Close ad

الهبوط التدريجي للفائدة

25-8-2024 | 17:38

تستخدم البنوك المركزية ما لديها من أدوات السياسة النقدية في مواجهة التقلبات الاقتصادية وتحقيق استقرار الأسعار، وهو ما يعني انخفاض التضخم واستقراره، وتحدد البنوك المركزية في كثير من الاقتصادات المتقدمة والنامية أهدافًا صريحة للتضخم، مستخدمة في ذلك أسعار الفائدة كإحدى أدوات السياسة النقدية.

وعندما تنتهج البنوك المركزية سياسة نقدية تيسيرية، فإنها تخفض أسعار الفائدة، وعندما ترفع أسعار الفائدة، فإن السياسة النقدية في هذه الحالة تكون متشددة ومُقيدة.

وقبل أكثر من عامين اتبعت معظم البنوك المركزية حول العالم سياسة نقدية متشددة لكبح جماح التضخم، الذي وصل إلى أعلى مستوياته خلال عقود.

وكانت هناك أسباب عدة في الصعود التاريخي للتضخم منها الاختناقات في سلاسل الإمداد العالمية بسبب جائحة كوفيد -19 نتيجة تدابير الإغلاق العام والقيود على حرية حركة الأفراد والسلع والبضائع.

كما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، مما أسهم في زيادة معدلات التضخم عالميًا، نظرًا لأن الدولتين من كبار مصدري السلع الأولية الرئيسية.

وفي سبيل ذلك اضطرت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة إلى رفع أسعار الفائدة لمستويات قياسية لكبح جماح التضخم،
قبل أن تستقر في الفترة الأخيرة، بل واتجهت بعض البنوك إلى خفضها.
 
معركة التضخم
يبدو أن البنوك المركزية حول العالم حققت تقدمًا كبيرًا في مكافحة التضخم؛ ففي يوليو الفائت، تراجع متوسط معدل التضخم في العالم إلى 2.9% مقارنة بـ 9.4% في الشهر ذاته من 2022، وهو أعلى معدل منذ عام 2008، وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن هذا التراجع كان على نطاق واسع، إذ انخفض حاليًا في 90% من البلدان عما كان عليه في يوليو 2022.

فمنذ بلوغ التضخم ذروته في عام 2022، شهد تراجعًا على مستوى العالم نحو المستويات المستهدفة من البنوك المركزية في العديد من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وأسهم انخفاض أسعار السلع الأولية بنحو 40% بين منتصف عام 2022 ومنتصف عام 2023 بأكثر من نقطتين مئويتين، من الانخفاض العام في معدلات التضخم العالمي بين عامي 2022 و2023. 

وظلت أسعار السلع الأولية في نطاق محدود حتى الآن هذا العام، مما أدى إلى تقييد الضغوط الخافضة للتضخم، وفي الوقت نفسه، ظل التضخم في أسعار الخدمات الاستهلاكية مرتفعًا على نحو ثابت هذا العام في الاقتصادات المتقدمة، على الرغم من التقارير الأخيرة التي تشير إلى تراجع التضخم العام بوتيرة أسرع قليلًا في بعض الاقتصادات الكبرى.
 
اتجاه نزولي
شهدنا في الأشهر الأخيرة اتجاه بنوك مركزية في الاقتصادات المتقدمة نحو تسهيل السياسات النقدية عبر تخفيض أسعار الفائدة، بعد سنوات من السياسة النقدية المتشددة ومستويات الفائدة المرتفعة.

البداية كانت من البنك المركزي السويسري الذي خفض سعر الفائدة في مارس بمعدل 0.25%، تبعه المركزي السويدي بالمعدل نفسه في مايو، ثم بنك كندا المركزي الذي خفضها ربع نقطة مئوية في يونيو.

كما خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة للمرة الأولى في أكثر من أربعة أعوام ونصف العام، في يونيو، تلاه بنك إنجلترا المركزي مخفضًا الفائدة ربع نقطة في أغسطس الجاري.

وأخيرًا أعطى البنك المركزي الأمريكي، إشارة واضحة إلى الاتجاه النزولي الذي سيسلكه في الفترة المقبلة بعد عامين مرهقين من التضخم وسعر الفائدة المرتفعين.

ويبدو أن الأميركيين على وعد بتقليص أسعار القروض، إذ قدم جيروم باول رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، في نهاية مؤتمره السنوي في جاكسون هول، بولاية وايومنغ الأمريكية، تأكيدًا قويًا أن تخفيضًا في أسعار الفائدة قادم الشهر المقبل.

باول شدد يوم الجمعة الماضي في كلمته بالمؤتمر على أن الوقت قد حان لكي يخفض المجلس أسعار الفائدة بعد اقتراب التضخم من الوصول إلى الهدف البالغ 2% الذي يسعى إليه البنك، وهو ما يمثل اتجاهًا صريحًا نحو تيسير وشيك في السياسة النقدية.

وهذه الخطوة تشكل علامة فارقة مهمة في معركة الفيدرالي الأمريكي التاريخية لكبح التضخم، بعدما باتت ضغوط الأسعار تحت السيطرة، وسوق الوظائف تعمل بوتيرة أبطأ هذه الأيام مقارنةً بالسنوات الأخيرة.

وإذا فعلها الاحتياطي الفيدرالي وخفض أسعار الفائدة في اجتماعه الشهر المقبل ستكون المرة الأولى له منذ نحو أربعة أعوام، بعدما وُجهت انتقادات بالتمادي في مخاوفه من التضخم المرتفع ما دفع الاقتصاد الأكبر في العالم إلى حافة الركود.

فالعاصفة التي شهدتها الأسواق العالمية بداية الشهر الجاري عقب نشر تقرير الوظائف الأمريكية أثارت العديد من التكهنات بشأن قيام الفيدرالي بخفض تدريجي للفائدة، والانتهاء من حقبة التشديد النقدي التي ارتفعت معها أسعار الاقتراض إلى 5.3%، وهي الأعلى خلال عقود.
  
الاقتصادات النامية
تتجه البنوك المركزية في معظم الاقتصادات المتقدمة نحو تسهيل السياسات النقدية، بيد أنه ينبغي لها أن تأخذ في الاعتبار ضرورة تحقيق المزيد من الاعتدال في أسعار السلع والخدمات التي قد تتحرك صعودًا بصورة بطيئة، وعلى هذه البنوك أيضًا أن تتيح مجالًا للمناورة وحرية الحركة في حالة تحقق مخاطر من شأنها زيادة معدلات التضخم.

وخلاصة القول، قد يكون لدى البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى أسباب وجيهة للاستمرار في خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة، لكن من غير المرجح أن تقوم البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة بشكل حاد حتى تقتنع بأن معدل التضخم سيعود إلى المستويات المستهدفة على نحو ثابت؛ ويعني هذا أن السياسة النقدية ستظل تقييدية، مما يعني أن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قد تواجه ظروفًا ائتمانية عالمية متشددة لبعض الوقت.

وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الاضطرابات المحتملة في أسواق الطاقة العالمية وسلاسل الإمداد إلى إطالة أمد المعضلة الذي تواجهه العديد من البنوك المركزية، وهي كيف يمكن خفض معدل التضخم لتحقيق المستوى المستهدف وضبط إيقاع الهبوط الهادئ.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة