نجاح فاطمة سعيد وحضورها فى العالم هو نجاح حقيقى ومكتمل
موضوعات مقترحة
قبل عدة أشهر، حضر أحد أصدقائى الصحفيين حفلا فى بروكسيل لمغنية الأوبرا العالمية المصرية فاطمة سعيد، تزامن مع انعقاد اجتماعات الاتحاد الأوروبى، وظل بعدها لا يكف عن الإشارة إلى جماليات صوتها وقوة حضوره، كما تحدث عن اهتمام الإعلام الغربى، بها كمغنية تمثل أحد أهم عناوين المستقبل فى عالم الغناء الأوبرالى فى العالم.
على عكس ما يحدث فى مصر والعالم العربى، فإن الغناء الأوبرالى يحظى فى العالم باهتمام مؤسسات عالمية كبرى ترعى نجومه، كما تفسح المجال أمامهم، ليكونوا فى مصاف النجوم الأكثر شهرة، وكلنا يعلم أن مغنى الأوبرا الأسطورى بافاروتى، ظل لسنوات طويلة حاضرا كنجم، لا تقل شهرته عن أى نجم فى المجال الأكثر جماهيرية.
فوز فاطمة سعيد بجائزة الثقافة الأوروبية لهذا العام، لم ينل الاهتمام الذى يستحقه، فقد تم تتويجها بالجائزة عن فئة الموسيقى فى حفل كبير فى لوكسمبورج، كما شاركت سعيد فى عدة حفلات ضمن كونسير باريس المصاحب لدورة الألعاب الأوليمبية، لكن هذا النجاح لم يلفت نظر أحد.
كما لم يلفت نظر أحد أنها الفنانة المصرية الأولى، التى تغنى فى قاعة "ألبرت هول الملكية"، التى تعد أحد أهم القاعات الموسيقية فى أوروبا، وتتسع لـ 5267 متفرجا، وافتتحت فى عهد الملكة فيكتوريا عام 1871.
غنت فاطمة هناك فى أغسطس 2020، كما حصلت بعدها على واحدة من أرفع الجوائز على مستوى العالم، من مؤسسة ألمانية اسمها "أوبوس كلاسيك" كأفضل فنانة شابة.
رقصة المتحف
فى حين اهتم المصريون بفيديو قصير تم بثه العام الماضى، أظهرها وهى ترقص خلال حفل قدمته من داخل المتحف الكبير، بمصاحبة قائد الأوركسترا نادر عباسى، فإنهم تجاهلوا نجاحاتها المتواصلة تماما.
فى ذلك الحفل أمسكت فاطمة بالعصا، وأدت فاصلا من الرقص البلدى على المسرح، بعد أن غنت أغنية عن مصر كانت تؤديها عفاف راضى، آنذاك أثار الفيديو عاصفة من الانتقادات ودار حوله الكثير من الجدل، وزاد من حالة الاستقطاب بين المتابعين لها، وبينما رأى البعض أن رقصتها تخل برفعة فن الأوبرا، وقواعده الصارمة، فإن أصواتا أخرى رأت فى الفيديو انفعالا متوقعا من فتاة مصرية، عاشت أغلب سنوات عمرها فى أوروبا ومن ثم، فإن رقصتها فائض من شحنة عاطفية يمكن قبولها، خصوصا أن حفلها كان هو أول حفل غنائى يقام من داخل المتحف الكبير الذى يترقب العالم افتتاحه، الأمر الذى زاد من شعورها بالفخر والامتنان.
لم يتقبل الفنان محمد صالح، عازف البيانو السابق بأوركسترا القاهرة السيمفونى، ما جرى فى ذلك الحفل بسهولة، لكنه يشعر بفخر كبير بما أنجزته فاطمة سعيد فى مجالها إلى الآن، كما لا يتوقف عن كتابة تعليقات معبرة عن دعمه لمسيرة هذا الصوت الاستثنائى كما يؤكد.
