يئن تحت وطأة ارتفاع أعباء تكاليف الزراعة وتوحش أسعار السماد وتغول تجار الجملة والوسطاء والقفزات المتتالية لأسعار التقاوي.. إنه الفلاح المصري الذي تحولت العلاقة بينه وبين بنك التنمية والائتمان الزراعي إلى "حسبة برما".
موضوعات مقترحة
فالأخير تجاوزت خسائره 3 أضعاف رأسماله، مما يجعله متجاوزًا مرحلة الإفلاس بعشرات الخطوات للخلف، أما الحكومات فوقفت حائرة بين الطرفين، فتارة تسقط دين الفلاح ليتحمل البنك الثمن، وتارة أخرى تجور على المزارع لصالح "التنمية والائتمان"، حفاظًا على آخر قشة يتعلق بها المصرف العريق قبل الغرق.
الدكتور أيمن فريد أبو حديد وزير الزراعة، يعاني من تلك الازدواجية أيضًا فرغم تأييده قرار إسقاط تلك المديونيات في عهد النظام السابق، إلا أنه تراجع عن إلغاء تلك المديونيات مرة أخرى قبل عدة أيام، بعدما بلغت خسائر البنك 4 مليارات جنيه، بينما لا يتعدى رأسماله 1.8 مليارًا، في خطوة أثارت الكثير من الانتقادات.
وفي خلال 10 سنوات فقط، تحمل "التنمية والائتمان" نحو 2 مليار جنيه في مبادرات للحكومات المتتالية ولم يحصل منها، إلا على مبالغ ضئيلة لا تسد "رمق" ميزانيته المتآكلة على مدار السنوات الأخيرة، وطالما ما يتم الزج به كوسيلة للدعاية الانتخابية من قبل مرشحي الرئاسة الذين أعلن أحدهما مؤخرًا، أنه سيسقط جميع المديونيات المتأخرة على البنك، ولم يشر من قريب أو بعيد لكيفية تعويض "التنمية الائتمان الزراعي عنها".
وفي آخر بيانات رسمية متاحة (العام الماضي)، تقدر ديون نحو 60 ألف فلاح متعثر للبنك بحوالي مليار و520 مليون جنيه "ديون استثمارية" و400 مليون جنيه "ديون زراعية"، بينما وصلت خسائره الإجمالية وفقا للأرقام المتاحة 4 مليارات جنيه.
ويرجع تاريخ البنك إلى نحو 84 عامًا مضت إذ تم إنشاؤه بموجب المرسوم بقانون رقم 50 لسنة 1930 برأسمال مليون جنيه، بجانب المرسوم الملكي "بنك التسليف الزراعي المصري عام 1931" إبان الأزمة الاقتصادية العالمية ليقدم قروضًا للمزارعين المصريين ليحميهم من البنوك العقارية الأجنبية والمرابين، وتم تعديل اسمه بموجب القانون رقم 117 لسنة 1976 إلى "بنك التنمية والائتمان الزراعي".
ويمتلك البنك 1210 فروع وبنك قرية تغطى جميع أنحاء الجمهورية ويعتبر الأكبر في الشرق الأوسط، بالإضافة لامتلاكه لأكثر من 4.4 مليون متر مربع سعات تخزينية مخصص منها مساحة 2 مليون متر مربع لاستلام الأقماح المحلية من المزارعين كذلك يبلغ عدد الشون 392 شونة لديه منتشرة بأنحاء الجمهورية.
في المقابل، يعاني الفلاحون في الريف المصري حاليًا الأمرين، فأهمية حرفة الزراعة تتراجع باستمرار، فبعد اسبتعاد تكاليف التقاوي والري والأسمدة والحرث والحصاد، يكاد عائد المحصول لايذكر، مما اضطر الفلاح إلى هجر أرضه واللجوء إلى مهن أخرى، كقيادة التوك توك التي انتشرت بصورة سرطانية في القرى وبات محركها أعلى من صوت جرارات الحرث، والإمساك بذراع قيادتها بديلاً مريحًا ليد الفأس التي تشق الأرض دون مقابل.
ويُعد الرئيس المخلوع حسني مبارك أكثر الرؤساء الذين أسقطوا مديونيات للفلاحين للبنك الزراعي، حيث تصل لما يناهز الملياري جنيه بينها 600 مليونًا لم تصدر بقانون، ولم تقم المالية بسداد النصيب الأكبر منها حتى الآن، بينما أسقط الرئيس المعزول محمد مرسي العام الماضي مديونيات بحوالي 212 مليون جنيه نصفها تحمله البنك، لتبلغ المديونيات المتراكمة لدى الحكومة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن، نحو مليارى جنيه، تتعلق بفارق بيع أسمدة وسداد مديونيات متعثرة للمزارعين المتعثرين عن السداد.
