فى «مجلة الديمقراطية»، أكتوبر 2021 كتبت راشيل كلاينفيلد موضوعا طويلا، مثلما فعل كل الكتاب الكبار فى أمريكا، تحت عنوان: تصاعد العنف السياسى فى الولايات المتحدة، كانت اقتحامات الكونجرس، وحوادث القتل المجانى تملأ الأخبار والشاشات، ومواقع التواصل الاجتماعي، ما بدا معه أن المجتمع الأمريكى على شفا التفكك، وتدخلت كل الأجهزة الأمنية، ودخلت مؤسسة الرئاسة فى قضايا ومحاكم متبادلة، حيث أدت التغييرات التى طرأت على الجماعات العنيفة فى الولايات المتحدة، وفى تكوين الحزبين السياسيين الرئيسيين إلى خلق قوة كامنة للعنف ناجمة عن مجموعة متنوعة من الأحداث الاجتماعية، التى تمس عددًا من الهويات المترابطة، أو أشعلت عمدًا لأغراض سياسية حزبية، وجاء تعبير الرئيس الأمريكى، جو بايدن، عن مخاوفه من حدوث ما سماه «حمام دم»، إذا خسر المرشح الجمهورى والرئيس السابق دونالد ترمب، الانتخابات الرئاسية لصالح المرشحة الديمقراطية غير مفاجئ لأحد.
موضوعات مقترحة
يحكى الفيلم عن كمية العنف والانقسامات التى تضرب المجتمع الأمريكى خلال حرب دارت رحاها فى جميع أنحاء الولايات المتحدة بين الحكومة الفيدرالية والحركات الانفصالية.
بايدن: إذا خسر ترامب فلست واثقاً على الإطلاق من أن انتقال السلطة سيكون سلمياً
قال بايدن فى يوم الأربعاء السابع من أغسطس الجارى، إن "تلميحات ترامب خلال الحملة بأنه لن يتقبّل الخسارة يجب أن تؤخذ على محمل الجد"، مضيفاً: "إذا خسر ترامب، فلست واثقاً على الإطلاق من أنّ انتقال السلطة سيكون سلمياً"، وتابع بايدن: "إنه يعنى ما يقول. إنه يعنى ذلك عندما يقول إذا خسرنا فسيكون هناك حمام دم"، مشدداً على أنه "لا يمكن أن يكون حبّك للبلاد مشروطاً بفوزك".
هذه الأحداث وغيرها، الملايين دفعت المؤلف والمخرج "أليكس جارلاند" للتفكير فى أمريكا المقسمة فكتب وأخرج فيلم "حرب أهلية"، الذى قام ببطولته كيرستين دانست، فاجنر مورا، كايلى سباينى، ستيفن ماكينلى هندرسون، سونويا ميزونو، ونيك أوفرمان، تنبع قصة الفيلم من كمية العنف والانقسامات التى تضرب المجتمع الأمريكى، من خلال فريق من صحفيى الحرب، الذين يسافرون من مدينة نيويورك إلى واشنطن العاصمة، خلال حرب أهلية دارت رحاها فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، بين الحكومة الفيدرالية الاستبدادية، والحركات الانفصالية، لمقابلة الرئيس قبل أن يستولى المتمردون على العاصمة، حيث تواجه الحكومة الفيدرالية ، التى يقودها رئيس لفترة ولاية ثالثة، حركات انفصالية، على الرغم من ادعاء الرئيس بأن النصر وشيك، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يتم الوصول إلى واشنطن العاصمة قريبًا من قبل "القوات الغربية" بقيادة تكساس وكاليفورنيا، بعد النجاة من تفجير انتحارى فى مدينة نيويورك، تلتقى مصورة الحرب المخضرمة "لى سميث" تقوم بدورها "الممثلة كريستين دانست" وزميلها الصحفى جويل مع معلمهما سامى للذهاب معا لإجراء مقابلة مع الرئيس، وينضم إليهم سامى للوصول إلى خط المواجهة فى شارلوتسفيل، فيرجينيا، فى صباح اليوم التالي، اكتشفت لى أن جويل قد سمح لمصورة صحفية شابة بالانضمام إليهم.
بعد التوقف طوال الليل بالقرب من القتال المستمر، قامت المجموعة بتوثيق القتال فى اليوم التالى، حيث نجح رجال الميليشيات الانفصالية فى مهاجمة مبنى يسيطر عليه الموالون للرئيس، تدرك لى إمكانات جيسى كمصورة حربية، وتبدأ فى إرشادها، بينما تقوم جيسى بتصوير الانفصاليين، وهم يعدمون السجناء، تقضى المجموعة الليلة فى مخيم للاجئين قبل المرور ببلدة صغيرة، حيث يحاول السكان، تحت حراسة مشددة، العيش فى جهل سعيد بالحرب. وفى وقت لاحق، وقعت المصورة "لي" مع زملائها فى معركة قناصة وسط بقايا معرض عيد الميلاد، يسخر القناصة القريبون من تساؤل جويل عن الجانب الذى يقاتلون من أجله أو ضده، وبدلاً من ذلك يلخصون الموقف على أنه قتل من يحاول قتلهم.
بعد أحداث قتل كثيرة وتفاصيل مريرة من الصراع، الذى لا يعرف فيه أحد من معه أو من ضده، يصبح مجرد الحفاظ على البقاء حيا معجزة، المهم أنه بعد معركة بالأسلحة النارية، بين عناصر الخدمة السرية المكلفة بحماية الرئيس وبين المتمردين، يقتل فيها الرئيس الأمريكي، تخطو المصورة الشابة جيسى إلى خط النار أثناء التقاط الصور، وتلتقط موت معلمتها " لى" وهى تدفع جيسى إلى بر الأمان، تواصل جيسى دخولها إلى المكتب البيضاوى دون عاطفة، وتشاهد الجنود وهم يسحبون الرئيس من تحت مكتبه ويستعدون لإعدامه بإجراءات موجزة، أوقفهم جويل للحظات ليحصل على تصريح من الرئيس الذى يرد عليه: "لا تدعوهم يقتلونى"، بعد شعوره بالرضا، توقف جويل عن تأخير الجنود، بينما قامت جيسى بتصوير جنود الاتحاد الدولى وهم يقفون مع جثة الرئيس.
يبدأ الفيلم بمظهر جانبى للرئيس (نيك أوفرمان)، وهو يتدرب على خطاب سوف يلقيه على الشعب الأمريكي، تتشابك تأكيداته بالقوة والوطنية مع لقطات إخبارية حديثة تبدو حقيقية: وميض من معدات مكافحة الشغب، وشرطة مسلحة مثل الجنود، وحشود ضد الدروع، وجثة يتم جرها لمدة ثانيتين على الشاشة.
بدأ العمل على فيلم "حرب أهلية" فى عام 2018 تقريبًا، حيث كان "جارلاند" يراقب العالم و"يشعر بالدهشة لأنه لم يكن هناك المزيد من العصيان المدنى" المستمر، وبما أن تلك السنوات شهدت احتجاجات حول مجموعة من القضايا - مؤيدة لترامب، ومناهضة له، والسيطرة على الأسلحة، وتغير المناخ، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
يرصد الفيلم أيضا صراعا تكون فيه تكساس وكاليفورنيا حليفتين فى "الجبهة الغربية" (تنضم فلوريدا أيضًا)، ضد الحكومة الفيدرالية، لقد سمح الرئيس الذى تولى السلطة لثلاث فترات بشن هجمات بطائرات بدون طيار ضد المدنيين، وحل مكتب التحقيقات الفيدرالي، الجميع يقتلون بعضهم بعضا، كلا الجانبين لديه جيش، لا توجد أيديولوجيات يمكن تمييزها أبعد من الفوز، يخلق المخرج أليكس جارلاند موضوعا رئيسيا للفيلم يتمحور حول التغطية الصحفية للحرب الأهلية، فنرى الحرب من خلال كاميرا الصحافة، حيث يسافر الصحفيون من نيويورك المتنازع عليها، حيث يتسول السكان ويمارسون أعمال الشغب للحصول على المياه، عبر شرق الولايات المتحدة (بنسلفانيا، فيرجينيا الغربية، فيرجينيا) إلى خط المواجهة للجبهة الغربية فى شارلوتسفيل ثم العاصمة، الهدف هو تسجيل المقابلة الأخيرة مع الرئيس فى منطقة يتم فيها إطلاق النار على الصحفيين، إن تصوير جارلاند لضواحى الولايات المتحدة التى مزقتها الحرب هو مزيج من الجمال والمرعب، جثث معلقة على جسر على الطريق السريع، ومهرجان عيد الميلاد المهجور فى الصيف، انحرافات شعور الأمريكيين بالاستقرار، منتشرة ببراعة.
يتعلق الأمر أيضا، بالصراع كما شهده مراسلو الحرب، الأشخاص الذين رأوا ما يكفى منه فى جميع أنحاء العالم ليتعلموا أن ساحة المعركة هى أرضية مشتركة، وأن بلدهم ليس بعيدا عن الانقسام كما كانوا يرونه ويقومون بتغيطته فى بقاع أخرى من العالم، وأن نفس الفظائع تحدث أينما توجد مظالم وأسلحة وأشخاص على استعداد لتوجيهها نحو بعضهم البعض.
مصورة الخط الأمامى لى سميث "كيرستين دانست" تعرف هذا جيدًا، آخر شىء تراه عندما تغلق عينيها ليلاً هو مقطع فيديو من الرعب الذى حدث أمام عدسة الكاميرا خلال مسيرتها المهنية التى امتدت لعدة عقود، لقد كانت تفعل ذلك لفترة كافية لتعرف أن التواصل البصرى المباشر مع الموت يوميًا يؤدى إلى ضمور جزء معين من الروح، إنها وظيفة تأتى مع منطقة أخلاقية رمادية، كما تشرح لزميلتها المبتدئة التى أصيبت بصدمة شديدة، وقد وجدت نفسها تتصارع مع الأسئلة الأخلاقية، وكيف أن مهمتهم هى التسجيل فقط دون التورط مع أن الحرب تمس وجودهم وبلدهم.
يذهب الطاقم الصحفى فى رحلة غير مباشرة ومحفوفة بالمخاطر عبر البلاد إلى العاصمة لتصوير الرئيس وإجراء مقابلة معه، من الناحية العملية، إنها مهمة متهورة: حيث يُنظر إلى الصحفيين على أنهم مقاتلون أعداء فى العاصمة ويتعرضون لخطر إطلاق النار عليهم بمجرد رؤيتهم، لكن هذا لا يمنع صحفيين آخرين، مراسل صحيفة نيويورك تايمز المخضرم سامى (ستيفن ماكينلى هندرسون) والمصورة الطموح جيسى، من التوسل للحصول على توصيلة.
يشكل الأربعة معًا صورة مركبة للمراسل الحربى كنموذج أصلى، "لى" محترفة باردة، وأى نعومة فى شخصيتها قد اختفت منذ فترة طويلة، "جويل"، الباحث عن الإثارة هو أكثر حماسًا فى عمله، على الرغم من تقدمه فى السن وعدم لياقته البدنية، فإن سامى لا يستطيع قبول فكرة التقاعد، تشعر جيسى بالرعب والرعب لكنها لم تشعر بأنها على قيد الحياة من قبل، ويشير الفيلم إلى أن التعرض لفترات طويلة للقتال، يؤثر فى الحمض النووى للفرد.
أشهر أفلام الحرب الأهلية الأمريكية
فيلم جارلاند ليس الأول عن حروب أمريكا الأهلية، الفارق بينه وبين ما سبقه من أفلام، إنه عن حرب متخيلة، فيما حظيب الحرب الأهلية الأمريكية الحقيقية بالعديد من الأفلام، تلك التى كانت قد بدأت فى الولايات المتحدة عام 1861، بعد عقود من التوترات المتصاعدة بين الولايات الشمالية والجنوبية، حول العبودية وحقوق الولايات والتوسع غربًا، أدى انتخاب أبراهام لنكولن عام 1860 إلى انفصال سبع ولايات جنوبية، وتشكيل الولايات الكونفدرالية الأمريكية، وسرعان ما انضمت إليهم أربع ولايات أخرى، انتهت الحرب بين الولايات، باستسلام الكونفدرالية فى عام 1865، وكان الصراع هو الحرب الأكثر تكلفة والأكثر فتكًا على الإطلاق على الأراضى الأمريكية، حيث قُتل نحو 620.000 جندى من أصل 2.4 مليون جندى، وأصيب ملايين آخرون، وترك الجنوب فى حالة خراب.
وهذه أشهر عشرة أفلام عن الحروب الأهلية الأمريكية
ولادة أمة
يتتبع الفيلم بشكل كبير ثروات عائلتين متنافستين على طرفى نقيض خلال الحرب الأهلية وإعادة الإعمار، باستخدام الوجه الأسود والقوالب النمطية العنصرية وحركة كلانسمن البطولية، حيث يعلم الجمهور الحديث درسًا تاريخيًا تحاول أمريكا جاهدة إخفاءه.
ركوب مع الشيطان
بحث آنج لى مخرج جبل بروكباك المستقبلى، فى السياسات العنصرية المعقدة والمتناقضة للصراع الأكثر دموية فى أمريكا، من خلال هذه الملحمة الرائعة التى تدور حول فرقة شابة من الخارجين عن القانون، فى ولاية ميسورى الذين يقاتلون من أجل القضية الكونفدرالية.
جبل بارد
قياسا إلى الاجتياح التاريخى الكبير لفيلم «ذهب مع الريح»، تعد قصة أنتونى مينجيلا الرومانسية عن الحرب الأهلية، عبارة عن ملحمة فخمة تضم طاقمًا من النجوم، وبعض المعارك الثابتة المنسقة ببراعة، يلعب جود لو دور جندى كونفدرالى جريح يكافح من أجل العودة إلى موطن حبيبته، التى تلعب دورها نيكول كيدمان، فازت رينيه زيلويجر بجائزة الأوسكار عن دورها فى هذا الفيلم.
جيتيسبيرج
تم التخطيط فى الأصل، ليكون هذا الفيلم مسلسلًا تليفزيونيًا قصيرًا لشبكة TNT التابعة لـ «تيد تيرنر»، وأصبح العمل المضنى للمخرج رونالد ماكسويل على كتاب مايكل شارا الحائز على جائزة بوليتزر حول معركة جيتيسبيرج عام 1863، فى نهاية المطاف ملحمة سينمائية تمتد لأكثر من أربع ساعات، يضم طاقم الممثلين الضخم مارتن شين وجيف دانييلز وتوم بيرينجر، بالإضافة إلى ظهور مخرج الأفلام الوثائقية عن الحرب الأهلية كين بيرنز وتيرنر نفسه.
خارج على القانون
قام كلينت إيستوود بإخراج وبطولة هذا الفيلم الذى يعود إلى الحرب الأهلية، حيث يلعب دور مزارع من ولاية ميسورى، ينضم إلى مجموعة حرب عصابات كونفدرالية بعد مقتل عائلته على يد ميليشيات الاتحاد.
شارة الشجاعة الحمراء
هذا الفيلم مقتبس من رواية الحرب الأهلية للكاتب ستيفن كرين، قام ببطولة الدراما المذهلة فى ساحة المعركة للمخرج جون هيوستن، بطل الحياة الواقعية فى الحرب العالمية الثانية، أودى ميرفى فى دور هنرى فليمنج، جندى فى الاتحاد أصبح يائسًا يريد أن يثبت أنه ليس جبانًا بعد هجر كتيبته.
الحرب الأهلية
وضع كين بيرنز معيارًا عاليًا جديدًا للأفلام الوثائقية التاريخية من خلال سلسلة PBS التى حطمت الأرقام القياسية، حيث اجتذبت 40 مليون مشاهد بنسيجه كثيف الطبقات من تعليقات الخبراء والشعر والموسيقى واللوحات والصور القديمة. ليس فيلمًا روائيًا طويلًا فحسب، ولكنه أكثر ثراءً من معظم الأفلام الوثائقية، فهذه السيمفونية الصوتية والمرئية التى تمتد لتسع ساعات تضم طاقمًا من النجوم من بينهم سام ووترستون، ومورجان فريمان، وجيريمى آيرونز، وآرثر ميلر.
مجد
يصور الفيلم دينزل واشنطن الحائز على جائزة الأوسكار جنديًا متطوعًا فى أنشودة إدوارد زويك المثيرة للبطولة والأخوة، والتى تعتمد جزئيًا على رسائل العقيد روبرت جولد شو، الذى يلعبه دوره هنا ماثيو برودريك، حيث يشيد الفيلم بذكرى 37 ألف أمريكى من أصل إفريقى الذين لقوا حتفهم وهم يقاتلون من أجل قضية البيض، لكنه لا يخجل من إظهار العنصرية وعدم المساواة التى كانت موجودة فى صفوف الاتحاد.
لينكولن
فاز دانييل داى لويس بجائزة الأوسكار عن تمثيله المذهل لدور الرئيس الأمريكى أبراهام لنكولن فى ملحمة سبيلبرغ التاريخية الذكية، والتى تكشف ببراعة مناورات الرئيس المشحونة ونضاله من أجل تحرير العبيد فى نهاية الحرب الأهلية، على الرغم من كونه دراما سياسية مليئة بالأحاديث فى القلب، فإن لينكولن يتميز بإعادة إنشاء مذهلة لساحة المعركة فى بطرسبرغ، فيرجينيا.
ذهب مع الريح
ثلاثة مخرجين يقفون وراء فيلم ديفيد أو. سيلزنيك المبالغ فيه بشكل رائع والذى حاز على العديد من الجوائز عن الحرب الأهلية، تلعب فيفيان لى دور الحسناء الجنوبية الفخورة سكارليت أوهارا فى ميلودراما تاريخية فخمة تضفى طابعًا رومانسيًا مفرطًا على الجنوب القديم، الذى كان يملك العبيد، ولكنها تتميز أيضًا بأول شخصية أمريكية من أصل إفريقى حائزة على جائزة الأوسكار وهى «هاتى مكدانيل».
ظهرت للوجود مع الحرب العالمية الأولى
الفيلم والمعركة توءم
العنف على الشاشة هو ممارسة ندينها في حياتنا بينما نتنعم بها في الظلام
«التحالف القاتل: قرن من الحرب على الفيلم» كتاب عن سينما الحروب من تأليف ديفيد طومسون وهو مؤلف أكثر من خمسة وعشرين كتابًا سينمائيا، بما فى ذلك قاموس السيرة الذاتية للفيلم، والسير الذاتية لأورسون ويلز وديفيد أو. سيلزنيك، يدرس فيه التوتر بين العنف الحى لمعارك الشاشة الكبيرة وسلامتنا المريحة فى الظلام ونحن نندمج مع مشاهد القتل والذبح.
يعد الكتاب دراسة غنية ولافتة للنظر لهذا النوع من السينما: أفلام الحروب، إنه ليس تاريخًا أو مسحًا لأفلام الحرب، على الرغم من أن طومسون يحول نظرته المعتادة إلى العديد من الأفلام المفضلة، من كل "شىء هادئ فى الجانب الغربى" إلى "جسر على نهر كواي" إلى "إنقاذ الجندى رايان"، لكنه فى الكتاب يفعل أكثر من ذلك بكثير، حيث يستكشف كيف أصبحت الحرب والسينما فى القرن العشرين مرتبطتين بشكل لا ينفصم، ويرى المؤلف "طومسوم" أنه لم تبدأ أفلام الحرب فى الظهور إلا مع بداية الحرب العالمية الأولى، لكن فى أقل من قرن من الزمان، أحدثت تحولًا فى التجربة المدنية للحرب - والتاريخ نفسه - بالنسبة للملايين حول العالم، حيث تحظى أفلام الحرب بمكانة مرموقة، وغالبًا ما تكون من أكثر الأفلام نجاحًا فى شباك التذاكر؛ ولكن هل هناك مشكلة فى مدى استمتاع رواد السينما بتصوير العنف على نطاق واسع، مثل "نهاية العالم الآن"، أو "سقوط الصقر الأسود"، أو حتى "حرب النجوم"؟ وماذا تقول هذه الحقيقة عن أمريكا وعن ثقافتها وإحساسها المتغير بالحرب والماضى؟
فى نهاية فصل عن فيلم لبرتراند تافيرنييه تدور أحداثه بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، كتب ديفيد طومسون: "أشك فى وجود شيء اسمه فيلم مناهض للحرب"، فى سياقها، لا تبدو هذه الفكرة أكثر من مجرد ملاحظة عابرة، لكنها فى الواقع فكرة أساسية، لأن ما يكتب عنه الناقد السينمائى البريطانى هو الحرب نفسها وعلاقتنا الغامضة بها، أو على الأقل بتمثيلها فى الصور المتحركة.
لكن هل نشعر بالحزن والشفقة ونحن نجلس فى سينما مظلمة ووجوهنا مرفوعة بحماس إلى ضوء المعركة الذى يومض عبر الشاشة؟ ولماذا يفتخر الأطفال البالغون من العمر 11 عامًا بالفوضى التى تحدث هناك، وكلما زاد عدد الدماء والأجساد المشوهة كان ذلك أفضل، فيما يتطاير الرصاص وتنقطع الشرايين، وطفلنا الداخلى المبتهج يصرخ بصمت: هيا، اقتلهم جميعًا.
ومن يستطيع أن يلومنا، نحن - الأوغاد المتعطشين - للدماء؟ إن محاولة وصف ماضينا المذنب هو واجب أهملته السينما، إنها المعركة وشوقنا المجنون للإثارة، وفى حين ينبغى لنا أن نشعر بالذعر والخجل أمام حقيقة وفورية أفلام الحرب فى الأيام الأخيرة، «ففى الظلام، نحصى عدد القتلى مع الاستمتاع بمشاهدة الأفلام القتالية، لقد قمنا بتدريبنا الأساسي، كما يتضح سريعًا، فإن كتاب طومسون يدور حول الحرب ومواقف غير المقاتلين منها بقدر ما يتعلق بأفلام الحرب، هذه هى المعضلة التى يعود إليها مرارًا وتكرارًا، "أن هناك توترًا فى جميع أفلام الحرب بين الخطر الحى على الشاشة وسلامتنا الرزينة فى الظلام"، عندما ندخل السينما، نترك وراءنا إحساسنا بالمسئولية فى البهو الملىء بالفشار، وننغمس فى "الهرج والمرج العقيم لصناعة أفلام هوليوود"، فإن ساحة اللعب، أو ساحة المعركة مسطحة، دون أى أرضية مرتفعة.
فى الحرب العالمية الثانية، أنتجت السينما الألمانية دعاية هستيرية إلى جانب روايات رومانسية باهتة، لكن هوليوود فعلت ذلك أيضاً، وصحيح أنه عندما تضاءل توهج النصر بدرجة كافية، شرع صناع الأفلام فى إظهار طبيعة المعركة الحقيقية: "إذا كنت قد شاهدت فيلم "إنقاذ الجندى رايان" (1998) لستيفن سبيلبرج وتسلسله على شاطئ أوماها، فستكون لديك فكرة عن الضرر، الموت والاعتداءات على الجسد التى حدثت هناك، ومع ذلك، ألا يجعلنا مشهد "يوم الإنزال" هذا نجلس على حافة مقاعدنا، ونلهث من الإثارة الناجمة عن كل ذلك؟ إنه كذلك، "لأن العنف على الشاشة هو ممارسة نمقتها وندينها فى حياتنا، بينما نتنعم بها فى الظلام.
يعترف طومسون فى كتابه بعبقرية سبيلبرغ والموهبة الواسعة لأحد ممثليه المفضلين، توم هانكس؛ عند النظر إلى المسلسل التلفزيونى "عصابة الإخوة"، الذى أنشأه هذا "الثنائى المحبوب"، فهو يعترف بأنه يكرم "الهراء المتمثل فى أن أمريكا عبارة عن فرقة من الإخوة، لذا فإن كل شيء سيكون على ما يرام إذا بقينا"، يقول "طومسون": لقد تخلى سبيلبرغ وهانكس عن المخاطرة بأن يصبحا فنانين من أجل أن يصبحا مؤسسة.
ويرى أن أعمق درس من الحرب العالمية الثانية هو أن التمييز بين الجنود والمدنيين أصبح غير واضح لدرجة أنه لم يعد من الممكن حسابه، بل إنه يذهب إلى حد القول: "لا توجد حياة مدنية بعد الآن"، لأنه فى الحرب الحديثة يكون كل من فى منطقة الحرب معرضين للخطر بنفس القدر، وفى الأوقات الأكثر فخامة، كانت المعارك تدور فى ساحات القتال، حتى أن الجمهور خرج لمشاهدة الأحداث حاملاً المظلات، لكن بعد عام 1939 جاء مفهوم وإستراتيجية الحرب الشاملة، كما تجسدت على نحو مروع فى حصار ستالينجراد، ثم هيروشيما وناجازاكى ــ وفى عصرنا هذا، فى ماريوبول وحلب ونحن نضيف غزة.
وقد أدت الحرب الشاملة إلى ظهور فيلم الحرب الشاملة: كما فى قسوة فيلم "بلاك هوك داون" للمخرج ريدلى سكوت، وفى الدم المتناثر، والأطراف المقطوعة، والأحشاء المنسكبة، تم عرضه لأول مرة فى تلك السنة المشئومة، 2001.
أفلام الحرب جزء كبير من السينما فى قرن الحرب من عام 1914 حتى الوقت الحاضر، شيء ما فينا، بعض الشوق المظلم الذى لا يمكن تحقيقه فى نهاية المطاف، يتغذى من الصور التى تظهر على الشاشة لجنود يذبحون بعضهم بعضًا، وآلات تذبح جنودًا، ومدن تسقط..
يكتب المؤلف أن هدفه من الكتاب هو "وصف كيف أن ما نسميه وسائل الإعلام قد رسمت نظام المعركة وحولتنا من مواطنين غاضبين إلى متفرجين لا حول لهم ولا قوة، فى مكان ما بين الأمان والعجز". ولا شك أن الأمر كذلك، لكن فى هذا التحالف القاتل، بين السينما والحرب نحن مستعدون، بل أكثر من راغبين، فى التعاون.