النّاسُ كالأشجار هَذي يُجتَنى
منها الثِّمَارُ وذي وَقودُ النّارِ
«أسامة بن منقذ»
سبتمبر هو شهر عيد الفلاح؛ حيث صدرت قوانين الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 1952 أي بعد شهرين فقط من قيام ثورة يوليو المجيدة، هذه القوانين التى أعادت رسم خريطة الملكية الزراعية بإعادة توزيع الأراضي التى تمت مصادرتها ومنذ هذا التاريخ وتحتفل مصر والقطاع الزراعى بعيد الفلاح.
ونستطيع التأكيد أن الفلاح فى مصر أحد أهم ركائز الدولة، وعلى مدى كل العصور كان الفلاح والزراعة الترسين الوحيدين اللذين لم يتوقفا يوما عن الإنتاج أو العمل، بل وفى أحلك السنوات بعد 2011 عندما بدأت المظاهرات الفئوية تضرب جنبات مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها ظل الفلاح مرابطًا في أرضه لم يقم بمظاهرة رغم ما يعانية وقتها من ازمات فى تسويق المحاصيل او توفير التقاوى والأسمدة والمبيدات وغيرها..
وكان استجابة الدولة المصرية بقيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي طبيعية بأكبر مشروع تنموى للفلاح وهو مشروع حياة كريمة والذى امتد ليشمل كافة جوانب حياة الفلاح من تعليم وصحة وخدمات ومياه نظيفة وصرف صحى وتنمية اجتماعية وثقافية فى جميع القرى المصرية وتوابعها والكفور والنجوع فى المناطق النائية..
فإذا كانت قوانين الإصلاح الزراعى بمثابة أول محاولة لتحقيق العدالة فى ملكية الأراضى الزراعية فإن مشروع حياة كريمة هو بحق الانطلاقة الثانية لحلم اكبر وهو تحقيق الحياة الكريمة لكافة الفلاحين فى كل قرى مصر..
ومن حلم حياة كريمة الذى أصبح واقعا اليوم إلى حلم آخر طالما عشنا عليه، وهو حلم تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وهو أيضا ليس مستحيلًا.. ولكن!!
نعم حلم بالاكتفاء الذاتى ليس بمستحيل ولكنه من الممكن أن يتحول هذا الحلم إلى كابوس مزعج فلنتخيل مثلا أن كامل المساحة الصالحة للزراعة قررنا زراعتها قمحاً.. فسنحقق الاكتفاء الذاتى من القمح نعم ولكن فى المقابل سنحقق عجزا رهيبا فى مختلف الاحتياجات الأخرى من خضر وفواكه وبقوليات بل وعلف حيوانى فيؤثر ذلك على إنتاجنا من اللحوم والألبان، فمن السهل ان تحقق حلم الاكتفاء الذاتى من القمح ولكن سوف نستيقظ على كابوس مرعب من الاحتياجات التى يجب تلبيتها، ولن تجد مخرجًا لهذا الكابوس إلا باستيراد هذه السلع من الخارج فتقع تحت ضغط توفير احتياجات البلاد من العملة الصعبة، وندخل فى دائرة جهنمية لا فرار منها وكانت بداياتها من حلم جميل وهو تحقيق الاكتفاء الذاتى..
من هذه النظرة المبسطة قد ننطلق إلى سؤال يجيب عن نفسه: أيهما أهم تحقيق الاكتفاء الذاتى؟ أم تحقيق الأمن الغذائى؟ والفارق كبير..
وهذا الحديث جاء بعد أن شاهدنا المشروعات العملاقة لاستصلاح الأراضى التى تقوم بها الدولة المصرية سواء مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة إحياء مشروع توشكى فضلا عن مشروع المليون ونصف المليون فدان ليصبح إجمالى المستهدف استصلاحه ضمن إطار الإنتاج الزراعى ما يقارب الـ4 ملايين فدان.. وهو مجهود عملاق يمثل إضافة غير مسبوقة تاريخيا على مستوى المساحات المستصلحة التى قامت بها مصر وهذا المجهود يحسب للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذى يقود فعلا هذا الأمر ويتابع بصورة منتظمة ويومية هذه المشروعات، ولمسنا خلال افتتاح موسم الحصاد بمشروع مستقبل مصر كيف أن السيد الرئيس يحفظ عن ظهر قلب كافة مدخلات المشروع من ترع ومحطات رفع ومساحات منزرعة ومحطات توليد كهرباء.. وعلى دراية دقيقة ومتابعة لحظية بأى عقبة تواجه هذا المشروع العملاق الذى يمثل فى الحجم إضافة 4 محافظات أو لنقل 4 دول جديدة متوسطة الحجم فى المساحة وفى ضخامة المشروع وضخامة إنتاجه...
ولهذا قد يسأل سائل: لماذا إذن لا نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح على سبيل المثال؟ وهذا يقودنا إلى مفهوم الاكتفاء الذاتى من السلع والمحاصيل «الغذاء» أو مفهوم الأمن الغذائى..
وهناك فارق بالفعل بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتى ولنعُد إلى تقرير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة مثل الفاو.. والتى قالت: «يعنى مفهوم الأمن الغذائي توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة». وهذا التعريف يختلف عن تحقيق الاكتفاء الذاتى باعتماد الدولة على مواردها وإمكانياتها فى إنتاج كامل احتياجاتها الغذائية محليا..
وبالقطع لا توجد دولة استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتى من كامل احتياجاتها من الغذاء.. وذلك لأسباب عديدة على قمتها اختلاف المناخ من دولة لأخرى فيجعل المحاصيل التى تنجح وتجود فى دولة لا تنجح ولا تجود بنفس الدرجة فى دولة أخرى إلى جانب قابلية الأراضى للزراعة وتوافر المياه الصالحة..
فالزراعة ببساطة: تقاوى، أرض، ماء، هواء.... واليوم تطورت الزراعة مع التطور التكنولوجى فى كل مدخلاتها فتطورت أساليب الزراعة واقتصاداتها فى مختلف مدخلاتها..
والقطاع الزراعى فى مصر يسهم بنحو 11 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى و22 ٪ من إجمالى قيمة الصادرات السلعية ويستوعب 27 ٪ من إجمالى عدد السكان.
ووفق بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح بلغت 41.4 ٪ عام 2020 ومتوسط نصيب الفرد 156.1 كجم مقابل 153.3 كجم عام 2019 بزيادة بلغت نسبتها 1.8 ٪، يليها نسبة الاكتفاء الذاتى من الأرز وبلغت 98.3 ٪ عام 2020 ومتوسط نصيب الفرد 29.6 كجم مقابل 26.7 كجم عام 2019 بزيادة بلغت نسبتها 10.9 ٪.
أما بالنسبة للخضراوات فقد بلغـت نسبة الاكتفاء الذاتى منها 103.7 ٪ عام 2020، ومتوسـط نصيب الفرد 73.6 كجم مقابل 77.5 كجم عام 2019 بانخفاض بلغت نسبته 5 ٪، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتى من الفاكهة 100.6 ٪ عام 2020 ومتـوسـط نصيب الفرد 58.5 كجم مقابل 62.9 كجم عام 2019 بانخفاض بلغت نسبته 7 ٪، كما سجلت نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء 53.8 ٪ عام 2020 ومتوسـط نصيب الفرد 7.3 كجم مقابل 7.2 كجم عام 2019 بزيادة بلغت نسبتها 1.4 ٪، وأخيرًا بلغت نسبة الاكتفاء الذاتى من لحوم الدواجن والطـيور 98.1 ٪ عام 2020 ومتوسط نصيب الفرد 15.4 كجم مقابل 13.7 كجـم عام 2019 بزيادة بلغـت نسبتها 12.4 ٪ لزيادة الإنتاج بنسبة 15.1 ٪.
وما بين ارتفاع نسب الاكتفاء الذاتى وانخفاضها، يظل السؤال: هل الأمن الغذائي فى مصر متحقق؟ الإجابة بكل تأكيد: نعم. فرغم الأزمات العالمية والإقليمية المتتالية لم يشعر المواطن المصري فى أى وقت من الأوقات بنقص سلعة من السلع الإستراتيجية..
وهذا يقودنا إلى الإجابة عن سؤال هل المقدّم الأمن الغذائي أم الاكتفاء الذاتى؟ وبالطبع هى تحقيق الأمن الغذائي. وذلك يتحقق بالاستغلال الأمثل لكافة مواردنا المحلية والاستخدام الأمثل هنا يعنى أيضا الاستخدام الاقتصادى، خاصة في ظلل محدودية الأراضى القابلة للزراعة ومحدودية مواردنا المائية.
ولهذا كل شبر يتم استصلاحه وكل نقطة مياه يتم توفيرها يجب أن يكون استخدامها استخداما اقتصاديا يحقق الأمن الغذائي للمواطنين، سواء بزراعة المحاصيل الإستراتيجية أو زراعة المحاصيل للتصدير لتحقيق عائد مالى تستطيع من خلاله الدولة توفير كافة احتياجات المواطنين المتزايدة بفعل الزيادة السكانية...
كل عام والفلاح وشعب مصر بخير