يوما بعد يوم، نقترب رويدا رويدا من موعد الانتخابات الأمريكية الرئاسية فى نوفمبر المقبل، التى من المنتظر أن تشهد تنافسا قويا ومحتدما بين المرشح الرئاسى الجمهورى الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الرئاسية الديمقراطية نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس.
موضوعات مقترحة
وخلال الأسبوع الماضي، حصلت هاريس رسميا على ترشيح الحزب الديمقراطى لها لتخوض المعترك الرئاسي، الذى أتوقع ـ شخصيا ـ أن يكون هو الأصعب فى تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بسبب ما يحيط بالدولة الأمريكية والمواطنين الأمريكيين من تعثرات اقتصادية ومجتمعية، أثرت بشكل سلبى على حياة عشرات الملايين، بسبب سوء إدارة الرئيس الحالى جو بايدن لمعظم الملفات الخارجية والداخلية، التى وعدت أن يتعامل معها بشكل أفضل ممن نشاهده حاليا.
كثير من الأمريكيين اليوم يتساءلون: هل ستنتهج كامالا هاريس نفس نهج الرئيس بايدن فى التعامل مع الملفات تلك خصوصا الداخلية؟ هذا السؤال يشكل عبئا كبيرا على المواطنين الذين لم يحسموا بعد أصواتهم.
وإذا ما اختصرنا أهم الملفات الحاسمة، لدى كل من دونالد ترامب وكامالا هاريس، سنجد أن لكل مرشح ملفين رئيسيين، يشكلان حجر الأساس فى الدعاية الانتخابية الرئاسية، ولا يمر أى تجمع انتخابى لأى منهما إلا ويتم الحديث فيهما وعنهما.
بالنسبة لترامب الملف الأكثر أهمية والأخطر، الذى يشكل نقطة قوية فى ملفه الانتخابى هو التضخم، فالحالة الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المواطنون الأمريكيون بسبب التضخم المتزايد وغير المسيطر عليه، أصبحت مشكلة كبيرة، أثرت على عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين. فبعد أن كانت مثلا قيمة جالون البنزين دولارين، أصبحت اليوم أربعة دولارات، بل ربما تصل إلى ستة دولارات فى بعض الولايات. وبعد أن كان جالون الحليب بدولارين أصبح هو الآخر بأربعة دولارات. وقس على ذلك كل السلع التى تباع فى الأسواق فى كل الولايات. وبالتالى أصبحت ظروف المعيشة صعبة، واضطر المواطن الأمريكى أن يعمل فى وظيفتين، بل وفى كثير من الأحيان فى ثلاث وظائف حتى يستطيع أن يدفع التزاماته الشهرية.
وعود ترامب للقضاء على التضخم، يراها كثيرون أنها من الممكن أن تؤتى أكلها، إذا ما استطاع الرجل أن يطبقها على أرض الواقع. وهناك ثقة كبيرة فى ترامب فى هذا المجال لأن المواطنين الأمريكيين، قد اختبروه قبل ذلك كرئيس للبلاد، وأبلى بلاء حسنا فى الملفات الاقتصادية. ومن أهم الخطوات التى سيتخذها ترامب فى هذا المجال، هى أنه سيسعى لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية التى أثرت بالسلب كثيرا على دافع الضرائب الأمريكيين بسبب الدعم اللا متناهى، الذى تقدمه إدارة بايدن لأوكرانيا. كما أنه سيسعى لخفض الدين الداخلى الذى وصل إلى ما يقرب من 35 تريليون دولار. بالإضافة إلى خطوات أخرى مع المنافسين التجاريين للولايات المتحدة، مثل الصين والتى من شأنها أن تعيد للمصنع الأمريكى مكانته، وتحافظ على حقوقه وسط الأمواج الاقتصادية العالمية المتلاطمة.
أما الملف الثانى الذى لا يقل أهمية هو ملف الهجرة غير الشرعية، الذى أثر بالسلب كثيرا على الولايات المتحدة خلال سنوات حكم جو بايدن، حيث دخل البلاد ما يقرب من 9 ملايين إلى 12 مليون مهاجر غير شرعي. هذه الأعداد غير المعقولة تمتص يوميا قدرات المجتمع الأمريكى فى الحفاظ على بيئة آمنة وصحية واقتصادية عالية الجودة، كما تعود دائما المواطنون. كما أن هؤلاء المهاجرين تكون بينهم نسبة كبيرة من تجار المخدرات، وتجار البشر ومرتكبو الجرائم.
وهذا الملف تحديدا تشرف عليه المرشحة الرئاسة الحالية، نائبة الرئيس، كامالا هاريس الذى لم تحقق فيه أى تقدم يذكر. بل ساعدت على أن يشكل عبئا كبيرا على الدولة. بل إنها ترفض إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم الأصلية. أما فيما يتعلق بهاريس، فإن الملفين الأكثر قوة فى حملتها الانتخابية، هما ملفا الصحة وخفض الضرائب.
تسعى هاريس دائما أن تقدم نفسها على أنها تحمى حقوق المرأة، خصوصا حقها فى الإجهاض وقتما أرادت وأينما أرادت دون أى رقيب من الدولة أو القانون، وهذه نقطة قوة فى ملفها الانتخابى تجذب من خلالها ملايين النساء فى الولايات المتحدة. كما أنها تسعى أيضا من خلال الملف الصحى أن تقوم بإصلاحات، من شأنها أن تخفف من أعباء التأمين الصحى على الأسر الأمريكية، الذى أصبحت أسعاره تفوق الخيال وخدماته أقل من المتوقع. كما أنها ستحاول استكمال ما بدأه بايدن من تقليل لأسعار الأدوية المهمة بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.
أما الملف الثانى وهو ملف خفض الضرائب، حيث ستسعى لتخفيف الأعباء الضريبية كما وعدت المواطنين الأمريكيين خلال سنوات حكمها إذا ما فازت برئاسة الولايات المتحدة. طبعا هذا الوعد عادة يكون صعب التحقق ومحفوفا بكثير من المخاطر الاقتصادية، خصوصا فى ظل اقتصاد يعانى من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. لكن فى نفس الوقت، كى تحقق هذا الأمر بشكل واقعى، فإن عليها أولا أن تسعى لوقف نزيف الأموال الأمريكية إلى الخارج فى صورة الدعم العسكرى الذى يقدم مثلا إلى أوكرانيا بعشرات المليارات من الدولارات، وأن يتم ضخ هذه الأموال فى الداخل الأمريكى كى يتحسن الأداء الاقتصادي، ومن ثم يمكن تقديم إعفاءات ضريبية أكثر للمواطنين الأمريكيين. كذلك تحدثت هاريس عن تقديم مساعدات مالية لمشتريى المنازل للمرة الأولى، تقدم بشكل فورى عند شراء المنزل بقيمة 25 ألف دولار لا ترد.
طبعا هناك ملفات أخرى كثيرة مهمة أيضا لدى كل من ترامب وهاريس، التى ستشكل هى الأخرى مزاج الناخب الأمريكى وتحدد بوصلته فى التصويت. لكن الملفات الأربعة التى ذكرناها آنفا هى الملفات الأكثر توهجا فى كلتا الحملتين.
على كل حال، أعتقد بشكل لا ريب، فيه أن هذه الانتخابات ستكون صعبة على كل الأمريكيين، سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين، بسبب حالة الاستقطاب الشديدة التى يشهدها المجتمع الأمريكى على مدار السنوات الخمس الماضية. ونتمنى أن تنتهى هذه الانتخابات على خير، دون أن تجر البلاد إلى مستنقع من الممكن ألا تخرج منه لفترة طويلة.