حروب استنزاف تحت السيطرة

28-8-2024 | 12:42
الأهرام العربي نقلاً عن

كان قرارًا إستراتيجيا، تم اتخاذه من قبل مراكز تفكير مجنونة، فالحرب العالمية بالنمط القديم خطيرة على الجميع، فبدلا من صدام الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، وتمتلكها قوى عظمى على المسرح الدولي، خططوا لإدارة معارك صغيرة هنا وهناك.

 معارك صغيرة ناعمة كالثورات الملونة، وإذا ما فشلت، يمكن تحويلها إلى معارك صغيرة خشنة، وإذا ما تحولت إلى معضلة، يمكن خوض معركة كبرى سريعة، وإن لم تكن ساحقة وسريعة، ثم استدعاء الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وإرسال المبعوثين الدوليين إلى مسارح العمليات، وهكذا دواليك.

المثال الواضح وقع فى دول الإقليم العربي: تونس، ومصر، وليبيا، واليمن وسوريا، والسودان، والعراق، ويستطيع أى متابع أن يتذكر الأحداث بدقة، فلا تزال تراوح مكانها، كحالة إغراق، واستنزاف، ضمن قرار إستراتيجي، وصل ذروته فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بارتكاب إسرائيل لإبادة جماعية، لم تحدث حتى فى الحرب العالمية العظمى، مع اتخاذ قرار آخر بإبادة القضية من جذورها، بطرد السكان الفلسطينيين من بلادهم الأصلية، وترحيلهم إلى بلاد أخرى.

اتخاذ دول الإقليم العربى كميدان رخو للثورات الملونة أو الحروب الصغيرة، كان اختيارًا سهلًا، لتخويف قوى أخرى قد تطمح لقيادة العالم، وجاء كنتيجة طبيعية للاستنزاف السياسى والاجتماعى والثقافى الذى شكلته إسرائيل منذ ثمانية عقود فى قلب المنطقة العربية، وأيضًا جاء كنتيجة حتمية لعدم انخراط دول الإقليم العربى فى الثورات الصناعية المختلفة، وتخلفها عن دخول الحداثة، وحماية أنفسها من تغول القوى الكبرى الطامحة فى زعامة العالم.

زعامة العالم فكرة قاتلة، تجلب الحروب والاصطدام الدائم، وبعضهم يجد لها مبررًا دينيًا أو تراثيًا، وبعضهم يؤمن بالعدمية السياسية، ويرى أن إشعال الحروب هو نسيج طبيعى لحيوية المجتمع الدولي، وإن كانت كذلك، فمن واجب دول الإقليم العربى حماية وجودها الذى بات على المحك.

قرار حروب الاستنزاف وصل إلى العرق السلافي، روسيا وأوكرانيا، أخوة الدم والثقافة والدين والعقائد، وقع الصدام وقد لا ينتهى فى الأفق القريب، فما يدور على مسارح العمليات من كر وفر يأتى بهدف استنزاف هذا العرق القديم، فبعضهم يراه خطيرًا على قلب أوروبا، فإذا كانوا يدعمون كييف الأوكرانية الآن، فغدًا قد يدعمون موسكو الروسية من أجل إطالة أمد الحرب، ولا ننسى أن أوكرانيا كانت مهدًا لثورة ملونة، أتت بالذين يحكمون الآن، وكان عليهم رد الجميل بإشعال حرب حدودية مع روسيا القيصرية.

سأل دونالد ترامب مرة، لماذا يتوسع حلف الناتو، مع عدم وجود أحلاف منافسة، فقد انفض سامر حلف وارسو السوفيتى منذ عقود؟

 بالطبع لا محل للسؤال من الإعراب لدى التيار الذى يرغب فى التوسع، وزعامة العالم، عبر إغراقه فى فوضى لا تتوقف.

سياسة الاستنزاف هذه، ليست فى ميادين القتال وحدها، بل فى ميادين الاقتصاد والثقافة، ونعتقد أن الميدان الاجتماعى أصابته أمراض مزمنة، تتراوح بين القلق والخوف من المستقبل.

زعامة العالم بالقوة والقسوة والحديد والنار لن تجعل أى قوة قادرة على السيطرة، والذين يؤمنون بعقيدة الزعامة قادمون من حقب مظلمة، ومن قبل حاول الرومان، وحاول المغول، وحاول غيرهم، كانت النتيجة خرابًا فى الأرض وليس إعمارًا.

 إن محاولة إثبات الذات بالقسوة، أو التعالي، ونزعة التفوق، ستفضى إلى نهاية حتمية لمسيرة الحضارة.

حان الوقت، ليتوقف أصحاب هذه النزعة عن السباحة، فمستنقع حروب الاستنزاف لا نهاية له.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: