إحدى الزميلات الفاضلات كلما رأيتها قابلتنى بابتسامة وعتاب:
- ها يا دكتور، بالطبع لم تكتب مقالًا تنصف فيه المرأة؟
وأنا ابتسم وأقول لها إن شاء الله. ومع تكرار الطلب جلست إليها مستفسرًا:
- ماذا تقصدين بإنصاف المرأة؟ من المؤكد أن حديثى عن هذا الأمر سوف يكون أمرًا باهتًا لا معنى له، فالعالم كله بات منذ أمد بعيد مشغولًا بالمرأة وحقوقها وإنصافها
- هى: نعم أعلم ذلك بالتأكيد لكن أنا أقصد أن تنصفها
- نعم أعلم لكن أريد أن أفهم قصدك من الإنصاف.. وضحكت قائلًا ربما تقصدين أنها غير ملزمة بشيء مثلما يقولون
- ضحكت هى الأخرى وقالت: لا طبعًا هذا كلام مجانين، أنا قصدى تنصفها.. يعنى.. يعنى تنصفها يا دكتور
وأقر وأعترف أننى فى النهاية لم أدرك قصد زميلتى، فقط شعرت أن بداخلها مشاعر كثيرة مختلطة لا تسعفها الكلمات للتعبير عنها.
وجلست مع نفسى أسترجع مسألة إنصاف المرأة. هل تقصد إنصافها فى العمل؟ ربما.. لكن المرأة تحصل على حقوقها فى العمل بالفعل، وترتقى إلى أعلى المناصب، ويتساوى راتبها مع الرجل وقد يزيد، فأين المشكلة؟، هل تقصد إنصافها فى المنزل.. ربما. فكيف أنصفها؟ هل أقول إن المرأة هى كل شيء فى بيتها؟ أظنه أمر بديهي، هى الحكومة كما يقولون، المسئولة عن إنجاح مسيرة أسرة كاملة بما فيهم الأب نفسه.
حسنًا.. فلتعلم أيها الرجل أن المرأة أدرى منك بتلك الأمور فلا تكابر، لا أقول لك أن تكون سلبيًا بدون رأى ومشاركة.. فهذا أمر تبغضه المرأة السوية التى ترغب فى بناء أسرة ناجحة، وتعشقه المرأة المتسلطة التى لا يخرج من بين يديها سوى فوضى وحطام.. لكنى أسألك أن تجعل مشاركتك معقولة ومنطقية. المرأة أدرى بشئون دنياها، ودنيا المرأة ومملكتها هى بيتها، فلا عجب أن نترك لها الدفة لتدير وتدبر أمور دنياها مع إبداء الرأى والمشاركة بالطبع، لكن ليكن القرار الأخير لها طالما ليس هناك ضرر بمصلحة الأسرة.
من باب الإنصاف الحديث عن عمل المرأة رغم يقينى بما قد يجلبه علىَ ذلك من عراك. عمل المرأة بالنسبة لى أمر ضرورى وواجب فى حالتين، الأولى إذا كانت متميزة فى مجال عملها، عندئذ يجب ألا نحرم المجتمع من عقل نابغ يمكن أن يسهم فى النهوض بحياتنا جميعًا. الحالة الثانية هى الضرورة، والضرورات حاليًا أصبحت متنوعة وكثيرة. الزوجة التى لا يكفى راتب زوجها لتلبية احتياجات المنزل، من الضرورى أن تعمل لتحسين ذلك الوضع. الأرملة التى تحمل مسئولية أبنائها أو نفسها وليس لها مصدر دخل من الضرورى أن تعمل لإكمال مسيرة أسرتها. البنت التى لم تتزوج بعد وليس لها دخل من الضرورى أن تعمل حتى لا تحتاج إلى أحد.. إلى آخره.
أما العمل لمجرد شغل وقت الفراغ والتخلص من الملل والجلوس وحيدة بالمنزل فلا حاجة له. ويمكن إفراغ الطاقة فى نواح كثيرة أولها التركيز فى تربية الأولاد كما يجب أن يكون، وهى مهمة تحتاج إلى وقت وجهد لمن تنوى القيام بها بإتقان. ومن باب الأمانة أن نقر ونعترف أن التربية السليمة باتت أمرًا مفتقدًا بشدة ولا يخلو بيت من آثاره السلبية التى يعانى منها الآباء والأمهات، الذين لا يدركون أن لهم دورًا رئيسيًا فيه بتقصيرهم فى التربية وتركيزهم فقط على تلبية الاحتياجات المادية.
كما يمكن للمرأة التى تشعر بالملل المشاركة فى أنشطة الجمعيات الخيرية وهى كثيرة ولا تحتاج إلى المال، ولكن مجرد زيارة أو كلمة طيبة لطفل أو شخص مسن. يمكنها أيضًا الاستفادة من موهبتها فى عمل أنشطة خاصة لها تدر عليها ربحًا. لكن العمل اليومى الثابت - الذى لا حاجة لها فيه، وأكرر لا حاجة لها فيه لانتفاء حالة الضرورة التى ذكرتها - يفضل أن تتركه للرجال الذين لا يجدون عملًا فلا يستطيعون الزواج ولا الانفاق على أسرهم.
قد تجادلنى بعضهن فى أمر الزوجة التى تترك العمل وتتفرغ لمنزلها، ثم يحدث الطلاق ولا تجد دخلًا لمعيشتها، صحيح. لكن هذه حالات استثنائية، فالطلاق ليس النهاية المنطقية لكل زواج. أعتقد أنه إذا استقر الوضع فى المجتمع فى لحظة زمنية معينة على قصر عمل المرأة على الحالات التى أشرت إليها فقط، لا جدال عندئذ فى ضرورة وضع نظام لتوفير عمل للمطلقات اللواتى ليس لهن دخل، أو توفير معاش لهن.
على فكرة، حديثى عن العمل هو من باب إنصاف المرأة. فى رأيى أنه ليس من المنصف للمرأة أن تتحمل مسئولية العمل فى خارج المنزل وفى داخله أيضًا.
اعتاد الرجل أن تكون الأعمال المنزلية مسئولية المرأة، لكن إذا خرجت المرأة للعمل صباحًا مع الرجل، وعادا إلى المنزل فى نفس الوقت، فليس منطقيًا أن يجلس الرجل لمشاهدة التليفزيون وتنطلق هى لتطبخ وتغسل وتنظف وتربى... إلخ، وكل دور الرجل هو التململ منها عندما تطالبه برفع قدميه عن الأرض لتنظفها.
وحتى إذا لم تضطر المرأة إلى الخروج للعمل، وجب على الزوج إنصافها بالمساعدة فى شئون المنزل قدر استطاعته، لأنك لو قارنت عملك الشاق خارج المنزل بعمل زوجتك فى داخله لأشفقت عليها، إذا كنت تخرج لتحصل على ما يؤمن أسرتك الموجودة فى المنزل، فاعلم أن مسئولية زوجتك هى تأمين الأسرة من الداخل والخارج، أنت مسئوليتها.. خروجك إلى عملك صافى الذهن هادئ البال مطمئن على أسرتك مسئوليتها، تربية الأولاد مسئوليتها. فلا تلقى عليها بكل شيء. لا تلومها بأن تربيتها لأولادها سيئة، أين كنت وهى تربى؟ لماذا لم تراقب وتلاحظ وتشارك؟ لا تقسو عليها إذا أخطأت فى اتخاذ قرار يتعلق بالأسرة.. أين كنت وهى تفكر وتدبر وتنفذ؟ أم أنك عودتها على عدم وجودك ومشاركتك لها؟