Close ad

قضايا الوطن وصناعة المحتوى

26-8-2024 | 16:39

مما لا شك فيه، فقد صارت الوسائط الجديدة وتطبيقات الاتصال صوتًا وصورة مكونات رئيسية ولها تأثيرها الملحوظ في المجتمعات على اختلاف ثقافاتها، هذا التأثير الذي يكون بالسلب أحيانًا كثيرة، من خلال محتوى زائف يعمد إلى نشر الأكاذيب كجزء من حروب الجيل الرابع والخامس التي تتحرك باتجاه استغلال كل الوسائل، لإحداث خلل في العلاقة بين مكونات الدول شعوبا وحكومات.

لكن بالقدر ذاته وأكثر فإن هناك تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا استطاع صناع المحتوى في العالم أن يحدثوه في مجالات عديدة، ومنها على سبيل المثال الترويج السياحي لبلادهم، كما أن جانبًا مهمًا متعلقًا بالقضايا الوطنية والدولية استطاع صناع المحتوى أن يكون لهم تأثير مباشر وملحوظ فيه، وهو ما بينه بوضوح رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني الذي استقبل مجموعة من صناع المحتوى الذين يشاركون في مؤتمر "طريق الطوفان"، الذي استضافته العاصمة العراقية بغداد، هذا المؤتمر الدال والمواكب للقضية الفلسطينية في أكثر أوقاتها إلحاحًا، وبالنظر إلى المكتسبات النظرية للقضية الفلسطينية، وعلى الرغم مما يبدو عليه الواقع من ثبات، خصوصًا فيما يتعلق باستمرار الحرب الشرسة والقذرة واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشباب، واستمرار مسلسل الدمار في قطاع غزة وإمعان الاحتلال في بناء المستوطنات، فإن فارقًا جوهريا في مسار القضية العربية قد تغير من خلال أطراف جديدة صارت جزءًا من المعادلة، وهي الحراك الجماهيري على مستوى العالم؛ حيث إن معظم شعوب العالم أصبحت في قلب الحدث ورأينا تأييدًا شعبيًا لحقوق الفلسطينيين في وطنهم التاريخي، وتنديدًا بالممارسات الإجرامية في حقهم من قبل الكيان المحتل والمختل معًا، ما ترتب عليه تحركات رسمية دولية؛ منها حكم المحكمة الجنائية بملاحقة رئيس وزراء الاحتلال، وتوجيه الاتهام من قبل محكمة العدل للكيان بضلوعه في ممارسة الإبادة الجماعية، واعتراف دول غربية وأوربية بدولة فلسطين، فإذا كانت كل هذه الوقائع، مجرد نتائج نظرية، غير أنها تمثل نقلة نوعية في مسار وتاريخ قضية الوطن العربي كله، لأن انتهاكات الاحتلال ليست جديدة، بل عمرها من عمر النكبة، والجديد أن شعوب العالم لم تكن على هذا القدر من الوعي بالواقع الفعلي، وكان الكيان المحتل يكتسب تأييدًا مطلقًا، بعكس ما يحدث الآن، وبعد نقل صورة واقعية للجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، وكشف زيف الإعلام الغربي المتواطئ طوال الوقت، الذي أسهم بشكل كبير في تبرير وتمرير العدوان. 

ولأن الواقع الفعلي هو عجز وتواطؤ المجتمع الدولي الرسمي في اتخاذ مواقف توقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين، مع محاولات اختزال قضية فلسطين في فكرة التطبيع والرضا بالأمر الواقع، فإنه بفضل مجموعة ليست قليلة من المدونين وصناع المحتوى من أصحاب الضمائر الحية، تم نقل الصورة الحقيقية التي تفضح الحرب وبشاعة الجرائم التي يرتكبها المحتل، وصار الرأي العام حول العالم يتلقى معلومة حقيقية واضحة دون تزييف، فلا نبالغ في ظل حالة الجمود الدولية حيال ما يحدث رغم اتضاح الحقائق، أن نرى هذا الموقف الكبير والمشرف من قبل ناقلي الواقع الحقيقي عبر منصاتهم، العابرة للحدود، وقدرتهم على اكتساب القضية الفلسطينية أرضية شعبية كبيرة، بتسليط الضوء على ما يجري، خصوصًا وقد ارتقى من الشهداء صحفيون ومدونون أبرياء وهم ينقلون الحقائق والأحداث، وقد تعرض كثيرون منهم إلى مضايقات في الغرب بسبب مواقفهم. 

ومثل تلك التجارب تمثل أحد الأسلحة المتاحة لمواجهة الظلم الفادح، وقد تم تكسير النمط ودحض القصة الصهيونية المتوارثة حول الاضطهاد ومعاداة السامية وأرض الميعاد وغيرها، لصالح حقيقة واحدة هي الاعتداء على الأرض من قبل الصهيونية وممارسة القتل والتشريد.

وفي سياق التجربة العراقية التي يقودها سياسي مخضرم وواعٍ مثل شياع السوداني، فإنه يشير إلى أن موقف الدولة والشعب موقف واحد متماسك نحو السعي إلى وقف العدوان، ويدلل على هذا التأثير الفاعل لصانع المحتوى، بأن العراق قد شهد تجربة سابقة للمدونين في إسهامهم في كشف جرائم داعش، حيث إن استمرار الجرائم يدعمه جزء كبير من محاولات إخفاء الحقائق، لذلك يؤكد السوداني توجه الحكومة العراقية إلى وضع تشريعات لحماية المدونين وإسناد عملهم في إطار من القانون ودعم المصداقية.

وإذ أثنى على هذا التوجه، يجدر التأكيد مجددًا على تحقيق ضمانة المصداقية؛ لأنه كما ذكرت وكما هو معلوم بالضرورة أن الجوانب السلبية في هذا المجال الذي يفرض نفسه موجودة كذلك، وقد عانينا كثيرًا من بث الشائعات ومحاولات الإيقاع بالدول في براثن الفتنة، لكن ولأننا أمام قضية عربية قومية، فإننا بحاجة إلى توحيد الجهود ودعم الجوانب الإيجابية لصناعة المحتوى في مناصرة قضايا الوطن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: