Close ad

حكايات من الواقع: قتلت ابنى حبا..!

25-8-2024 | 15:14
حكايات من الواقع قتلت ابنى حباصورة تعبيرية
خالد حسن النقيب

أنا رجل قدرت لي الحياة أن أعيشها صراعا لا ينقطع أحمل على يدي أحلامي وخيالات وآمال المستقبل بإرادة قوية أعمل على تحقيقها بإقدام مثابر غير خامل.

موضوعات مقترحة

 ولدت في بيئة فقيرة لأب معدم لا يملك من حطام الدنيا غير ساعدين يعمل بهما في المعمار كادا منهكا ليكفينا أنا وإخوتي

أود الحياة وكنا قانعين بالكفاف صابرين عليه غير أن الفقر لم يكن يقف عقبة أمام طموحاتي فقد كنت مثابرا إلي حد كبير أذهب مع والدي في إجازة المدارس بالصيف أعمل رغم نعومة أظافري وأوفر من شقاء أربعة أشهر الصيف ما يكفي نفقات دراستي كل عام حتي أنهيت دراستي الثانوية بتفوق أهلني لدراسة الهندسة وتخرجت فيها بتفوق أيضا.

أصبحت مهندسا كما حلمت وحاربت الدنيا كي أحصل علي فرصة عمل في شركة من شركات المقاولات الكبري دون وساطة من أحد وتمكنت خلال فترة وجيزة من العمل أن أكون مميزا في الشركة بل وهيأت لنفسي مكانة اجتماعية محترمة, وبقدر طموحي لم يكن بي خجل من جذوري البسيطة ولم أتجاهل أبوي يوما بل كنت بارا بهما أصل الرحم مع أشقائي حتي عندما تزوجت من مهندسة زميلة لي تفاخرت بأسرتي الفقيرة أمام أهلها وبقصة كفاحي وبدأت حياتي سعيدا مع زوجة أحببتها وأحبتني شاكرا حامدا للمولي عز وجل كثرة نعمه علي أن بوأ لي من الحياة ما حلمت به وأكثر ولكن السنوات مضت واحدة تلو الأخري وأيامي علي وتيرتها من العمل والصراع اليومي مع الدنيا دون أن يأتي طارق لحياتنا يبعث فيها الأمل من جديد.

كنت وزوجتي نرسم الأمل وننتظر قدوم طارق السعادة, طفلا يملأ الدنيا من حولنا بهجة وأملا ولكنه لم يأت وبات يقينا أن الدنيا التي أعطتنا كل شيء بدأ عطاؤها يجف وولت لنا ظهرها.. وبدأنا رحلة البحث عن أمل نلهث في دائرة مفرغة عبر عيادات الأطباء والمستشفيات ودوامة التحليلات والأشعات وفي كل مرة نصل إلي طريق مسدود فزوجتي الأمل لديها منعدم في الانجاب.

تقبلت الأمر صابرا محتسبا ولكني تعاملت معه سريعا بإرادة التحدي التي عركت بها الحياة وحققت فيها كل ما أريد حتي لو كان مستحيلا, لم أركن للحب ومشاعر الصدمة التي أحاطت بزوجتي يأسا وحسرة وواجهتها صارما برغبتي في الزواج من أخري طلبا للإنجاب ولم أدع لها فرصة تخيرني بينها وبين ما أريد فقد قلت لها إنها في حل مني إن لم تطق ذلك ولها كل ما تريد من حقوق وواجبات.. ولكنها رضخت للأمر الواقع ووافقتني علي ما أريد وباركت زواجي منكسرة مستسلمة وتكورت علي أحزانها يدميها الألم منفردة فيما انخرطت أنا في حياتي الجديدة منتظرا طارق الأمل ان يأتي.. ومضت أعوام ثلاثة ولم يأت وعبثا حاولت طبا وعلاجا في رحلة بحث جديدة علي الاطباء أن اصل إلي ما أريد.

.. وبالعزيمة والإصرار المعاند لواقع يفرض إرادته علي قررت الزواج مرة ثالثة ولكن سيناريو اليأس الخانق تكرر وباتت مرارته تحتل حلقي وتشقيني ليل نهار.

كدت أجن من تلك الرغبة الجامحة في تحقيق احتياجي لأن أكون أبا في يوم من الأيام بلا أمل.. وعدت لحبيبتي الصابرة المحتسبة أجر أذيال الخيبة والمعاندة الشيطانية نادما أتلمس أسباب السعادة التي كنت أعيشها معها قبل رحلة اليأس هذه فوجدت عندها احتضانا لعجزي.. استندت عليها كي أقف علي قدمي وأواصل حياتي مستقرا.. نجحت في أن تعيد إلي توازني ويقيني بالله وإيماني بحكمته.. وتقبلت قضاء الله وعلمت أنني كنت أبحث عن سراب ليس لي يد فيه وإنما هو بأمر الله يهب من يشاء ذكورا ويهب من يشاء إناثا ويجعل من يشاء عقيما والذي أدهشني هما زوجتاي اللتان استمرتا معي أنا الذي لا ينجب وفضلا العيش معي وزوجتي الأولي أسرة واحدة حتي لو فقدتا الأمل نهائيا في الأمومة. اعتدلت الدنيا من أمامي ورتبت نفسي أني فيها منفردا بلا عقب وهذه مشيئته حتي جاء يوم انشقت فيه السماء عن أمل جديد غير متوقع ولا منتظر فقد حملت زوجتي الأولي التي لم يكن هناك أمل في أن تنجب يوما وسرعان ما بات الأمل واقعا جديدا.. لقد أتي الطفل وكأن الله سبحانه وتعالي أراد أن يكافئني وزوجتي بعد أن سلمنا لقدرنا.. حياتي كلها تغيرت بمقدم ابني, لم يعد لي شغل شاغل غير أن أرعاه وأوفر له كل أسباب الراحة, أريد أن أعوض نفسي فيه كل الحرمان وشقاء الصبا الذي عشته, كانت أمه تخشي عليه من تدليلي وتقول لي لا تقتله بحبك وكنت أعجب من كلامها وأتساءل وهل أقتل ابني اهتماما وحبا؟

لم أحفل بنصيحتها وكنت أتلذذ اللعب معه.. أوفر له كل ما يطلب دون أن أدرك أنني أدفعه للضياع بيدي, أجل فقد كان ابني يتعامل مع أشيائه بعنف شديد وانفعالاته لم تكن منضبطة بشكل كبير وكبر عندي أن أذهب به لطبيب أو أقتنع أن قدراته العقلية قد تكون محدودة, أعماني حبي المجنون عن التعرف علي حالته أو معالجتها غير أن أمه أجرت له فحوصات طبية وعرضته علي بعض الأطباء الذين أكدوا أنه يعاني ضمورا في المخ يجعل من قدراته العقلية محدودة وعندما أخبرتني بحقيقة حالته الصحية ثرت في وجهها رافضا تصديق أي شيء وكأني أخشي القدر أو أعانده.

اثنا عشر عاما كبر خلالها فلذة كبدي وفؤادي ولكنه يبدو كطفل رضيع, أنظر إليه يملؤني الحزن وتحتلني الحسرة ولكني أبتلع مرارة أحاسيسي المضطربة وابتسم له, أزجي الوقت معه سعادة ومرحا حتي جاء يوم خبت فيه شعلة الأمل في حياتي إلي الأبد فقد انشغلت عن ابني بعضا من الوقت ولم تكن أمه إلي جواره ولست أدري ما الذي حدث غير أنه حطم جهاز لاب توب كان يلهو به وأمسك بسلك الكهرباء المتقطع وأخذ يصرخ.. هرولت إليه وأمه ولكنه كان قد انتهي, تلاشت استغاثته وخبا الصوت واحتل الصمت المقبض حياتنا برحيل ابننا الوحيد.

استوعبت الآن كلمات زوجتي التي قالت لي لا تقتل ابنك حبا, واعتزلت الدنيا أجلد نفسي وأعاقبها واصما نفسي أنني قاتل لا أستحق الحياة ولكنها لا تغادرني.

سيدي لقد قرأت قصة من الحكايات الواقعية وأحسست بعذاب صاحبها الذي يحلم بالإنجاب ولكنه لم يملك القوة التي كنت عليها أنا ويريد أن يتزوج ولكنه يخشي علي زوجته التي يحبها بجنون وأردت أن أحكي حكايتي لعله وغيره لا يعاندون الأقدار فقد عاندت دنياي طوال عمري وحققت فيها كل ما أريد وفي النهاية ضاع مني كل شيء ولم تعد الحياة نفسها ذات قيمة كي أهتم بها ولم يعد لي غير بقايا من حياة أعيشها منتظرا لحظة النهاية.

س . ع

شيء من الصبر المفعم بيقين إيماني قد يبعث الأمل متجددا في النفس ويحول بين ألاعيب الشيطان وحيله فلا يتطير العقل يأسا أو فرحا أمام مقدرات الحياة ما يؤلم منها وما يفرح, وأنت يا أخي إنسان مثابر احترفت الصبر في حياتك كفاحا مريرا حتي وصلت إلي كل ما تريده من مكانة اجتماعية تجاوزت حتي حدود أحلامك وقدراتك, وكنت حامدا شاكرا بارا بأهلك غير ناكر لهم وهذا يؤكد أن قبس النور الإيماني في قلبك عامر يضيء لك الطريق حتي عندما استطاع الشيطان أن ينفذ إليك ويدفعك تلهث وراء حلم الأبوة المستحيل لم تطرق أبوابا غير شرعية وأخذت من الأسباب التي أباحها الله لك وسيلة لتحقيق ما تريد, ولكنها حكمة الله عز وجل التي جعلتك تصل لغايتك من طريق غير الذي اخترته بل من نفس الطريق الذي هجرته يائسا ليعلمك الله القادر علي كل شيء أن المال رزق وقد وهبه الله لك والبنون أيضا رزق ولكنه أخره عنك بعض الوقت لتصبر وتحتسب ولكنك لم تستوعب الرسالة فضاع منك الأمل وتهت في الطريق الخطأ وعندما أفقت من سكرة التيه والجري وراء المستحيل واحتسبت ما أنت فيه لدي المليك المقتدر أعطاك الله الحلم وأسعدك به سنوات طوال ولكنه أراد اختبار إيمانك وصبرك بقدر جديد وهو رحيل هذا الابن الأمل وهل يكفر المرء لو استرد الله أمانته التي ائتمننا عليها؟

أفق يا أخي ولا تجعل الشيطان ينفذ لك مرة أخري فما لك يد في موت ابنك فهذا قدره وما قالت لك أمه ذلك إلا تعبيرا مجازيا عن مساوئ تدليل الطفل وتأثيرها السلبي علي شخصيته في المستقبل.

وتذكر يا أخي قول الله تعالي المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا{ الكهف:46}, ومن هذه الآية ندرك أن زينة الحياة التي وهبنا إياها الله من مال وبنون قادر علي أن يعوضنا عنها لو استردها فثب إلي رشدك وابتعد عن غي الصدمة المؤلم والمدمر أيضا واعتني بزوجاتك الثلاث فهن ثكلي ويتألمن مثلك وأكثر ولعل الله يعوضك وإياهم في المستقبل فهلا فوضت أمرك لله إن الله بصير بالعباد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة