حافظت قرية «قراقص» بمحافظة البحيرة على إرث للمصري القديم، فاكتسب أهلها بموجب ذلك الإرث العتيق حرفية في صناعة الفخار، ساعدتهم على أن تغزو منتجات القرية أسواقًا داخل مصر وخارجها؛ بعد أن جذبت ألوانها كل من اقتناها.
موضوعات مقترحة
بمجرد أن تطأ قدماك مدخل قرية «قراقص» التابعة لمركز دمنهور، ستشاهد على جانبي الطريق متحفا مفتوحا لبيع التحف الفخارية الفنية التي أبدع في تصميمها أسر القرية، التي يمكن وصفها بأنها خلية نحل من العمال والحرفيين المهرة الذين تفاوتت أعمارهم بين شيوخ وشباب وحتى أطفال.
فخار قراقص
تطوير صناعة الفخار يبدأ من الشباب
حرفة صناعة الفخار قديمة، ويعتمد إنتاجها على أدوات بدائية بسيطة، إلا أن شباب «قراقص» استطاعوا إدخال تطوير على مهنة الآباء القدماء؛ فصاروا يصنعون أشكالا جديدة تلائم ذوق جيل الشباب، فصار المقبلين على الزواج يزينون بها أدوات الطبخ سواء في المدن أو القرى.
صناعة الفخار.. حرفة تتوارثها الأجيال
«صناعة الفخار مهنة جدودي نتوارثها جيل بعد جيل»، بفخر يتحدث علي رأفت –صاحب ورشة لصناعة الفخار- إلى «بوابة الأهرام»، مؤكدا أن حرفة صناعة الفخار يعمل بها جميع الأعمار.
فخار قراقص
ويشير إلى أنه عمل في هذه الحرفة مع والده ومع جده، لافتا إلى أن قرية «قراقص» تشتهر بصناعة الفخار منذ عشرات السنيين.
يوجد في قرية «قراقص» 10 «فواخير» (مكان تسوية وإنتاج الفخار)، ويعمل بها العديد من الأسر من جميع الأعمار –والحديث لا يزال لـ علي رأفت- موضحا أن أغلب الذين يعملون في صناعة الفخار يعشقون الحرفة بشدة رغم قسوتها وشقائها، نظرا لأنها حرفة تخرج الطاقة الفنية الكامنة داخل الحرفيين للتعبير عن إبداعهم الحقيقي.
رحلة صناعة الفخار في «قراقص»
يحكي رأفت جمال، أحد صناع الفخار في «قراقص» عن رحلة صناعة الفخار؛ لافتا إلى أنها تمر بعدة مراحل قبل تشكيله؛ حيث يبدأ الصانع في أولى مراحل التصنيع بتجهيز المادة الخام الأساسية (الطين أو الطمي)؛ ثم يضاف الماء إلى المادة الخام بنسبة 30% من حجم الطمي.
فخار قراقص
يبدأ بعد إضافة المكونات مرحلة العجن بشكل جيد، حتى الوصول إلى قوام الطين المناسب للتشكيل؛ حيث يأخذ الحرفي كمية مناسبة من الطين ليضعها على «الرحى» الخاصة بصناعة الفخار.
في دوائر تتحرك «رحى» التشكيل؛ ومع دوران الرحى يبدأ العامل في تشكيل الطين وتحديد التجويف يدويًا أثناء دوران الطين، إلى أن يصل العامل بالتجويف إلى الحجم والارتفاع المناسبين.
فخار قراقص
زخرفة الفخار
ويتابع رأفت جمال بعد الانتهاء من مرحلة التشكيل تبدأ مرحلة الزخرفة، لمواكبة أذواق بعض الزبائن الذين يفضلون الفخار ملونا، ويلي ذلك مرحلة «الحرق»، وهي المرحلة التي يتم فيها تعريض الفخار لدرجات حرارة عالية جدًا، وهي التي يكتسب فيهال الفخار صلابته، وتبرز على جدرانه الرسومات والألوان.
أفران حرق الفخار
وتجري مرحلة الحرق إما داخل أفران بدائية، توقد بالخشب أو الفحم، أو داخل أفران كهربائية تم استحداثها مؤخرا للحفاظ على البيئة.
وبعد الانتهاء من مرحلة الحرق يتم إخراج الفخار؛ لوضعه في الشمس والهواء الطلق، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي التلوين، ويتم تلوين الفخار بعدة ألوان يختارها الصانع ليضفي جمالًا على المنتج.
فخار قراقص
«فخار قراقص» يغزو دول العالم
«منتجات القرية من الفخار يتم تصديرها لدول عربية وأوربية كثيرة» يؤكد أحمد عبدالفتاح -أحد تجار الفخار لـ«بوابة الأهرام»، لافتا أن منتجات القرية تتنوع بشكل كبير بين أدوات المائدة «صوانى - حلل – طواجن» بالإضافة إلى «الأكواب - أطباق الفاكهة - أبريق الشاي».
ويوضح تاجر الفخار، أن هذه المنتجات يقبل على شرائها جميع الطبقات من المواطنين، ويزداد الإقبال عليها قبل شهر رمضان.
فخار قراقص
ويقول إن القرية تنتج أيضا التحف ووحدات الإضاءة من الأباليك والأباجورات والنافورات والديكورات والبراويز والتابلوهات الحجرية ذات الإضاءة الذاتية، التي تضيء دون شحن أو كهرباء، وأيضا «إصيص» الزرع.
صناعة الفخار الأقدم في تاريخ البشرية
من جهتها أكدت الدكتورة حنان الشافعي، أستاذ الآثار وعميد كلية الآداب السابق بجامعة دمنهور، أن صناعة الفخار تعد من أقدم الصناعات التي عرفتها البشرية.
وأوضحت أستاذ الآثار لـ«بوابة الأهرام» أن صناعة الفخار في مصر مرت بعدد من المراحل؛ بدايةً من عصر القدماء المصريين، مروراً بالعصور القبطية والرومانية وحتى العصر الإسلامي، لافتة إلى أن جميع تلك العصور تركت أثرها على شكل الفخار المصنوع وأشكاله المختلفة، وهذه النماذج معروضة في العديد من المتاحف المصرية.
فخار قراقص
تطور صناعة الفخار
وأضافت «الشافعي» أن الفخار استخدمه القدماء المصريين وابتكروا منه أدواتهم، فصنعوا منه أواني الطعام والأكواب التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية، كما صنعوا منها «المسارج» التي استخدمها القدماء في الإضاءة، وهي عبارة عن صحن مملوء بالزيت والملح يطفو فوقه الفتيل.
وأوضحت استخدام الفخار في الطقوس الدينية وفي المتاع الجنائزي، واستطاع المصري القديم أن ينوع في أشكال الفخار ومكوناته وزخارفه المختلفة، والتي أخذت تتطور مع تطور الحضارة المصرية القديمة على مر العصور المصرية القديمة، بزخارف هندسية وآدمية وحيوانية ونباتية وبيئية كالنجوم والأنهار والبحيرات؛ حيث قام بتلوينه بألوان مختلفة تضفي عليه لمسة جمالية تعبر عن الذوق الراقي للمصري القديم.