ولدت د. مروة محمود في المملكة العربية السعودية، حيث كان والدها يعمل هناك لفترة قصيرة، ثم عادت لوطنها مصر مع العائلة وعمرها 3 سنوات حيث تلقت تعليمها المدرسي والجامعي في القاهرة، ودرست الهندسة وحصلت على درجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر (مع تخصص فرعي في إدارة الأعمال) من الجامعة الأمريكية، ثم حصلت بعدها على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر.. ومن هنا بدأت رحلة ناجحة وصلت فيها لجامعة كامبردج أحد أعرق الجامعات في العالم، وفي السطور التالية نتعرف أكثر علي أسرار هذه الرحلة.
هل كانت لديك ميول علمية منذ صغرك؟ أقصد هل التحاقك بكلية الهندسة بسبب رغبة قديمة أم بسبب تفوقك فى الثانوية العامة؟
نعم، منذ صغري كنت أعشق علوم الكمبيوتر، وبدأت البرمجة في المدرسة منذ سن مبكرة، وفي المرحلة الإعدادية قمت بتصميم برامج بسيطة وكنت أشارك في مسابقات وأفوز بها، بصراحة أحببت البرمجة وكنت متميزة في الرياضيات، لذلك كان الانضمام إلى برنامج علوم الكمبيوتر في الجامعة خطوة طبيعية.
كيف جاءتك فرصة السفر لاستكمال دراساتك والعمل فى بريطانيا؟
أشرفت على مشروع الماجستير الخاص بي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة د.رنا القليوبي، وهي خريجة سابقة بجامعة كامبريدج، لذلك بعد حصولي على درجة الماجستير، اقترحت عليّ أن أزور كامبريدج وأقدم رسالتي للدكتوراه، وبالفعل اتصلت بجامعة كامبريدج وقمت بزيارتها والتقيت بأشخاص في قسم علوم الكمبيوتر هناك، وبعد عودتي من هذه الزيارة تقدمت بطلب رسمي إلى كامبريدج لمتابعة درجة الدكتوراه هناك، وبعد ذلك استمرت رحلتي بالجامعة حتى الآن.
دكتورة مروة محمود
رغم تميزك فى البرمجة لكنك تخصصت فى الذكاء الاصطناعى وتقنياته.. هل السبب فى كونه أصبح يشمل كل التخصصات الحياتية كالطب والهندسة والإعلام والاقتصاد والفن؟
فعلاً .. فقد انبهرت بالذكاء الاصطناعي، وخاصة في فهم السلوك البشري، لقد عملت في مجالات تطبيقية متعددة ولكن ميزة هذا المجال أنه يثير دهشتك وأنت تتابع كيف تتطور التكنولوجيا كل يوم، كما أن عملنا مرتبط بجميع التخصصات في الحياة، فالذكاء الاصطناعي أداة قوية من شأنها إحداث ثورة في الكثير من مجالات التطبيق من الطب إلى الإعلام والاقتصاد.
من المؤكد أنك واجهت العديد من الصعوبات خلال حياتك بالخارج أو فى مسيرتك الأكاديمية، وكيف تمكنت من مواجهتها؟
بعد الانتقال للحياة بمفردك في بلد غريبة.. بالتأكيد تعيش تجربة صعبة، ولكنها ثرية جدًا، فالحياة في بريطانيا بعيدًا عن عائلتي جعلتني أتعلم كيف أكون مستقلة وأرتب تفاصيل حياتي بنفسي، وبصراحة التقيت بالعديد من الأصدقاء الرائعين من جنسيات مختلفة، وقد ساعدوني كثيرًا في أمور كثيرة، أيضاً في رحلة الدكتوراه، كان هناك الكثير من أساليب التعلم الذاتي والتحفيز لإكمال الدراسات، وبمرور السنوات تعتاد وتتأقلم مع كل الظروف.
أبحاثك تتركز فيما يعرف بـ "الرؤية الحاسوبية لمعالجة الإشارات الاجتماعية وتحليل السلوك البشرى"، ما المقصود بالتحديد ؟ وماذا عن الأبحاث التى أجريتها فى مجال الإيماءات العاطفية؟
تشير رؤية الكمبيوتر إلى استخدام البيانات المرئية (مثل الصور أو مقاطع الفيديو) لاستخراج معلومات ذات معنى، وعند تطبيقها على معالجة الإشارات الاجتماعية وتحليل السلوك البشري يمكن لخوارزميات الرؤية الحاسوبية التعرف على الإشارات المختلفة وتفسيرها، ببساطة.. تعبيرات الوجه وحركات الجسم والإيماءات كلها تنقل حالات عاطفية ونوايا وتفاعلات اجتماعية وظروف صحية مثل الألم أو بعض علامات القلق والاكتئاب، وفي بحثي المتعلق بالإيماءات العاطفية، استكشفت كيف تساهم لغة الجسد في التواصل العاطفي من خلال فهم هذه الإشارات غير اللفظية، مصحوبة بإشارات غير لفظية أخرى مثل تعبيرات الوجه والكلام، وعبر برامج الذكاء الاصطناعي يمكننا تعزيز قدرتنا على التعرف على العواطف وتفسيرها في سياقات ومجالات تطبيقية مختلفة.
أيضًا هناك مصطلح ربما يكون غير منتشر هنا فى مصر وهو "الصحة الرقمية"، ما المقصود به؟ وكيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لعلاج الأمراض النفسية مثلاً ؟
الصحة الرقمية تشير إلى استخدام التقنيات التكنولوجية لأغراض الرعاية الصحية، وتشمل تطبيقات الهواتف الذكية، والأجهزة التي يمكن ارتداؤها (مثل أجهزة تتبع الخطوات، وأجهزة قياس معدل ضربات القلب)، والمنصات التي توفر الرعاية الصحية عن بعد، وتعمل هذه الأدوات على تعزيز الخبرات الصحية، ويمكن بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في علاج الحالات النفسية من خلال التنبؤ والتشخيص بشكل أفضل وبدقة أكبر، وكذلك التدخلات الرقمية .. بمعني أن تطبيقات الويب والهواتف الذكية توفر رعاية نفسية لأي شخص من خلال تتبع سلوكه بدقة وسرعة، أيضاً هناك ما يعرف بـ" التنميط الظاهري الرقمي" وقمت بالفعل بأبحاث في هذا المجال، وهو يشمل بناء نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل الأنماط السلوكية من خلال بيانات رقمية، وهدفها فهم الصحة العقلية بشكل أفضل والمساعدة في تشخيص دقيق.
تتخصصين في مجال فريد من نوعه، وهو علوم الكمبيوتر وتأثيرها على الإنسان، فى رأيك.. هل بعض هذا التأثير كان سلبياً فى العلاقات الإنسانية رغم التأثيرات الإيجابية الكبيرة للتكنولوجيا؟
مثل أي اختراع جديد في تاريخ البشرية، يمكن أن يكون للتكنولوجيا تأثير سلبي، وتم الإبلاغ عن أن وسائل التواصل الاجتماعي- على سبيل المثال- هي السبب في الكثير من العزلة والوحدة وأمراض نفسية وقلق واكتئاب، لكن طريقة استخدامنا هي السبب، ومسئوليتنا ليست فقط ابتكار التقنيات الجديدة، بل تقليل الآثار الجانبية وتوعية البشر كذلك.
لدى البعض مخاوف بشأن الذكاء الاصطناعى الذى قد يمثل فى مرحلة ما خطراً على البشر أنفسهم.. هل لا تزال هناك فرصة لوضعها تحت السيطرة؟
بالطبع، أنا متفائلة جداً ولا أحب المبالغة، فقد أصبحت الأخلاقيات- خاصة النزاهة والعدالة- ضمن أساسيات أبحاث الذكاء الاصطناعي التي يجريها الأكاديميون، أي نتحدث عن "الذكاء الاصطناعي المسئول"، وتحتاج الحكومات والمنظمات إلى اللوائح والمبادئ الأخلاقية لتوجيه ممارسات الذكاء الاصطناعي، وعلى سبيل المثال، يمثل قانون الذكاء الاصطناعي الصادر مؤخراً عن الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة كأول تشريع رسمي ينظم التكنولوجيا التي تم تطويرها تحت مظلة الذكاء الاصطناعي.
لديك اهتمامات بحثية بفهم سلوك الحيوانات ومشاعرها وكيفية إحساسها بالألم والتنبؤ بأمراضها، كيف يتم ذلك من خلال الذكاء الاصطناعى؟
على غرار فهم السلوك البشري، يمكن استخدام رؤية الكمبيوتر لتحليل الإشارات الرقمية (السمعية والمرئية من بيانات الفيديو) لتحليل سلوك الحيوانات، وباستخدام التعلم الآلي والتعرف على الأنماط يمكننا التعرف على علامات الألم والمرض، فمثلاً.. قمت بتطوير أداة برمجية معقدة يمكنها التنبؤ ببعض الأمراض البيطرية من خلال تحليل إشارات وحركات وجه الحيوان، فلدى الحيوانات عواطف ويمكن أن تشعر بالألم والضيق، وتظهر التغييرات في سلوكها والتي يمكن التقاطها والتعرف عليها تلقائيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي.
بناءً على خبرتك، هل ستنتشر شرائح إيلون ماسك الذكية على نطاق واسع خلال السنوات القادمة؟ وهل يمكن اعتبارها نوعا من الذكاء الاصطناعى التوليدى أم أن الأمر أخطر من ذلك؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي يشير إلى النماذج التي تنشئ محتوى جديدًا (مثل النصوص أو الصور أو الموسيقى) بناءً على الأنماط المستفادة من البيانات الموجودة، مثل برنامج ذكي يمكنه رسم لوحة تشبه تماماً أسلوب فنان معين .. وذلك بناء علي تزويده بمئات اللوحات السابقة لهذا الفنان، لكن شرائح Neuralink أو رقائق الدماغ تركز على الاتصال ثنائي الاتجاه بين الدماغ والأجهزة الخارجية، مثل التحكم بالأفكار في شاشة كمبيوتر مثلاً، وبالتالي كلاهما يتضمن تكنولوجيا متقدمة، إلا أنهما يخدمان أغراضًا مختلفة .. فشركة إيلون ماسك تعمل على تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة، في حين الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه ابتكار محتوى جديد.
بالمناسبة، من خلال البحث وجدت لك صفحات خاصة فى كامبريدج وأيضأً جامعة جلاسكو، أين تعملين حاليا بالتحديد؟
أشغل الآن منصب زميل زائر بجامعة كامبريدج، وفي الوقت نفسه عضو هيئة التدريس في جامعة جلاسكو كأستاذ مساعد في تقنيات الذكاء الاصطناعي.