تبدو الظروف كلها في المنطقة مشتعلة بما يكفي، ولا أحد يرغب في اندلاع حريق آخر. وتبذل الأطراف كلها، فيما عدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جهودًا هائلة لتبريد الموقف، وإدارة الأزمات لا حلها. وتبدو هناك قناعة غير معلنة بأن من الأفضل احتواء الموقف، وانتظار الرئيس الجديد في البيت الأبيض.
فقد بات واضحًا أن الرئيس المغادر جو بايدن غير قادر، وغير راغب في وقف نتنياهو، أو التصدي له بصورة علنية حاسمة، وفي المقابل تبدو المرشحة الديمقراطية لمنصب الرئيس كاميلا هاريس ضعيفة، وغير حاسمة، ومترددة في إظهار موقف حاسم، ومتمايز في التعامل مع إسرائيل عمومًا، ونتنياهو خصوصًا.
وعلى الضفة الأخرى يقف المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب في موقف أفضل؛ حيث يوجه سهامه باتجاه الجميع، ويزايد على بايدن وكاميلا بأنهما لم يفعلا ما يكفي لحماية إسرائيل.
ويرى الخبراء أن تصعيد الصراع الآن غير مربح بالنسبة لكافة الأطراف في الدولة الأمريكية العميقة؛ فالانتخابات على الأبواب، ولا ينبغي السماح لترامب، بتحميل الديمقراطيين مسئولية السماح لإيران بتوجيه ضربة إلى إسرائيل حليفهم الرئيس في المنطقة.
ومن ناحية أخرى تبدو القيادة السياسية في إيران واقعة بين المطرقة والسندان. فمن ناحية، هناك حقائق جيوسياسية موضوعية لا يمكن تجاهلها؛ وهذه الحقائق تقيد رغبة طهران في المضي في الدخول في مواجهة مفتوحة، والتي من المحتم أن تفجر المنطقة، وتجر كافة الأطراف لحرب لا تريدها، وليست مستعدة لها، ولا يمكن تحمل عواقبها، والأخطر أن الولايات المتحدة لا تخفي عزمها الأكيد على الدخول في هذه الحرب دفاعًا عن إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن للقيادة الإيرانية التنازل عن الانتقام لمقتل إسماعيل هنية في طهران في يوليو الماضي. ولقد فجرت هذه الحادثة العلاقات المتوترة بالفعل بين إيران وإسرائيل؛ خاصة عندما تبدأ أسئلة غير مريحة تُطرح داخل البلاد، وخارجها من عينة: متى يأتي الرد، وحجمه، وفعاليته؟ ولماذا تأخر؟ وأين ذهبت اللغة المتحدية في مواجهة إسرائيل؟!
وفي المقابل تقول مصادر إيرانية مطلعة إنه رغم كل ما سبق، يدرك قادة إيران أن العدو مسلح بشكل خطير، وأن الإيرانيين لن يفلتوا بسهولة في حالة الحرب، ويجادل الخبراء الإيرانيون بتأكيدهم أن المسألة تتمحور حول شيء آخر: ما مكسب البلاد من ذلك؟
ومن الواضح، وفقًا لرؤية الخبراء، أن إيران الآن ليست في مزاج للقتال؛ ويذهب العديد من الكتاب الإيرانيين إلى أنها بحاجة إلى تحسين الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية داخل البلاد؛ ومواصلة عملية إعادة التسلح؛ وتوسيع العلاقات مع جيرانها في المنطقة؛ من خلال الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس.
ويبدو أن طهران من خلال هذه السياسة سوف تضعف جهود الغرب لعزلها، ويصبح ذلك كله، مُجتمعًا، مصدر إزعاج كبيرًا لإسرائيل.
ويبقى أن إسرائيل تحاول جر إيران إلى الحرب، وإذا تفجرت الأحداث، فإن نتنياهو سيحقق هدفه، وهو توحيد المجتمع من حوله، وبالتالي تعزيز موقعه، وفي الوقت نفسه توريط الأمريكيين في الصراع، وهو الأمر الذي يسبب صداعًا جديًا لجميع دول المنطقة ولإدارة بايدن.
وإزاء كل ذلك يبدو أن الغالبية العظمى من الأطراف المتورطة في أزمات المنطقة؛ سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ترغب في احتواء الموقف، وانتظار الرئيس المقبل في البيت الأبيض.