Close ad

مخيم «الشاطئ».. عنوان المقاومة والشجاعة

28-8-2024 | 19:40
مخيم ;الشاطئ; عنوان المقاومة والشجاعةمخيم الشاطئ
زينب هاشم
الأهرام العربي نقلاً عن

حمزة حماد: يحتل المرتبة الثالثة في تعداد السكان هذا المخيم خرج منه أبطال فلسطينيون

موضوعات مقترحة

وسام زعبر: يتحدر لاجئوه من القرى والمدن الساحلية الواقعة في جنوب ووسط فلسطين  

رائد ناجي: يمثل مع باقي المخيمات بيئة خصبة لإنتاج المقاومة الفلسطينية

عاهد فروانة: الاحتلال لم يترك أي فرصة حتى الآن من أجل استهدافه

يمثل أحد القلاع الفلسطينية المهمة التى لها باع كبير فى الثورة

يمثل مخيم الشاطئ، حالة خاصة جدًا بالنسبة لآلاف الفلسطينيين، الذين نزحوا واستقروا بين أروقة المخيم وأزقته، ومن ثم خرج من بينهم أبطال لمعوا فى مختلف المجالات، كما أن صغر حجمه الشديد وتصميمه، ساعد كثيرا المقاومة فى الاختباء، بعيدا عن أعين الاحتلال ومهما تعرض المخيم للقصف، فلا يجد سكانه سوى الصمود والشجاعة في مواجهة العدو.

في البداية، يتحدث عن هذا المخيم حمزة حماد، مسئول التجمع الإعلامى الديمقراطى الفلسطيني، عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، قائلا: أود أن أبدأ حديثي عن مخيم الشاطئ بنبذة قصيرة عن المخيم، وذلك لأن مخيم الشاطئ من المخيمات الفلسطينية المميزة جدًا في قطاع غزة، سمي بذلك نسبة لموقعه الجغرافية، والمعروف بطابع الحياة البسيطة، إضافة أنه أكثر المخيمات اكتظاظا بالسكان، ويطل وبشكل مباشر على شاطئ البحر الأبيض المتوسط غرب مدينة غزة، وقد تأسس عام 1949م. وتحاصر سكانه الفقراء الأزقة الضيقة، والخدمات السيئة والمياه غير الصالحة للشرب والاكتظاظ السكاني، الذى بات يتمدد باتجاه أحياء المدينة الملاصقة، ويبلغ عدد سكان المخيم أكثر من 100 ألف نسمة؛ حيث يتقاسم سكانه ملامح البؤس والشقاء، كما يحتل تقريبا المرتبة الثالثة فى تعداد السكان من بين المخيمات الثمانية التى أقامته الأونروا لإيواء اللاجئين الذين هجروا قسرا من أراضيهم عام ،48 ولديه العديد من المشكلات أبرزها  إقامة الألسنة والحواجز بالبحر والتى تسببت بتآكل وحجز للرمال مما سبب انجرافا بمياه البحر، ومياه الصرف الصحى التى تصل حد المنازل، والشوارع الضيقة غير الصالحة للحياة، وغياب الكهرباء، والبطالة المرتفعة، والحد المسموح به للصيد، والاكتظاظ السكانى وتلوث إمدادات المياه إضافة إلى تحول الساحل لمكب نفايات، وقلة الساحات العامة والمتنزهات، وسوء الخدمات، وعدم الاهتمام الكافى بالنظافة.

ويستكمل الحديث، حماد قائلا: هذا المخيم خرج أبطالا وأعلاما مهمة جدا مثل محمد الأسود (جيفارا غزة)، الشيخ أحمد ياسين، خليل القوقا، فتحى الشقاقي، محمود الخواجا، وإلخ. ويذكر أنه بعد مرور 264 يوما على حرب الإبادة الجماعية المتواصلة تعرض هذا المخيم لعملية تدمير واسعة وارتكاب مجازر دموية إزاء الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، وتنفيذ أحزمة نارية عديدة وسقوط آلاف الشهداء والجرحى، التى كان آخرها خلال الساعات الماضية.

ويمضى فى الحديث مسئول التجمع الإعلامي، قائلا: نرى أننا لو بحثنا عن غزة ومفارقة الأرقام، ولو عدنا لسنوات ماضية، نجد أنه لم يكن تقرير عام 2015م، الذى أفاد بأن قطاع غزة غير صالح للسكن عام 2020م، بمعزل عن الواقع المأساوى الذى نعيشه ذروته اليوم إزاء العدوان المتواصل ويأخذ اشكالا مختلفة كان آخرها "التجويع والتعطيش". ربما هذا التقرير الذى توصلت إليه منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" فى دراسة للأوضاع فى غزة بعد عدوان عام 2014م وما سبقها، يعكس الصورة مجددا لواقع الحياة الاقتصادية والحياتية عامة، التى أنهكت فى ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية ليومها 265 على التوالي. ما توصل إليه التقرير بعد حصار اقتصادى استمر لسنوات طويلة أدى لتدهور الحياة الإنسانية داخل القطاع، وتراجع عملية التنمية بل تدمير مسارها بأساليب شتى. وأمام هذه الإبادة التى أعدمت الحياة كليا، بات الأمر مختلفا علينا فى الانتقال من معالجة الأزمات، وهذا يعنى أن الاحتلال يمارس سياسة ممنهجة ومتعمدة فى تحويل حياة الغزيين إلى جحيم غير مسبوق، والمفارقة واضحة فى الأرقام المذكورة.

ويضيف: منذ أن تغلغلت الأزمات مجتمعيا، بدأ العد التنازلى أمام أزمات خطيرة كالمياه والكهرباء والغذاء وتدمير البنى التحتية، والبطالة التى وصلت إلى 90 % وفق تصريح المستشار الإعلامى لوكالة الأونروا مؤكدا أن هناك مخيمات للاجئين الفلسطينيين فى غزة سحقت تماما"؛ حيث كشف التقرير حينها أن سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة يعانون بنسبة ٪72 من انعدام الأمن الغذائي، وأن 500 ألف شخص فى غزة مشردون نتيجة آخر عملية عسكرية، كما أنه يتم الاعتماد على متجمعات المياه الجوفية الساحلية كمصد رئيسى للمياه العذبة، لكن 95٪ من هذه المياه غير صالح للشرب. فالأرقام اليوم تكشف حقيقة الانهيار والكارثة التى يعيشها الغزيون على الأصعدة كافة، بداية بمدة الحرب وهى الأطول والأشرس فى تاريخنا المعاصر، وأشكال الجرائم التى ترتكب وقد طالت كل مكونات المجتمع والمحمية دوليا كالمشافى التى أخرجها عن الخدمة وعددها (33) مشفى، ونحو (112) مدرسة وجامعة مدمرة كليا و(323) جزئيا، وأكثر من (150) ألف وحدة سكنية مدمرة كليا و(200) ألف وحدة سكنية جزئيا، و(80) ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن، ناهيك عن ويلات النزوح التى طالت (2 مليون نازح)، إضافة لاستشهاد أكثر من (30) مواطنا على مرأى ومسمع دعاة الإنسانية جراء المجاعة التى تفشت فى ظل الحصار الإسرائيلى المفروض منذ بدء العدوان غير أن قرابة (3,500) طفل معرضون للموت بسبب نقص الغذاء، وهذا ما أكدته تصريحات الأونروا "أن 96% من سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد".

ويتابع: رغم الخسائر الأولية التى تصل إلى 33 مليار دولار جراء هذه الحرب، فإن الاحتلال يريد بهذه الأرقام الخطيرة وفى مقدمتها 70% من الضحايا هم من النساء والأطفال، أن يقدم رسالة للفلسطينيين أن مصيركم الموت وفق خطته الشهيرة "الحسم" التى تهدف لإنهاء الوجود الفلسطيني، وكذلك للعالم الصامت أنه سيبقى فوق القانون الدولى، ولا أحد يستطيع أن يوقف جرائم الإبادة التى يمارسها بدعم وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية، وفق آخر تصريح للبيت الأبيض حين قال: "نقف إلى جانب إسرائيل وسنعمل على تزويدها بما تحتاجه من أجل الدفاع عن نفسها، وأن المساعدات العسكرية الأمريكية مستمرة فى الوصول إلى إسرائيل" وحتى الآن لم يتوقف سلوك الاحتلال الإرهابى على ذلك، بل منع دخول شاحنات السولار والغاز مما أثر على حياة المدنيين سلبيا من خلال الحاجة الملحة للأمور الحياتية اليومية، والمراكز المدنية التى تقدم الخدمة للمواطنين كما جرى أخيراً فى إخراج المشافى عن الخدمة، وتوقف وسائل النقل العمومية بعد تدمير عدد كبير منها بنسبة تفوق 50%، علاوة على انتشار الأوبئة والأمراض جراء اختلاط المياه بالصرف الصحى ومواصلة الاعتماد على إشعال النار فى طهو الطعام وغيرها، مما ينذر بوقوع كارثة إنسانية يصعب معالجتها أو السيطرة عليها. فإن استمرار تجاهل معاناة الفلسطينى يدفعنا أن نسأل، ما الرقم الذى يمكن أن يحرك الضمير العالمى بعد رحيل أكثر من 37 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى؟ وهل العالم بات يحتاج إلى حماية؟ لذلك أرى أن المواقف يجب أن تترجم وإلا تصبح لا فائدة منها سوى للهرج الإعلامي، كما نرى اليوم فى ظل غياب الإرادة الدولية فى الضغط على الاحتلال ومحاسبته على جرائمه الكبرى بحق شعب أعزل ينادى بحقه فى الحرية والعودة وتقرير المصير.

ويستكمل الحديث، وسام زغبر، مدير مكتب مجلة الحرية فى قطاع غزة، عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، قائلا: نشأ مخيم الشاطئ للاجئين عام 1949، على مساحة 519 دونماً، شمال غرب مدينة غزة على شاطئ البحر المتوسط، ومنه أخذت التسمية، وتقلصت مساحته إلى 447 دونماً. وأقيم مخيم الشاطئ من أجل إيواء نحو 23 ألف لاجئ فلسطينى هجروا فى النكبة الفلسطينية الكبرى فى شهر مايو عام 1948، وكانوا يقطنون فى ثلاثة مخيمات متفرقة داخل مدينة غزة، الأول كان يطلق عليه اسم مخيم «حلزون» غرب السرايا، والثانى مخيم «الجميزات» جنوب مستشفى الشفاء، والثالث مخيم «قرقش» شمال ملعب اليرموك، وهناك عدد من اللاجئين سكن فى مناطق متفرقة فى مدينة غزة فى بيوت مستأجرة.

ويضيف زعبر، قائلا: يتحدر لاجئو مخيم الشاطئ للاجئين من القرى والمدن الساحلية الواقعة فى جنوب فلسطين ووسطها، التى تتبع أقضية غزة وبئر السبع ويافا، والقليل منهم من منطقة الشمال، ومن هذه القرى والمدن: المجدل وهربيا وبربرة وبرير والجورة ودير سنيد ودمرة والجية وجولس والسوافير وحمامة وأسدود وسمسم وهوج وكرتية والمسمية ويافا واللد والرملة والخصاص ويبنة وبيت دراس وغيرها، وقد قدر عدد سكان مخيم الشاطئ للاجئين بـنحو 23000 لاجئ الذين هجروا عام 1948م، وقد قامت إسرائيل عام 1970م بترحيل 1300 عائلة من سكان المخيم إلى مشروع إسكان حى الشيخ رضوان، وفى عام 1971م قامت سلطات الاحتلال بهدم وإزالة 2263 غرفة، تسكنها 804 عائلات بواقع 4836 لاجئا. وهناك حارات كاملة، باسم عائلات هجرت من فلسطين المحتلة عام 1948 مثلاً حارة المجادلة نسبة إلى مدينة المجدل، وأغلب من يسكن فى تلك الحارة من العائلات المجدلاوية.

ويمضى زعبر في الحديث، قائلا: حافظ المخيم على شكله المعتاد بنسبة 90% منذ إنشائه على شكل بيوت بسيطة من الإسبست وشوارع متلاصقة وأزقة، بعرض لا يزيد على متر واحد، رغم التطور الحضارى الملاصق للمخيم فى حيى النصر والرمال. وبلغ عدد سكان مخيم الشاطئ قبل حرب الإبادة الجماعية فى السابع من أكتوبر 2023 نحو 85000 نسمة، وتقدم وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عدداً من الخدمات للاجئين فى مخيم الشاطئ منها مياه الشرب والنظافة العامة ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتشرف على مدارس المخيم وفق المنهج الفلسطيني، وتدير مستوصف (عيادة طبية) وناديا رياضيا ومركز تموين وسوى ذلك من الخدمات، أى أنه يعيش المخيم حالة صمود أسطورى وتشبث بالأرض رغم قصفه المتكرر براً وبحراً وجواً من قبل قوات وطائرات وزوارق الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان من أوائل المناطق التى دخلها الاحتلال الإسرائيلى مع بدء العملية البرية على قطاع غزة فى السابع عشر من أكتوبر 2023. ورغم التدمير الكبير الذى تعرض له مخيم الشاطئ للاجئين فإن أن سكانه يصرون على إعادة الحياة إليه بعد كل اجتياح برى له أو قصف بحرى أو جوى إسرائيلي، ويصرون أيضاً على البقاء فيه. فكل من يتجول فى مخيم الشاطئ يرى فى عيون الناس أنه رغم الألم والمعاناة إلا أن إصراراً على الصمود والبقاء، حتى أننى حاورت بعضاً منهم أبلغونى أنهم لن يرحلوا عنه وسيبقون صامدين، وسيبنون المخيم حجراً حجرا حتى لو أصبح ركاماً.

ويرى مدير مكتب مجلة الحرية، أن الاحتلال الإسرائيلي، يعى أنه لن يستطيع تدمير مخيم الشاطئ للاجئين، رغم قصفه المتكرر وقتله آلاف المدنيين وتدميره البنى التحتية ومؤسسات الأونروا من مدارس ومشافٍ ونوادٍ ومتنزهات، وأن فكرة البقاء والصمود راسخة فى عقول الفلسطينيين هنا فى المخيم، ولا يكف الاحتلال عن ممارسة سياساته مرة أخرى من التجويع والنزوح القسرى بعد فشلها مرة تلو الأخرى، رغم استمرار مسلسل القتل والتدمير والتخريب والترهيب لكل سكان المخيم وممتلكاتهم، لإجبارهم على الاستسلام ودفعهم نحو النزوح والتهجير القسرى وبرغم أن الاحتلال الإسرائيلى زرع فى أحشاء المخيم القنابل والمتفجرات ودك مبانيه بالصواريخ والقذائف، وأراد للمخيم أن يموت إلى الأبد، ما جعل أطفاله بلا طفولة، وشيوخه بلا شيخوخة، حتى أن رائحة الموت تفوح منه، ومشهد الدمار يطل برأسه فى كل مكان فى مخيم الشاطئ، فى حاراته وشوارعه وزقاقه، نتيجة تحلل بعض جثث الشهداء تحت ركام المبانى المدمرة، ولا يمكن أن يرى أى إنسان يمر فى المخيم بيتاً أو شقة سكنية أو بناية أو محلاً تجارياً إلا وأصابها التدمير والتخريب، وهذا يدلل على إمعان الاحتلال فى تدمير معالم المخيم وقتله، كونه الشاهد الحى على النكبة الفلسطينية وما لحقها من معاناة للاجئين فمخيم الشاطئ للاجئين، أذاق الاحتلال ويلات وكبده خسائر كبيرة، وقدم تضحيات جسام خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى «انتفاضة الحجارة الشعبية» عام 1987 التى استمرت لنحو ست سنوات، ولم يستطع الاحتلال حينها تدمير المخيم واقتلاع سكانه وتغيير معالمه وقتل الروح الثورية لسكانه.

ويضيف: قد حاول الاحتلال خلال الانتفاضة الفلسطينية مراراً وتكراراً اتباع سياسة التجهيل عبر إغلاق المدارس وعرقلة العملية التعليمية، إلا أن محاولاته كلها باءت بالفشل، وإذا لاحظنا خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر التاسع على التوالى أن مدارس المخيم التى تحولت إلى مراكز إيواء قد أصابها التدمير والحرق، وهذا إن دل إنما يدل على حقد الاحتلال الإسرائيلى على الفلسطينيين أينما حلوا، وأن تلك الجرائم هى سياسة إسرائيلية ممنهجة بحق الشعب الفلسطينى ومؤسساته الوطنية، لا سيما أن ما يجرى فى قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ممنهجة تؤكد عجز المجتمع الدولى عن وقف تلك الجرائم وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيد كريم خان، الوفاء بالتزاماته من خلال استصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه يؤاف جلانت وفريق حربه لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، وكذلك يتطلب من محكمة العدل الدولية تنفيذ الأوامر الصادرة عنها بإجبار دولة الاحتلال على وقف جرائم الإبادة الجماعية فى قطاع غزة، ومقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها، وعلى سياسييها وقادة حربها وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية وإعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلى فى القطاع.

ويفضل المحلل السياسى والاقتصادى الفلسطينى رائد ناجي، أن يستهل حديثه عن مخيم الشاطي، بمقولة لإسحاق رابين، الذى قال: "أتمنى أن أستيقظ يوما، وأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، ويستكمل الحديث قائلا: ونفس المقولة جاءت على لسان أغلب قادة الاحتلال، منذ نشأتها، وحتى الآن، وهى المقولة التى تجسد تاريخ غزة الممتد فى مقاومة الاحتلال، منذ اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وحتى الآن، لأن مراحل الانتفاضة ولدت قبل نحو نحو نصف قرن، وشهدت حركات التحرر الوطنى الفلسطينية التى أصابت الاحتلال بالتخبط، وكشفت همجيته أمام العالم، ولم أردف كلامى على مخيم الشاطئ، وهو مخيم فلسطينى يقع غرب مدينة غزة على شاطئ البحر المتوسط بغزة، ولهذا سمى بمخيم الشاطئ، عدد السكان تقريبا يتجاوز المائة ألف نسمة، تعود أصول سكانه إلى "فرى وبلدات حمامة ويافا المجدل الحجورة أسدود جرجا كارتيا" والكثير من القرى الفلسطينية فيما يتحدر بقية سكانه من "زرنوقة برتياس بربرة، بير السبع"، وصوافير والقرى التى هجرت ١٩٤٨بعد ما سميت بالنكبة فى المصطلحات العربية، وهذا المخيم من حيث المساحة صغير جدا، لا يتجاوز الكيلومتر المربع، وهذا معناه أن الكثافة السكانية عالية جدا، فى داخل المخيم وبما أن الموقع قريب من شاطئ البحر، وبالتالى فإن الاحتلال يركز على قصة مخيم الشاطئ.

ويستكمل ناجى الحديث، قائلا: أسباب الصمود فى المخيم كثيرة جدا، فلوعدنا إلى المخيم الذى يتجاوز المائة ألف نسمة، وفى آخر دراسة يتجاوز المائة وخمسة آلاف نسمة فى مساحة تتجاوز الكيلو متر مربع، وحالة الضيق الشديد جدا، وبالتالى هو مرصوص، وكلما كان التلاصق وكانت المبانى أكثر فوضوية ومتداخلة والأزقة كثيرة جدا، كان للمقاومة أن تختبئ بداخل هذه المخيمات، ويمكن أن تخرج من المخيم وتتحرك بأريحية مطلقة، كما أن المخيمات بيئة خصبة لإنتاج المقاومة الفلسطينية، بالتالى هى أحد مقومات المقاومة الفلسطينية، وأن هذا المخيم أنجب أعلام الكثير من المقاومات المختلفة والفصائل الفلسطينية، زد إلى ذلك أن هذه المناطق بالتحديد لو عددنا سكانها من أكثر من عشرين قرية مهجرة وأكثر بكثير من هذا العدد، وبالتالى كل القرى التى هجرت اليوم لا بديل لهم، فهم أصلا مهجرون إلى غزة بمعنى آخر عاشوا نكبتان ١٩٤٨ و١٩٦٤، وبالتالى اليوم يعيشون نكبة أخرى، وإن كانت هناك للمرة الثالثة حالة الصمود خلال ما بعد السابع من أكتوبر فيسجل الصمود تلو الصمود لهذا المخيم للمرة الثالثة على التوالي، وإن كانت هناك اضطرابات الاحتلال فى ٢٠٢١ و٢٠١٤ و٢٠٠٨ كان المخيم صامدا وقدم الشهداء، بالتالى هذا الإصرار والتلاحم فى الأرض يجعلان هناك سببا آخر للصمود ولو تابعنا وسائل الإعلام بشكل عام نجد كثيرا من الفلسطينيين من سكان مخيم الشاطئ فى غرب غزة دائما يرسلون رسائل الصمود والتحدى أنهم لن يغادروا أرضهم، إما كرماء أو أشلاء تحت الأرض.

ويضيف: هناك كثير من التساؤلات، التى أسمعها سئلت لكثير من سكان مخيم الشاطئ بالتحديد، ما الذى يجبرك على البقاء فى هذه الأرض، قالوا إنها بلادى وقد ولدنا وعشنا فيها، ولن نتركها للمحتلين باقين فيها ما حيينا، وكثير ما نتحدث عن تكبيرات، إما مكرمين فوق الأرض نعانق السماء أو أشلاء تحتها، وهى شعارات تدلل على أن هذا المخيم المحاصر، مثل كل شبر فى غزة اليوم، لا يجد آفاقا لأهل وسكان هذا المخيم خارج المخيم، وبالتالى هم لن يعيشون فى نكبة ثالثة ولا رابعة فى هذه الأجواء، التى ارتدت على الشعب الفلسطينى، رغم أنه استشهد الكثير والكثير من الشعب الفلسطينى أثناء القصف على مناطق مثل مخيم الشاطئ وربما مناطق التلاصق، لأن مناطق الشهداء الفلسطينيين والجرحى أعداد كبيرة جدا وأن الأسباب المهمة جدا أن ضيق المساحة وارتفاع الأعداد والفقر، بفعل النكبات وقلة الموارد ربما التكافل الاجتماعى بين السكان على قلب رجل واحد والعلاقات والتضامن كبير جدا رغم ظروف المأساة ووحدتها، فكلها عوامل تؤدى لأن يكون سكان المخيم كتلة واحدة، وبالتالى يصمد أكثر فأكثر، لأنه لا يوجد لهذا المخيم ولا لسكانه ما يمكن أن يخسره البيوت صغيرة متلاصقة أزقة ضيقة جدا وكله يدلل على عذابات سكان المخيم، وبالتالى لن يعيشوا عذابات أخرى وألفوا هذه النكبات، وبالتالى يعزز الصمود أكثر فأكثر بداخل المخيم، أضف إلى ذلك الأهداف الفلسطينية، التى جاءت بالكثير من الفلسطينيين الذين يسعون لتحقيق أهدافهم برغم ما يعيشونه من صعوبات، وبرغم هذا الحصار الجائر منذ ٢٠٠٧ إلى يومنا هذا، وبرغم كل العدوانيات التى خاضها الشعب ضد الاحتلال فى القطاع، وكل هذه الأمور صنعت جيلا معاندا إضافة إلى البيئة والتنشئة الاجتماعية المغايرة تماما، أو على الأقل قائمة على البقاء والتشبث بهذه الأرض التى صنعت روح المحاربة، إما البقاء يا إما الموت وبالتالى اشتملت هذه القاعدة وللجهاد "نصر أو استشهاد" وكانت هذه القاعدة التى سكبت فى داخل المخيم على الأقل، غرست فى النشء الجديد، وبالتالى أعطى ثماره بعد سنوات كبيرة جدا، لأن أبطال المقاومة اليوم هم أبناء شهداء وأبناء أسرى، فبالتالى لديهم لهيب الشعور من حرقة ما قام به الاحتلال، نتيجة ما عاشوه أهلهم وصناعة النكبات والأحزان، وكلها عوامل ستجعل من مخيم الشاطئ مناطق للمقاومة، وهو الأمر الذى ينطبق على باقى مخيمات ومناطق غزة وهى مناطق صمود.

ويتفق مع الرأى السابق د. عاهد فروانة، أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين، قائلا: يعتبر مخيم الشاطئ من مخيمات الصمود والتحدي، وهو عنوان من عناوين المقاومة فى قطاع غزة وهو المخيم الملاصق للبحر الأبيض المتوسط فى مدينة غزة، ويوجد به عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، الذين هجروا من ديارهم فى عام ١٩٤٨، وتوجهوا إلى هذه الأرض التى كانت خالية آنذاك، ومن ثم أقاموا خيامهم، وتحول إلى مخيم من أكبر مخيمات القطاع، ويضم عددا كبيرا جدا من شعب فلسطين، والحقيقة هذا المخيم خرج العديد والعديد من القيادات الفلسطينية، التى كان لها دور بارز بين أبناء شعبنا الفلسطيني، سواء فى المقاومة أو فى الثقافة أو فى السياسة أو فى الرياضة والفن، فبالتالى هذا المخيم هو قلعة من القلاع الفلسطينية المهمة التى لها باع كبير فى الثورة الفلسطينية، فلذلك فى بداية هذه الحرب منذ السابع من أكتوبر الاحتلال استهدف هذا المخيم منذ البداية، وقام باجتياح مدينة غزة جهة مخيم الشاطئ، وأحدث دمارا كبيرا فى المخيم وأيضا الاستهداف المبكر لمخيم الشاطئ، ينم عن مدى الاستهداف الإسرائيلى له منذ البداية، حيث قام الاحتلال منذ بداية الحرب بعشرات الغارات التى أدت إلى استشهاد وإصابة المئات من أبناء شعبنا، واضطر معظم سكان المخيم لمغادرته إلى مناطق متفرقة فى قطاع غزة، وحينما أيضا كانت هناك عملية التوغل البرى من قبل دبابات الاحتلال كان أيضا الاستهداف منذ البداية لمخيم الشاطئ، وقامت الدبابات بتدمير مناطق كبيرة فى هذا المخيم ومسح البيوت والمؤسسات والمدارس، التى كانت تأوى أيضا العشرات من أبناء شعبنا، الذين ما إن خفت وتيرة القصف يوما على مخيم الشاطئ عادوا إلى بيوتهم وما تبقى من بيوتهم، وكان هناك أيضا نازحون فى هذا المخيم، لكن الاحتلال لم يترك لهم فرصة للمكوث هناك، ثم قام باجتياح هذا المخيم بريا، وتدمير أجزاء كبيرة منه، ثم توجه من خلال هذا المخيم إلى المناطق الغربية فى مدينة غزة، مثل حى الرمال والشيخ عجلين وتل الهوي، وغيرها من المناطق الحضارية المهمة فى مدينة غزة، وقام أيضا بتدميرها.

ويمضى فروانة فى الحديث، قائلا: وبالتالى الاحتلال لم يترك أى فرصة حتى الآن، من أجل استهداف هذا المخيم، ونسمع بين كل حين وآخر عن ارتكاب مجازر كبيرة، كان آخرها قصف مربع سكنى كامل، نتج عنه استشهاد أربعين مواطنا وإصابة العشرات، نتيجة القصف الذى طال عدة بنايات كبيرة فى هذا المخيم، وكما تحدثنا فى البداية هو عنوان الصمود والتحدى والفكر والسياسة والرياضة والفن والعمل المقاوم، وكل الأشكال فى هذا المخيم مجموعة من المؤسسات الثقافية والفكرية والسياسية والرياضية، ويكفى أن نذكر أن نادى خدمات الشاطئ من أبرز أندية على مستوى قطاع غزة، تأسس فى هذا المخيم عام 1951، وأيضا مؤسسة المسحال الذى دمرها الاحتلال، بالإضافة إلى مؤسسات ثقافية وعلمية كثيرة، الاحتلال أيضا دمرها، نتيجة لحقده على هذا المخيم، الذى هو من علامات العناوين المهمة فى قطاع غزة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: