Close ad

بداية على طريق إصلاح التعليم

28-8-2024 | 14:07

بعيدًا عن اعتراض مافيا الدروس الخصوصية، وبعيدًا عن عدم استيعاب فئة من الأهالي لمغزى وأهمية القرار، جاءت قرارات وزارة التربية والتعليم بتخفيف المناهج الدراسية عن كاهل الطلاب كخطوة صحيحة تأخرت لسنوات طويلة ضمن خطوات كثيرة مطلوبة بشكل عاجل لإصلاح مسار التعليم؛ في مقدمتها المدارس والمعلم نفسه.

والأصل أن ظاهرة " حشو المناهج" الدراسية ظهرت في بداية تسعينيات القرن الماضي كوسيلة رأت الدولة -من وجهة نظري- أنها الأفضل لتعجيز نسبة كبيرة من الطلاب عن الالتحاق بالثانوية العامة، نقلا من المرحلة الإعدادية لتوجيههم للتعليم الفنى إجباريًا، وتعجيز نسبة من طلاب الثانوية العامة عن الالتحاق بالتعليم الجامعي المجاني الذي عجز عن استيعاب أعداد خريجي الثانوية العامة التي تزيد كل سنة، في حين لم تقم الدولة بدورها بالتوسع في إنشاء كليات وجامعات مجانية تستوعب هذه الزيادة، وهذه السياسة التعليمية الخاطئة سعت إليها الدولة آنذاك في إطار إستراتيجية لترشيد تكاليف مجانية التعليم.
 
وأدى "حشو المناهج" في المرحلة الثانوية مع قلة أعداد المقاعد في الكليات الجامعية الحكومية إلى رفع مستوى التنسيق للقبول في الجامعات؛ لأنه المعيار الوحيد الذي يتم من خلاله تحديد أولوية من يلتحق بالكليات الجامعية، في ظل نقص شديد في قدرة الكليات على استيعاب أعداد خريجي الثانوية العامة المتزايدة سنويًا، مع ثبات عدد الكليات، وارتفع مستوى التنسيق حتى كاد يقترب من المائة بالمائة في ظاهرة ليست موجودة إلا في مصر، فالعالم يتعامل مع الحاصل على 80% على أنه متفوق جدًا، وفى مصر للأسف هو فاشل جدًا، ولا يجد لنفسه مكانًا في الكلية التى يرغبها.

أما الكوارث التعليمية التي نتجت عن "حشو المناهج" فلها أبعاد اجتماعية واقتصادية وتربوية وتعليمية سيئة، فرضت نفسها على المجتمع المصري منذ حوالى 40 سنة وحتى الآن، أما الأبعاد الاقتصادية فقد ذهب ما لا يقل عن ثلث دخول المصريين، من الطبقة الوسطى وما دونها، إلى جيوب مافيا الدروس الخصوصية؛ لتبسيط وشرح المناهج المكدسة للطلاب، والتي تفوق عقل وقدرة وذهن الطالب المتميز بمراحل، مما شكل عبئًا اقتصاديًا على كاهل الأسرة بالكامل يستنزف حياة الأسرة التى لديها طفلان أو أكثر تمامًا، وبسبب حشو المناهج وتكدسها أصبحت الدروس الخصوصية وحدها لا تكفي؛ فانشغلت الأمهات والآباء في لعب دور المدرس الغائب بالساعات الطويلة في المنزل؛ تكملة على دور المدرس الخصوصي، فتحولت حياة الأسرة المصرية لرحلة عذاب واستنزاف اجتماعي اقتصادي.

أما الطالب الذي يعاني من رعب المناهج المكدسة، فلم يعد يهتم بالفهم والتجربة وحب العلم للعلم، ولكن تحول بفعل جريمة حشو المناهج وبعبع التنسيق إلى جهاز تسجيل أو فلاشة يحفظ بدون فهم؛ ليفرغ ما يحفظه فى ورق الامتحانات، ثم تنتهي علاقته بهذا العلم تمامًا، ناهيك عن أن حشو المناهج حرم أجيالًا كثيرة، على مدار ما يقرب من 40 سنة، من العيش حياة هادئة متوازنة، كما كان الطلاب في الخمسينات وحتى منتصف الثمانينيات يعيشونها، وكما يعيشها كل طلاب العالم الآن، فالطالب المصرى، خاصة فى المرحلة الثانوية، ليس لديه رفاهية الوقت للقراءة الحرة في المجالات المختلفة، ولا لممارسة رياضة بدنية تخرج أجيالًا سوية بدنيًا ونفسيا، أو ممارسة أي هواية، بل كره الطلاب القراءة عمومًا والعلم؛ لأنها تذكرهم بعبء التعليم والمجموع، وفى ظل تكدس المناهج ظهرت مافيا الدروس الخصوصية والسناتر وغيرها.

فقدت المدرسة دورها، وفقد المدرس دوره التربوي، ولم يعد قدوة ونموذجًا للطالب، بعد أن سقط فى نظره؛ بسبب جشعه المادي، وطالما طالب العقلاء وذوو البصيرة في هذا البلد بتخفيف المناهج المكدسة؛ لأنها لا تخرج طلابًا باحثين ولا متفوقين ولا مفكرين، وأنها أحد أسباب انهيار التعليم، وتدني مستوى الخريجين، ولكن كانت هناك عقليات مظلمة وظالمة ومتخلفة تعتقد أن حشو المناهج بأكثر من لغتين أجنبيتين هو لمصلحة التعليم والطالب، وأن تدريس مناهج لغة عربية معقدة لا يستوعبها إلا خريجو الأزهر ودار العلوم هو وسيلة لتقوية الطالب في اللغة العربية، وزرع الانتماء فيه، وللأسف أنتج فكرهم الغبي طلابًا وخريجين يخطئون في الإملاء، ويكرهون اللغة العربية والنحو وموضوعات التعبير، بل ويكتبون محادثتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بالفرانكو أراب؛ وهي استخدام الحروف الإنجليزية في كتابة اللغة العربية، وما زال الوضع في مناهج اللغة العربية حتى كتابة هذه السطور بنفس الفكر العقيم، فكر تكديس المناهج، ولا أعرف من المسئول عن وضعه، هل هم رجال من الأزهر، أم علماء في اللغة العربية؟ وهل هم تربيون ويعيشون زماننا أم قادمون من زمن آخر؟

إن قرار تقليل حشو وتكدس المناهج الدراسية؛ سواء بدمج بعض المواد وإلغاء بعضها ونقل بعضها إلى خارج المجموع هو أول قرار صحيح في مجال التعليم تم اتخاذه منذ عقود طويلة؛ كخطوة إيجابية على طريق طويل لإصلاح التعليم، ولا يقلل من أهمية هذا القرار كون وزير التعليم هو من ثار عليه لغط كثير؛ بسبب شهادة الدكتوراه التي حصل عليها، فأنا أرى أن قرار القضاء على حشو المناهج توجه وفكر دولة وحكومة في المرحلة القادمة، وليس فكر الوزير فقط.

كلمات البحث
الأسعار والتعليم في حوار الرئيس

كعادة الحوار مع الرئيس السيسي جاءت كلماته وإجاباته - في حواره مع الإعلامي أسامة كمال - عفوية تلقائية تعبر عن مصداقية وبساطة في التواصل مع المصريين، وتؤكد

مافيا الأدوية تبتز المصريين

لا يختلف أحد على أهمية توافر جميع الأدوية في الأسواق، وأن تختفى ظاهرة نقص بعض الأدوية المهمة، ولاسيما التي ليس لها بديل، بسبب توقف الشركات عن إنتاجها؛

الأكثر قراءة