Close ad

كيف نقرأ رسائل الإمام الأكبر لوزراء الثقافة والتعليم والشباب؟

23-8-2024 | 10:35

إذا تحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تجد نفسك أمام جراح ماهر يستأصل المرض دون ترك آثار جانبية على جسد المريض، فهو يشخص بعين العالم الحكيم المتخصص، وفي الوقت ذاته الشاعر بألم المرضى ومعانتهم، ولم لا؛ فهو العالم الموسوعي، والشخصية الفريدة التي تجمع ما بين التراث الأزهري الأصيل، والانفتاح بتعقل كبير على الفكر الحديث.

ولا أدل على ذلك من لقاءات فضيلته بثلاثة وزراء تلقى على عاتقهم مسئوليات كبيرة، ومهام عظيمة، ولا شك أن رسائله المهمة لهم ستنير لهم الطريق، وتضيف مزيدًا من زوايا المعالجة للقضايا المختلفة، قد تخفى على البعض عند اتخاذ القرار، فقد التقى فضيلته في يوم واحد بالدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، والسيد محمد عبداللطيف، وزير ‏التربية والتعليم، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، وخلال اللقاء تحدث فضيلة الإمام في قضايا عديدة تشغل بال الأمة، وأسدى للسادة الوزراء العديد من النصائح في مجالات عديدة، تبرز مدى اطلاعه وثقافته ورؤيته الثاقبة لمعالجة الأزمات والتحديات التي تتعرض لها هويتنا العربية والإسلامية، وثقافتنا المصرية.

فعلى المستوى الثقافي أكَّد فضيلته، خلال لقائه مع وزير الثقافة، ضرورة التَّصدي للأنماط الفنيَّة والثقافية الغريبة التي اجتاحت مجتمعاتنا، واستهدفت إقصاء الثقافة وتهميش دورها في بناء الإنسان وتشكيل وعيه، وجعلت الشباب العربي معزولًا عن كل ما يغرس فيه الاعتزاز بهويته الدِّينية والأخلاقية، حتى أصبح عرضة للاستقطاب، في ظل تفشي أمراض الجهل وقلة المعرفة وغياب التَّعليم الجيد والمحتوى الإعلامي الهادف، كما دعا فضيلته وزير الثقافة إلى أهمية وضع إستراتيجية وطنية لمواجهة التقهقر الثقافي والتراجع الحضاري الذي تعانيه مجتمعاتنا -وهنا لك أن تتأمل اختيار فضيلته لمصطلح التقهقر الثقافي والتراجع الحضاري- الذي أثَّر بالسلب على النشء والشباب، والخروج بمنتجات ثقافية وفنية وإعلامية تتناول وضع حلول للأزمات المجتمعية المعاصرة وتطرح رؤى قابلة للتطبيق.

وعلى مستوى التحديات التي تواجه التعليم المصري في مناهجه ومخرجاته التعليمية والتحديات التي تواجه المعلمين، فقد أكد فضيلته أن التعليم أحد أهم الأعمدة لتعزيز الهوية الدينية والثقافية لدى النشء والشباب، وهو الجدار الواقي ‏لتحصين أبنائنا من مخاطر الفكر المتطرف والغزو الثقافي، الذي يستهدف تشويه منظومة القيم والأخلاق، وتطبيع الأمراض ‏المجتمعية الخبيثة والسلوكيات التي تتنافى مع الفطرة الإنسانيَّة السليمة؛ كالشذوذ الجنسي والعلاقات الجنسية خارج إطار منظومة ‏الزواج، مشددًا فضيلته على أن التعليم في عالمنا العربي لا بد أن تكون له خصوصية وشخصية مستقلة تتناسب مع تطلعات الأمة؛ لخلق كوادر شبابيَّة قادرة على حمل راية القيادة في المستقبل، مع تأكيد خطورة الانسياق خلف ما يعرف بـ «الأنظمة والأساليب التعليمية الحديثة» التي تحمل أهدافًا غير معلنة ‏لإقصاء هويتنا العربيَّة والدينية، وضرورة التنبه لمخططات اختطاف التعليم العربي، بما يخدم أجندات الغزو الثقافي، وضرورة ‏استعادة المدرسة دورها المرموق ورونقها المعهود، وألَّا يكون التعليم عبئًا على عاتق الأسر، وأن تتضمن المناهج التعليمية ما ‏يضمن بناء وتخريج شباب قادر على التمسك بقيم الدين والأخلاق.‏

كما تطرق فضيلته لخطورة الأعمال الدرامية التي تستهدف النَّيل من قيمة العلم والمعلم، مؤكدًا أهمية توفير البيئة المناسبة لاحترام ‏المعلم وتقديره، وتقديمه للطلاب والمجتمع بوصفه قدوة وأنموذجًا، مع تشجيعه على البذل والعطاء، والوقوف أمام محاولات التجرؤ عليه ‏أو الاستهزاء بدوره.

وخلال اللقاء يتذكر فضيلته ذكرياته في طفولته قائلًا:"كان لدينا أئمة وأساتذة، وكانت أقصى أمانينا أن نصبح مثلهم؛ لما وجدناه ‏فيهم من ثقافة واحترام وحب وتواضع وإخلاص، وما زلنا نحفظ ونتذكَّر ما درَّسوه لنا، وستظل هذه الذكريات محفورة في ‏ذاكرتنا". ‏

وعلى جانب القضايا التي تخص الشباب، وتخص القضية الفلسطينية، التي تعتبر الشغل الشاغل لفضيلة الإمام الأكبر في وقتنا الحالي؛ نظرًا لما يعانيه الشعب الفلسطيني الشقيق من آلام لا يتحملها إلا شعب أيقن أنه صاحب عقيدة صحيحة صادقة، وأنه يتحمل ذلك كله من أجل الله، ومن أجل الحفاظ على أرضه ومقدساته.

وقد استقبل فضيلة الإمام الأكبر وفد اتحاد الكشافة المسلم، من المشاركين في المؤتمر الكشفي العالمي المنعقد في مصر، بحضور ممثلين عن ١٧٤ دولة، وذلك بحضور وزير الشباب والرياضة، والفريق جبريل الرجوب، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني.

وخلال اللقاء وجه فضيلته النصح للشباب قائلًا:"عليكم واجب ‏التقريب بين الثقافات وإشاعة السلام ‏بين الناس، ومشاركتكم في التعريف بآلامهم ومشكلاتهم، ولدينا أزمة ظلم على ‏الإنسان، وهدم لكل القيم الإنسانية والأخلاقية يتعرَّض لها أهل غزة في فلسطين، في ظل صمت عالمي مخزٍ، ‏ولا بد من تسخير صوتكم للتعريف بمخاطر العدوان الغاشم والمجازر اليومية التي يرتكبها المحتل، وخاصة أن الشباب جبهة مؤثرة وقادرة ‏على التعبير عن نفسها".‏

كل هذه الرسائل والنصائح واللقاءات، توضح مدى إلمام فضيلة الإمام الأكبر بما يحيط بالأمة من تحديات، واطلاعه المستمر على كل جديد يواجه فئات المجتمع المصري، والإنسان المسلم؛ بل كل ما يواجه الإنسانية من أزمات وتحديات تحول بين الإنسان وفطرته السليمة التي فطره الله عليها، وتقصيه عن عبادة الله وإعمار الأرض، والتعايش في أخوة وسلام مع أخيه الإنسان.

* أستاذ الإعلام بكلية الإعلام، جامعة الأزهر

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة