د. حسام عبد الغفار: مصر آمنة ووزارة الصحة والسكان اتخذت إجراءات مشددة للرصد والمتابعة
موضوعات مقترحة
محمد عبدالهادي: يجب أن تعمل الشركات على تطوير خطط طوارئ وتنويع سلاسل الإمداد الخاصة بها لتقليل المخاطر
محمد أنيس: تداعيات الأوبئة تشكل خطرًا على الاقتصاد العالمي.. والتهاون يتسبب في أضرار فادحة
د. رشاد عبده: تأثير الأوبئة المنتشرة حاليًا على الاقتصاد العالمي ليس بنفس قوة كورونا
منظمة الصحة العالمية تصف المرض بأنه «حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليًا هل يمكن أن يتكرر السيناريو الذى سبق ومررنا به من قبل، ويتحول مرض «جدري القرود» لجائحة بنفس خطورة «كورونا»؟ السؤال تبادر إلى الأذهان التى لا تزال تحتفظ بمواقف مريرة وأيام صعبة عاشتها، جراء الأزمات التى تعرضت لها اجتماعيا واقتصاديا قبل نحو 4 سنوات.
تشير الشواهد الأولية المستمدة من تحذيرات منظمة الصحة العالمية، إلى أنه إذا لم يتم احتواؤه والتعامل معه بجدية، فقد يتكرر السيناريو، وذلك على الرغم من وجود اختلافات كثيرة بينهما.
«جدري القردة» أو كما أطلقت علية منظمة الصحة الاسم الجديد «إمبوكس» «M Pox» ليس مرضًا جديدًا؛ حيث جرى اكتشافه منذ عدة عقود، والعلماء على معرفة شبه تامة به عكس فيروس كورونا، وتمتلك شركات الأدوية عدة لقاحات فاعلة يمكنها الحد من خطورته، لكنها غير متوافرة فى غالبية الدول الفقيرة، لاسيما فى قارة إفريقيا وهنا تكمن الخطورة فمع نقص الإمكانيات وقلة الوعى قد يتحور»إمبوكس» ويصعب السيطرة عليه وتتكرر الأزمة من جديد.
منظمة الصحة العالمية أعلنت فى منتصف أغسطس 2024، أن انتشار جدرى القرود فى عدد من دول قارة إفريقيا، قد أصبح "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليا"، وهو أعلى مستوى تحذير يمكن أن تطلقه الهيئة لمرض تجاوز حدود الانتشار الإقليمى وفى حال تفاقم الأوضاع، قد يصبح جائحة على غرار "كورونا التى سبق وعانى منها العالم قبل 4 سنوات.
الأيام الماضية شهدت تكثيف غالبية دول العالم، وفى طليعتها مصر استعداداتها لمواجهة الخطر المقبل. وأكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان أن مصر آمنة، وقد اتخذت إجراءات مشددة للرصد والمتابعة، مع تشديد إجراءاتها على المنافذ والمطارات لرصد أى حالات مصابة، يمكن أن تصل البلاد والتعامل معها سريعا، بالإضافة إلى إعادة تدريب الكوادر الطبية على الاشتباه المبكر، والتعامل بشكل أسرع وأكثر تشددًا فى الاكتشاف، وتقليل احتمالات دخول هذا المرض إلى الأراضى المصرية إلى أقصى درجة ممكنة.
تلك الإجراءات الرسمية وما تموج به نشرات الأخبار والبرامج التليفزيونية المختلفة من تقارير تتعلق بجدري القردة، دفعت ببعض الناس للتساؤل: هل نحن على أبواب أزمة اقتصادية عالمية جديدة؟ الدافع للسؤال ينبع مما سبق ومررنا به وقت جائحة كورونا، التى أطلت برأسها فى أواخر عام 2019 فى الصين قبل أن يجتاح العالم فى 2020، وما تبعها من سلسلة من القرارات للحد من التجمعات البشرية والتواصل بين الناس ومنع السفر، وهو تسبب فى تعطيل حركة التجارة الدولية، وتوقف مصانع كثيرة فى أنحاء العالم عن العمل وتراجع الدخل المدى للبعض، وارتفاع أسعار غالبية السلع.
تلك الذكريات المؤلمة وغيرها راجت بسرعة بين الناس، وهم يستدعون بالأرقام كيف استفادت شركات ومستثمرين من أوبئة وأمراض، هددت العالم من قبل بطرح منتجات وأدوية وزيادة حجم المبيعات وتكوين الثروات فهل سيتكرر الأمر؟
تأثيرات سلبية
الخبير الاقتصادي، محمد أنيس يحذر من أن أى وباء عالمى جديد، قد يؤدى إلى كارثة حقيقية في سوق العمل العالمي، وقال: كما شهدنا خلال جائحة كورونا، فإن انتشار الأوبئة يؤدي إلى نقص حاد في الموارد البشرية فى كافة القطاعات الاقتصادية، مما يشلّ عجلة الإنتاج ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، وهناك تأثيرات سلبية متوقعة على الاقتصاد العالمى لوباء جدرى القرود، منها ارتفاع التضخم، فمن المتوقع أن يؤدى أى وباء جديد إلى ارتفاع حاد فى معدلات التضخم، وذلك بسبب اضطراب سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف الإنتاج، كذلك يؤدى نقص العمالة، وتراجع الإنتاج إلى تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وقد يدفع بعض الدول إلى الركود.
وتابع الخبير الاقتصادى قائلا: ستواجه الحكومات والشركات زيادة في مستويات الديون نتيجة للإنفاق على الرعاية الصحية والبرامج التحفيزية الاقتصادية، مما يحد من قدرتها على الإنفاق فى المستقبل، بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع الأزمات المتكررة، فإذا تكررت الأزمات الصحية العالمية، فإن قدرة الحكومات والشركات على التعامل معها، ستضعف بشكل كبير، مما سيؤدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأكد أنيس، ضرورة الاستعداد لمواجهة الأزمات الصحية المستقبلية من خلال اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، مثل تخزين السلع الإستراتيجية، فيجب على الحكومات تخزين كميات كافية من السلع الأساسية، مثل المحروقات والقمح، لضمان استمرار الإمدادات فى حالة حدوث أزمة، وتعزيز البنية التحتية الصحية من خلال الاستثمار فى تطوير البنية التحتية الصحية، بما فى ذلك المستشفيات والمختبرات، لزيادة القدرة على التعامل مع الأوبئة.
واختتم أنيس، يجب على الحكومات والشركات تطوير خطط طوارئ شاملة للتعامل مع الأزمات الصحية، بما فى ذلك خطط لإدارة سلاسل الإمداد والعمل عن بعد.
تكاتف وتعاون
ويرى محمد عبد الهادى، الخبير الاقتصادي، أن انتشار مرض جدرى القرود، يعتبر تحديًا جديدًا للاقتصاد العالمى، ويتطلب من الحكومات والشركات والمواطنين التكاتف والتعاون للحد من آثاره السلبية، وتجنب مشابهة لتلك التى خلفها وباء كورونا "كوفيد-19"، لذلك فالإعلان عن أى مرض جديد كوباء عالمى، يؤدى عادة إلى اضطرابات اقتصادية كبيرة، كما رأينا خلال جائحة كورونا.
أضاف عبد الهادي، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمى ركودًا وانكماشًا نتيجة لتداعيات هذا المرض، نتيجة للتوقف شبه الكلى للأنشطة الاقتصادية، لا سيما فى قطاعات السياحة والسفر، وسيؤدى إلى انخفاض حاد فى الإنتاج وزيادة فى معدلات البطالة، حيث يعد قطاع السياحة من أشد القطاعات تضررًا من الأوبئة والأزمات الصحية العالمية. بالتقييد على السفر وإغلاق الحدود يؤديان إلى تراجع حاد فى أعداد السياح، مما يضر بشكل مباشر بالدخل المادى للدول، التى تعتمد على السياحة كمصدر رئيسى للعملة الأجنبية، مثل مصر واليونان.
وأوضح الخبير الاقتصادى: يؤدى تراجع النشاط الاقتصادى العالمى إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وبالتالى انخفاض أسعار النفط، وهذا بدوره يؤثر سلبًا على اقتصادات الدول المنتجة للنفط، مثل السعودية والإمارات، ويؤدى إلى عجز فى ميزانيتها. وتدفع الأزمات الصحية العالمية المستهلكين إلى تغيير أنماط استهلاكهم، حيث يركزون على السلع الأساسية ويقللون من الإنفاق على السلع الترفيهية والخدمات، وهذا التحول فى أنماط الاستهلاك يؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية. ونوه عبدالهادي، أنه على الرغم من الآثار السلبية الكبيرة للأوبئة، فإنها تخلق أيضًا فرصًا جديدة لبعض القطاعات، فقد شهدنا خلال جائحة كوفيد-19 ازدهارًا فى قطاع العقارات، حيث زاد الطلب على المساكن ذات المساحات الواسعة والحدائق الخاصة، كما ساهم انتشار العمل عن بعد فى زيادة الطلب على خدمات الإنترنت والمدفوعات الإلكترونية.
واختتم عبدالهادى قائلا: تعلمت الشركات والمؤسسات من دروس جائحة كوفيد-19 أهمية التنوع فى مصادر الدخل والاستعداد لمواجهة الأزمات غير المتوقعة، فمن المتوقع أن تعمل الشركات على تطوير خطط طوارئ، وتنويع سلاسل الإمداد الخاصة بها لتقليل المخاطر.
حركة السفر
الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، يرى أن تأثير الأوبئة المنتشرة فى الوقت الحالى على الاقتصاد العالمى ليس بنفس قوة تأثر العالم بفيروس كورونا قبل سنوات ولن يكون، فقد تعلمت دول العالم والمنظمات الدولية الدرس جيدا، وتابع قائلا: "عندما حدثت تلك أزمة جائحة كورونا وخاصة فى دولة الصين، توقفت حركة السفر والانتقال بين غالبية دول العالم، وتراجعت السياحة وحركة التجارة الدولية كثيرا وتوقفت المصانع وإن شئت الدقة فقد توقفت الحياة.
ويرى د. رشاد عبده أن جدري القرود حتى يومنا هذا، لا يشكل تهديدا على الاقتصاد العالمى، ولن يتكرر سيناريو توقف حركة التجارة وإغلاق المصانع من جديد، ونسب الإصابة بالمرض هى التى ستحدد ملامح تطور الأزمة فى المستقبل القريب، وهل سيتحول من مجرد مرض إلى جائحة أم لا؟ وحدها منظمة الصحة العالمية من ستحدد ذلك فى ضوء البيانات والمعطيات التى تتوافر لديها.
وأكد د. رشاد عبده أن تداعيات أزمة جدري القرود على الاقتصاد المصرى لا تشكل تهديدا حتى الآن، لافتا النظر إلى أن الحكومة المصرية سبق وتعاملت جيدا مع أزمة كورونا، ومن قبل إنفلونزا الطيور وجنون البقر وغيرها، وخرجت من كل تلك المحن بخبرات كثيرة تؤهلها لمواجهة جدري القرود وغيره من الأوبئة باحترافية عالية في المستقبل، دون اللجوء إلى تعطيل منظومة العمل والإنتاج.