخطوات التى اتخذتها اللجنة بخصوص تطوير الرى وتطبيق النظم الحديثة؟
تم إعداد مناقشة عامة فى وجود وزير الزراعة، الذى أوضح أن مصر لديها محطتان كبيرتان لتدوير مياه الصرف الزراعى، إحداهما بمنطقة الحمام والأخرى بمحافظة الشرقية، لإعادة استخدامها فى الرى، ويقتصر تطوير نظم الرى على 2 مليون فدان فقط، منها مليون فدان بالأراضى الجديدة، ومليون فدان بالأراضى القديمة، لرى أشجار الفاكهة والمحاصيل الشرهة للمياه مثل: القصب والموز، حيث يتم التطوير لتوفير المياه، وإعطاء قروض للمزارعين تسدد على 10 سنوات بدون فائدة، وقد طالبت اللجنة بتعديل هذه القروض لتكون بالقيمة الحقيقية للتكلفة، وعلى 20 سنة بدون فوائد، لتشجيع المزارعين على التطوير وتطبيق نظم الرى الحديث.
طالبت اللجنة بوضع سياسة واضحة للتصنيع الزراعى، وألقت الضوء على معاملة هذه المشروعات بالرخصة الذهبية، وتفعيل دور الزراعة التعاقدية.. ما رؤيتك فى هذا الموضوع؟
اقترحت أن يرتبط التصنيع الزراعى بمبادرة «حياة كريمة»، حيث يمكن تخصيص جزء من الأراضى الزراعية فى كل قرية لعمل مشروع إنتاجى متكامل، يخدم القرية بأكملها ويجعلها مكان جذب للسكان. أما الرخصة الذهبية، فهى إعطاء مزايا وتيسيرات فى الإجراءات لتشجيع الاستثمار، وترجع فلسفة الاهتمام بالتصنيع الزراعى فى أن جميع مدخلاته من الإنتاج الزراعى محلية، ما يؤدى لارتفاع نسبة القيمة المضافة به إلى 100%، والحصول على عائد مرتفع وهو ما يعود بالنفع على المستهلك والمنتج، الذى يستحق الحصول على الرخصة الذهبية، حيث يوفر الغذاء ويحقق فائضاً للتصدير يدر عملة صعبة.
أما الزراعة التعاقدية فتندرج فلسفتها فى أن تبدأ من الآخر، بمعنى أن التعاقد يتم لإنتاج مايمكن تسويقه وليس العكس، وربط الزراعة التعاقدية بسعر ضمان كما يحدث الآن فى تسويق المحاصيل الاستراتيجية. وأوصت اللجنة بحتمية دراسة المساحات المطلوبة من كل محصول، وأماكن زراعتها، واحتياجات التعاقدات فيها، ودخول الدولة كطرف ضامن للسعر، لتشجيع المزارعين على زراعة هذه المحاصيل. وبالنسبة للحاصلات الأخرى مثل الخضر والفاكهة، فإن تجار الجملة يتعاقدون مع المزارعين، ويقومون بتمويل زراعتهم مقابل شراء المحصول، ولاشك أن هؤلاء المزارعين يتعرضون لاستغلال التجار لهم، وهذا علاجه هو التوجه للتصنيع الزراعى، الذى يحدث توازناً مابين العرض والطلب.
ما خطتكم للتوسع فى إنشاء المجمعات الزراعية الصناعية؟
طالبت اللجنة بإنشاء مجمعات زراعية صناعية بالقرى، باعتبارها حلاً فعالاً لمشكلة التعاقدات والفاقد فى الخضر والفاكهة، حيث يمكن عمل وحدات إنتاجية صغيرة بالقرى بمساحات مناسبة لكل منطقة، حتى تتنوع المنتجات والأنشطة الخاصة بالتصنيع الزراعى بهذه الوحدات، وليس بالضرورة إنشاء مصانع كبرى، ولكن يمكن عمل مجمع صناعى، يشمل عدداً كبيراً من الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
كيف يمكن تذليل المعوقات التى تواجه القطن، والنهوض بزراعته وصناعته لاستعادة مكانته العالمية؟
مصر تعيد إحياء القطن من جديد بإنشاء مصانع غزل قوية، تستهدف إنتاج نحو 2.5 مليون قنطار حالياً، وهذا يحتاج لزراعة مساحة من القطن تتراوح ما بين 450 إلى 500 ألف فدان تقريباً، وهذا ماتم الوصول إليه حالياً. وكانت اللجنة قد زارت مصنع الغزل بالمحلة الكبرى، وشاهدت تدشين أكبر مصنع غزل فى العالم، تم الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى منه، وجارٍ حالياً تجهيز المرحلتين الثانية والثالثة، وستقوم اللجنة فى بداية دور الانعقاد القادم بزيارة أخرى لتفقد ماتم الوصول له.
ومع تطوير الصناعة، سوف تتزايد المساحة تدريجياً. والعمل بمبدأ إنتاج ما يمكن تسويقه يتم من خلال دراسة حجم احتياجات السوق المحلية والعالمية، وبناءً عليه يتم تحديد المساحة المطلوب زراعتها من القطن وليس العكس، وبالتالى نضمن تسويق ماتم إنتاجه من المحصول وعدم وجود فضلة، والسير فى هذا الاتجاه بهدف الحصول على أعلى إنتاجية وجودة، من خلال إعطاء سعر ضمانٍ مجزٍ للمزارع، لتشجيعه على زراعة المحصول.
ونأتى إلى برنامج الحكومة، والذى كان ختام الدورة البرلمانية، فما الذى تضمنه من تحديات، وكيف يمكن للبرلمان مشاركة الحكومة فى مواجهتها؟
تعتبر اللجنة الذراع الاستشارية للجهاز التنفيذى بالدولة، والمساعد الأصلى فى التشريع، وهو دور مجلس الشيوخ، وتقوم بدراسة كل مايدخل فى اختصاصاتها من برنامج الحكومة مع كل الجهات المعنية، والحصول على توصياتهم برؤيتهم للحلول أو الاقتراحات، والتى يتم إرسالها للحكومة.
ويقوم المجلس حالياً بمراجعة التشريعات مع مجلس النواب، حتى لايكون هناك أى عائق تشريعى أمام الجهاز التنفيذى.
فى النهاية ماذا تقول للفلاح فى عيده؟
أولاً أحيى الفلاح فى عيده.. وأرى أن نتعامل معه بنظرة المستثمر، ودور لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ الأساسى هو خدمة المزارع المصرى، وتذليل كل العقبات التى تواجهه، لمساعدته فى التفرغ للعملية الإنتاجية والتركيز فيها، فالمزارع يقوم بدور هام وقوى، فهو المسئول عن الأمن الغذائى لمصر، رغم أنه يعتبر أقل فئات الشعب شكوى، وحتى فى أحلك الظروف لم يتوقف عن العمل، وكان له دوماً دور إيجابى فعال، لذا فإنه يجب أن يحظى بالرعاية والاهتمام الكامل من كل أجهزة الدولة، وعلى رأسها اللجن.