في كل عام من شهر أغسطس وبالتحديد في التاسع عشر منه يحتفي العالم بأسره باليوم العالمي للعمل الإنساني، ولن يمر هذا الحدث مرور الكرام أمام أعيننا دون إبراز الدور الإيجابي لمصر؛ وهي من هي في مختلف ميادين العمل الإنساني، سواء محليًا، أو إقليميًا، أو دوليًا، ومن ينكر ذلك فهو إما جاهل أو حاقد أو متكبر مغرور.
هذا جد مهم وعمل رائع أن نخصص يومًا لمثل هذه الاحتفالات، والأروع من ذلك أن تحتفي كل دولة بطريقتها الخاصة، المهم أن يكون هناك تقدير لكل من يشارك في عمل إنساني؛ سواء عمل فردي أو جماعي في نطاق ضيق، أو عمل إنساني مؤسسي، وفي اعتقادي أن يكون هذا العمل تحت إشراف مؤسسي هو الأفضل؛ منعًا لإثارة الشبهات حول من يقومون بمثل هذه الأعمال.
فإذا ما كان العمل الإنساني تحت إشراف الدولة سيكون عملًا منضبطًا ومنظمًا، كالذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان، ووزارة التضامن الاجتماعي، وما ينبثق منها من مبادرات تحت رعاية رئيس الدولة كمشروع تكافل وكرامة، ومشروع الـ100 مليون صحة، وصناديق الرعاية الاجتماعية، وصناديق رعاية أسر الشهداء، ومصابي الحروب، والإشراف التام على رعاية ذوي الهمم (الاحتياجات الخاصة)، ودمجهم مع باقي أفراد المجتمع لتأهيلهم نفسيًا حتى لا يشعرون بأي عجز أصابهم أو لحق بهم، ليس هكذا فحسب، بل وإشراكهم فى البطولات الرياضية كل حسب قدرته وظروف حالته، ومد يد العون لهم.
فهذا جد مهم، ومهم جدًا لبناء دولة متكاملة الأركان تسعى قياداتها لتحقيق ما يسمى بالتوازن المجتمعي؛ مما يتحقق معه غاية المرام من بناء دولة تتحقق فيها قيم العدالة والخير والجمال.
أيضًا من مظاهر العمل الإنساني التي نراها رؤيا العين في مجتمعنا المصري، ونحن شعب مصر شعب بطبيعته ودود وعطوف، لنا عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الاجتماعية التي لا يمكن بحال من الأحوال أن نتنصل منها، نشاهد ذلك جليًا في سرادقات العزاء، الكل يشارك، الكل يساهم، الكل يواسي قدر طاقته، كذلك فى الاحتفالات بالمناسبات في المواسم والأعياد المسلم بجوار أخيه في الإنسانية أخيه في المواطنة، أخيه المسيحي، شاهدنا ذلك على موائد الرحمن، شاهدنا ذلك في عيد الاضحى، في كل المناسبات الوطنية.
شاهدنا الأعمال الخيرية في مشاريع تقوم على التبرعات بإشراف من الأوقاف والأزهر الشريف، زراعة نخيل الوقف، مشاريع سقيا الماء لتوصيل المياه إلى المناطق النائية، بناء دور العبادة.
رأينا العمل الإنساني في أبهى صوره، في احتفالات القوات المسلحة بيوم الشهيد وحضور فخامة الرئيس وإلتقائه بأبناء وذوي الشهداء واحتضانهم، ما أروع هذا العمل الإنساني، ما أروع أن نقدم لهذه الأسر الدروع التذكارية كدعم معنوي، بالإضافة إلى الدعم المادي عن طريق متابعة أبناء هذه الأسر ورعايتهم والتكفل بهم.
شاهدنا العمل الإنساني حتى وإن كان فرديًا، رأينا (العم ربيع) يقوم بوضع البرتقال على أسطح الشاحنات المتجهة إلى غزة العزة، غير مبالٍ بما سيكلفه ذلك، وشاهدنا برتقاله في أيدي الأطفال في غزة، وكأنه لسان حالنا جميعًا يقول لهم كلنا (العم ربيع)، جميعنا معكم، شاهدنا فرحة سائقي هذه الشاحنات وهم على المعبر بعدما أتتهم التعليمات بالدخول غير مبالين بهذا القصف الغاشم.
إن وجوه العمل الإنساني التطوعي كثيرة ومتعددة، سواء كان من يقوم به أفراد أو مؤسسات، فإن مثل هذه الأعمال ستكتب في صحائف حسنات من يقوم بها.
ما أجمل أن تدخل البهجة والسرور على المكلومين والثكالى والمرضى، ما أروعكم أبناء مصر وأنتم تزورون مستشفى سرطان الأطفال، ما أجملكم وأنتم تلعبون وتغنون مع مرضى القلب من الأطفال.
ما أروعكم أيها الأطباء الذين طببتم جراح أهل غزة في مشافيها، ما أروعكم يا من تتحملون برد الشتاء القارص، وأنتم تطهون طعام اللاجئين السوريين الذين هجرتهم الحرب، والنازحين من غزة الأبية.
إن تخفيف آلام الناس من بني وطنك، ومن بني عروبتك، أمر من الله تعالى، ودعوة من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
إن العمل الإنساني واجب وطني يؤجر عليه من يؤديه من الله قبل الناس، رأينا ذلك في حربنا المجيدة أكتوبر، عام ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين، حينما امتلأت المشافي بالجرحى الأبطال، حتى من لا يعلم التمريض ذهب للمساعدة، ذهبوا جميعًا للتبرع بالدم، حاملين باقات الورد في يد والحلوى في اليد الأخرى.
إن العمل الإنساني في كل صوره لخصته الآية الكريمة في قرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا).
فالمعيار الأعظم للعمل الإنساني في الإسلام، كون هذا العمل شرعه الله تعالى وحث عليه، سواء كان بالوجوب، أم بالاستحباب، قدر الاستطاعة، أم بالعمل المندوب، أو بالجواز والإباحة، فالعمل الإنساني قسمه علماء الأصول إلى واجب مفروض، ومستحب مندوب، ومباح جائز.
إن روح العمل الإنساني ضمنها "إيمانويل كانط" قائلًا: "عامل الإنسانية ممثلة في شخصك".
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان