Close ad

بداية رائعة لمشروع هائل

31-8-2024 | 14:14

"بداية".. هو الاسم الرمزي للمشروع القومي للتنمية البشرية.. وأساسه الفكري والفلسفي هو الأساس الذي تقوم عليه كل المشروعات الناجحة: أن البشر هم أساس كل تطور لا الحجر.

هو مشروع رائع ومثير للتفاؤل بلا شك؛ كما أنه من المخرَجات التي اقترحها الحوار الوطني، ثم إنه يتسق مع أهداف برنامج عمل الحكومة الشامل ورؤية 2030. فما هو المشروع؟ وما أهدافه؟ ولماذا هو رائع وطموح ومضمون النجاح فيما أرى؟

تفعيل فلسفة ناجحة
هي فلسفة قديمة تتجدد باستمرار، ويصبح لها شواهد من الواقع تثبت حقيقة أن الاستثمار في العقول والطاقات البشرية هو الاستثمار الحقيقي.

كم رأينا من دول تنهض بمجرد تفعيل الحافزية والحماسة في القلوب والعقول والأبدان، ثم في تدريب كوادر بشرية تصبح بعد حين دعامة لقفزة نوعية في الاقتصاد، رأينا هذا في دول جنوب شرق آسيا، وفي دول إفريقية خرجت من عباءة الضعف والفقر إلى رحاب الكفاية والاستقرار الاقتصادي بفضل حسن استغلال طاقتها البشرية.

إن المشروع القومي الذي تبنته الحكومة من أجل التنمية البشرية بمفهومها الواسع سوف يشمل تعاونًا وتكاملًا بين عدد من الوزارات بطبيعة الحال؛ إذ إنه يستهدف مشاركة فاعلة من عدة قطاعات تنموية وخدمية، كما أنه سوف يستهدف المصريين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية وفئاتهم العمرية، ولو تحققت أهداف هذا المشروع على النحو الأمثل؛ فلسوف تكون مصر على مشارف تطوير إستراتيجي حقيقي يكون من ثماره تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 على أقل تقدير.

وفي حين كانت المشروعات القومية السابقة في العادة تتعلق بوزارة واحدة من الوزارات، فإن هذا المشروع بالذات يمثل صورة من صور التكامل والتواصل بين عدة وزارات معًا، بل وبمشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص. الجميع سوف يوجه جهوده نحو مشروع: "بداية جديدة لبناء الإنسان". وأتمني حقًا أن تتحقق أهدافه التي تطمح لحسن استغلال طاقات الشباب واستثمار إمكانيات الأجيال الجديدة، بل وحتى أولئك الذين تجاوزوا سن المعاش.
 
مشروع شامل
الجميل في هذا المشروع أنه لا مركزي، أي أنه سيغطي جميع محافظات مصر.. لقد أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن الدولة تولي اهتمامًا بالغًا بمحور التنمية البشرية، ولهذا ضم المشروع القومي الخاص بهذا المحور المهم المجموعة الوزارية الخاصة بمحور التنمية البشرية، وعلى رأسهم الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، بخلاف دعم الأزهر والكنيسة ووزارة الأوقاف، وتعزيز دور القطاعين الخاص والمدني. كل هذا سيتم تحت مظلة تشريعية تضمن تطوير القوانين المنظمة لضمان تيسير العمل والإجراءات من خلال وزارتي العدل والشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، بل وتحت مظلة اجتماعية من خلال وزارة التضامن الاجتماعي.

هناك دور كبير لوزارتي الثقافة والتعليم. إذ يشتمل المشروع على برامج الأطفال من سن يوم حتى 6 أعوام، بهدف تنمية مهارات الأطفال وتشجعيهم على الإبداع والاهتمام بصحتهم. وبرامج للفئة العمرية من 6 سنوات حتى 18 عامًا، تتضمن برامج تعليمية وتدريبية لتحسين مهاراتهم وتجهيزهم صحيًا وتعليميًا وثقافيًا وبدنيًا لسوق العمل، بالإضافة لتطوير المناهج التعليمية وتوفير برامج تدريبية متقدمة للمعلمين، وتعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم.

كذلك سوف يتم تعظيم دور بيوت الثقافة والمسرح والسينما وأيضًا التوظيف بخلق فرص عمل جديدة وبرامج لتطوير المهارات، بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وذلك في ظل آليات منسقة ومتكاملة ومتداخلة بين الوزارات والجهات الشريكة.

أكثر من هذا سوف توجد برامج خاصة بكبار السن من الذين تجاوزوا سن المعاش، لدفعهم للمشاركة الاجتماعية الفعالة، وبرامج خاصة بالشباب من خلال وزارة الشباب والرياضة من أجل دعم وتفعيل النشاط الرياضي في مختلف المراحل العمرية.
 
أهداف عظيمة ورؤى طموحة
يأتي هذا المشروع انعكاسًا لرؤية القيادة السياسية نحو بناء مجتمع متقدم ومتكامل، وهو يُعد نتاجًا للعمل الجماعي المشترك من قبل كافة وزارات وجهات الدولة وبمشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل إعداد برنامج عمل مجمع يستهدف تنمية الإنسان المصري والعمل على ترسيخ الهوية المصرية، بحيث يشعر المواطن بالمردود الإيجابي خلال فترة وجيزة.

 حتى اسم المشروع وحده ينم عن أهدافه النبيلة: "بداية جديدة لبناء الإنسان". هكذا سيكون الشغل الشاغل للحكومة، أو بالأخص المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، هو بناء الإنسان المصري بغض النظر عن فئته العمرية أو جنسه أو طبقته الاجتماعية. حتى يمكن استغلال كل نقطة عرق من كل مصري مخلص يسعى للمشاركة في بناء وطنه ولو بأقل مجهود مستطاع.

يأتي على رأس أهداف المشروع القومي للتنمية البشرية تعزيز القدرات والمهارات البشرية وتطوير الخدمات الحكومية في مجالات الصحة والرياضة والتعليم والثقافة. والعمل بشكل يضمن تحقيق التنمية المستدامة في هذه المجالات. وتعزيز دور القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لتقديم الخدمات وتحقيق التكامل في تقديم هذه الخدمات والمبادرات؛ للوصول في النهاية لخلق أجيال صحيحة رياضية تتمتع بالثقافة وتمتاز بالحفاظ على القيم والأخلاق والمبادئ.

توزيع الجهود
الغرض من تعدد الجهات المشاركة في مثل هذا المشروع الضخم هو توزيع الجهود لتأكيد تحقيق الإنجازات المطلوبة بأسرع وقت وبأفضل صورة.. مثلًا سوف تشارك وزارة الصحة بإطلاق عدد من الحملات التوعوية والبرامج الصحية والقوافل الطبية من أجل تحسين الخدمة الصحية وضمان وصولها للجمهور في مختلف المحافظات. في الوقت الذي ستشارك فيه وزارة الثقافة بمبادرات لتطوير المسرح وتوسيع أنشطة قصور الثقافة، وتدريب كوادر جديدة تستوعبها المسارح والسينمات في المجالات المتخصصة والفنية: كمجالات الإخراج والطرب والموسيقى والفن التشكيلي والرقص الإيقاعي والتمثيل والتصوير وغيرها من المجالات المطلوبة في الإنتاج السينمائي والمسرحي. لو حدث هذا فسوف يتم خلق فرص عمل كثيرة في مجالات التدريب المهني والخدمات اللوجستية والمجالات المتخصصة.

وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو أكد أن مشروع "بداية" يعد أحد تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكومة الجديدة متمثلة في المجموعة الوزارية للتنمية البشرية من أجل تحقيق رؤية مصر 2030، ولتحقيق برنامج الحكومة للتنمية المستدامة في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والرياضة وتوفير فرص العمل. وأن يتم كل هذا بطريقة تكاملية بين كافة جهات الدولة والمجتمعَين الأهلي والخاص. والهدف الأساسي هو تحسين جودة حياة المواطنين في جميع محافظات الجمهورية من خلال برامج ومبادرات مستمرة شاملة لكل مناحي الحياة اليومية.

رجاء أخير
لقد سعدت سعادة كبيرة بإعلان مثل هذا المشروع الذي أعرف مدى قدرته، نظريًا على الأقل، لتحقيق نهضة كبيرة في زمن قصير طبقًا للتجارب الإنسانية المثيلة التي طبقتها دول كثيرة في الشرق والغرب. غير أن مكمن الخوف قد ينشأ من حدوث ما يمكن أن يصيب مثل هذه المشروعات من معوقات وعراقيل، تأتي في العادة من أمراض قديمة متغلغلة في الجهاز الإداري..

 لعل أهم هذه المخاوف ألا يتم التنسيق بين الوزارات بالشكل المطلوب؛ إذ لم نتعود على مثل هذه المشروعات التكاملية الجامعة لعدة وزارات إلا نادرًا. ثم إن هناك سعة وعمومية في تسمية المبادرات قد يجعل كل وزارة تفسرها بطريقة تضعف تأثيرها المطلوب. 

المشروع رغم أنه طموح وشامل وتكاملي، إلا أنه يحتاج إلى حالة من التنسيق والوضوح والجرأة والتفكير خارج الصندوق، حتى يتم على أكمل وجه، ويحقق أهدافه المرجوة.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الاستثمار الثقافي والتحول الرقمي!

جف قلمي وبُحّ صوتي من كثرة ما ناديت أن بإمكاننا استغلال الثقافة كاستثمار مضمون واعتبار وزارتها وزارة اقتصادية لا مجرد وزارة خدمية غير هادفة للربح

فن التويتات الشعرية

سوق عكاظ يختلف عن سوق الإنترنت. والخواء الذي تميزت به صحراء الجزيرة العربية شاسعة الاتساع كان لا بد من ملئه بالأشعار الطويلة والمعلقات التي تستغرق كتابتها شهورًا وقراءتها أيامًا وتأملها سنوات

الأكثر قراءة