ويقول محمد العقاري نقيب الفلاحين:إن النقابة تقوم حالًيا بدراسة الملفات والمقترحات التي ستناقش وزارة الزراعة بشأنها فيما يتعلق بديون الفلاحين المتعثرين، مشيرًا إلى أنه لن توجد أي ملاحقات أمنية، لمن صدرت ضدهم أحكام قضائية تتعلق بتعثرهم عن السداد وذلك حتى نهاية عام 2014 الحالي.
وأضاف أن الخطة تتضمن وضع شرائح لإسقاط مديونيات للفلاحين وفقًا لما يملكونه من أراضٍ زراعية، بجانب البحث عن كيفية سداد المتعثرين عن طريق الجميعات الأهلية أو المجتمع المدني وإسقاط الشرائح القليلة التي لا يمكنها السداد، بجانب وضع جدولة ومنية للسداد بالنسبة للقادرين على السداد، مشيرًا إلى أن هناك إشكالية بالنسبة لبعض الفلاحين القادرين على السداد، والذين يدعون التعثر للدخول، ضمن شرائح من ستسقط عنهم الديون والذي تعمل النقابة على حلها.
في المقابل، يقول مسئول ببنك التنمية والائتمان الزراعي: إن البنك يعاني من المبادرات الحكومية الخاصة بإسقط ديون الفلاحين حتى تصاعدت خساره من 1.8 مليار إلى 4 مليارات في غضون عدة سنوات، مشيرًا إلى أنه يدفع ثمن المزايدات السياسية ورغبات الأنظمة في الظهور بمظهر المدافع عن الفلاح إلا انها لا تعمل لصالحه.
ويرى أن الحل يكمن في توحيد جهات الإشراف على البنك في جهة واحدة تتمثل في البنك المركزي المصري، وبحص جدوى الخدمات المصرفية التي يقدمها حاليًا، والتي تم التوسع فيها بشكل مبالغ فيه لتبعد عن دوره الحقيقي حيث يدخل حاليًا في مجالات أنشطة التمويل المصرفي الإسلامية وقروض السيارات.
في ذات السياق، وضع الدكتور أيمن حسين، المتخصص في مجال السياسات النقدية، ورقة عمل حول هيكلة البنك، وتم تقديمها إلى المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، تقدم حلولاً جوهرية لمشكلات البنك والفلاحين في ذات الوقت، وتتعلق بتحويله إلى شركة مساهمة مصرية مصرية يكون فيها المزارعون هم حملة الأسهم ويمثلون في أعضاء مجلس الإدارة مما يمكنهم من الدفاع عن مصالحهم وفي الوقت نفسه كيان البنك الذين يحملون أسهمه.
وشدد حسين على ضرورة خروج البنك من تبعية وزارة الزراعة، مشيرًا إلى أن خسائره تجاوزت 4 مليارات جنيه، وفي عرف الاقتصاد تكون المؤسسة التي تحقق خسائر لمدة 3 سنوات متتالية تحتاج إلى هيكلة كلية، وتغيير الإطار القانوني للمؤسسة ونشاطها وهيكلها التنظيمي إن أمكن، موضحًا أن أي مبادرات يجب أن تضمن أموال المودعين خاصة في كيان مثل التنمية والائتمان الزراعي الذي يعتبر أكبر بنك في الشرق الأوسط.
عادل وليم، المدير التنفيذي لمركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان المعني بحقوق الفلاحين، يقول إنه لك يتم إسقاط مليم واحد من ديون الفلاحين وأن كل ما تم الإعلان عنه في عهد مبارك ومرسي كان مجرد تصريحات إعلامية هدفها كسب ود الرأي العام.
وقال: إن المشكلة إن الفائدة التي يضعها بنك التنمية والائتمان الزراعي مركبة وليست متناقصة وبالتالي تصل في إجماليتها لـ13 و15%، إذ يستمر البنك في حساب الفائدة على المبلغ الأصلي وليس المبلغ الذي يتبقى مع دفع قيمة كل قسطـ، موضحًا أن الحل يمكن في جدولة الديون وإسقاط الفائدة حتى يحافظ البنك على على رأسماله وفي ذات الوقت على حقوق الفلاح.
وقال إن تكلفة عوامل الإنتاج تتزايد من مبيدات أسمدة والبذور والري والعمالة الزراعية ولو حسبنا قوة عمل الفلاح في الأرض التي تصل لـ 200 يوم سنويا سنجده يخسر سنويًا حوالي 4 آلاف جنيه في الفدان الواحد، مشددًا على أن الحكومة لا تهتم بتسويق المنتج الزراعي الذي يروح مكسبه لصالح التاجر.