حين سألته عن رأيه فى الحالة التى تجسدها فاطمة سعيد، فى العالم الآن قال: "خامة صوتها مخملية ناعمة، والنغمات فيه ناصعة جداً، كما أنها لا تستعمل آلة "الفيبراتو"، بشكل مبالغ فيه، لذلك فإن نغمات صوتها حقيقية جداً ودقيقة جداً."
و(الفيبراتو) لكى نفهم أكثر هو تأثير موسيقى، يتمثل فى تغيير متقطع منتظم فى حدة الصوت بسبب الاهتزازات الناتجة عن تغيير النغمات، ويستخدم عادة لإضافة التعبير بمقطع غنائى أو معزوفة موسيقية، وهو يتميز بعاملين: كمية تغيير حدة الصوت والسرعة التى تتغير بها الحدة، كما يمكن التحكم فى الفيبراتو، أثناء الغناء عن طريق تغيرات على مستوى الحنجرة، ويمثل الفيبراتو فى الآلات الوترية، وآلات النفخ تقليدا لهذه التقنية الصوتية.
يرى صالح، أن جانبا أساسيا فى نجاح فاطمة سعيد، يرجع لفترات الإعداد التى خاضتها فى الطفولة داخل المدرسة الألمانية، التى تخرجت فيها تحت رعاية فنانة الأوبرا البارزة نيفين علوبة، وهى فنانة ذات ثقافة موسيقية معتبرة وراسخة، كما أن سعيد طعمت تجربتها بعد ذلك بالدراسة فى إيطاليا، وعملت مع عازفين كبار لديهم خبرات واسعة مكنتها من أن تغنى على خشبة المسرح، بثقة حقيقية إلى جوار فنانين ومغنيين مخضرمين، وبفضل إجادتها لعدد من اللغات إلى جانب قدراتها الاجتماعية، نجحت فى عمل "خليط "خاص بها وحدها، جعلها تجد نفسها، وتملك هويتها الموسيقية المميزة، وساعدها صوتها وغناؤها المختلف والمتفرد على ذلك .
كاريزما الصوت
الميزة الثالثة التى تلفت نظر محمد صالح فى أداء فاطمة سعيد، أنها ذات "طلة"، مميزة على المسرح، لها حضور وكاريزما وقدرة على السيطرة على القاعة الموسيقية بشكل واضح، وأكثر وهذه المسألة ليست هينة، كما يقول مؤكدا، أن فاطمة سعيد فنانة كبيرة وناضجة ومستقبلها عريض ومشرق.
وأنا أتابع مسيرة فاطمة سعيد، خلال عملية بحث طويلة لفتنى، أنها لم تقدم أى حفل على مسارح دار الأوبرا المصرية، برغم أنها تلقت أكثر من دعوة للغناء فى دار الأوبرا، عبر المايسترو المخضرم الدكتور أحمد الصعيدى، كما دعتها الأوبرا أكثر من مرة، لكنها قابلت الدعوات بالاعتذار من قبل الفنانة، وهو موقف يثير الكثير من التساؤلات على الرغم من أنها نالت عدة تكريمات رسمية، فقد مثلت مصر فى اليوم العالمى لحقوق الإنسان عدة مرات، وفى عام 2016، كانت أول مغنية أوبرا تحصل على جائزة الإبداع من مصر، كما تم تكريمها من قبل المجلس القومى للمرأة فى نفس العام.
إلى جانب النجاح الذى تحققه فاطمة سعيد، يتوقف صالح أمام تجارب فنانين آخرين من مصر، حققوا نجاحات مماثلة فى مجالات الموسيقى والغناء الأوبرالى الرفيع، ويذكر من بينهم: ماجدة عمارة ( ابنة الكاتب الصحفى سامى عمارة )، وهى عازفة بيانو كسبت فى 11 مسابقة دولية فى السنوات الأخيرة، فضلا عن العازف كريم صالح فى أوركسترا برلين الفيلهارمونى، يحظى بنجاحات كبيرة، كما يلمع اسم محمد شمس الدين، وهو عازف بيانو، عزف فى كارنيجى هول، كما توجد أيضا جالا الحديدى (الميتزوسوبرانو صوليست فى أوبرا دريسدن)، وهناك أشرف سويلم - باريتون صوليست فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالمثل نجح جورج ونيس، وهو تينور صوليست فى فرنسا، فى إثبات تميزه وخلال السنوات الأخيرة، حققت أميرة سليم وهى سوبرانو صوليست شهرة فى فرنسا، زادت بعد أن غنت فى موكب المومياوات، وتحصد عازفة الكمان أميرة أبو زهرة، نجاحات لا تحصى فى أوبرات العالم كلها، وتخطو خطوات ناجحة جدا مع شقيقتها، فى ظل رعاية والدها الفنان أحمد أبو زهرة، كما وضعت فرح ديبانى نفسها فى مكانة بارزة فى عالم الموسيقى .
يرى صالح أن هؤلاء وغيرهم لا يبحثون عن ألقاب من نوعية "بطل العالم فى السوبرانو/ البيانو/ البطيخ"، لكنهم فنانون جادون ومحترمون بالمعايير الدولية، وموجودون فى المحافل الدولية بنجاح كبير برغم تجاهلهم فى الإعلام المصرى.
الإبحار فى لغات عديدة
نصحنى محمد صالح بالعودة إلى مقال كتبه الناقد/ سيباستيان سكوتنى على موقع "مكتب الفن"، تعليقا على حفل قدمته فاطمة سعيد فى قاعة ويغمور بلندن، عقب انتهاء الحظر الذى جاء بعد جائحة كورونا بمصاحبة البيانيست/ جوزيف ميدلتون الذى يرافقها فى أغلب حفلاتها لاحظ الناقد المعروف أن غناء فاطمة كان بالكامل من الذاكرة، وذكر أن سعيد تتمتع بشخصية مسرحية مفعمة بالحيوية.
وحسب الترجمة التى أعدها محمد صالح للمقال، فإن لفاطمة، تلك العيون اللامعة الرائعة، والصوت الذى يمكن أن يملأ القاعة، دون أدنى عناء، لكن المثير للدهشة هو سماع برنامجها الموسيقى المتسع، الذى يؤكد قدرتها المذهلة على سبر أغوار جديدة، وإتقانها جميعا بنفس الدرجة".
يؤكد الناقد أن قدرات سعيد اللغوية المتعددة، أمر يميزها حقا، فألبومها الذى يحمل اسم "النور"، يتضمن أغنيات باللغتين الإسبانية والعربية، وبالتالى، فإن ما تنجزه هو رحلة أيضا إلى كل اللغات.
من جهته يؤكد المايسترو هشام جبر، أحد قادة أوركسترا القاهرة السيمفونى، أن نجاح فاطمة سعيد وحضورها فى العالم، هو نجاح حقيقى ومكتمل، كما أنها تصنع قفزات فى مسيرتها خلال فترات وجيزة، بفضل إمكاناتها الرائعة وثقافتها الموسيقية الواسعة، لافتا النظر إلى أنها خلال سنوات قليلة فقط ظهرت على العديد من المسارح الدولية، بما فى ذلك مسرح سان كارلو (نابولي)، ودار الأوبرا الحكومية فى هامبورج، ودار الأوبرا الملكية فى مسقط، وأوبرا ويكسفورد فى أيرلندا، وجيواندهوس فى لايبزيغ، وفيينا كونزرتهاوس، ورويال ألبرت هول، وكارنيجى هول.
وفى مسيرتها أكثر من 30 جائزة عالمية، لذلك فإن السؤال الذى ينبغى أن نسأله: "مين اللى ما يحبش فاطمة".