Close ad

التعليم والوطن والمستقبل

20-8-2024 | 15:01

يعد استمرار النقاش المجتمعي حول التعليم والقضية التعليمية ظاهرة صحية، حتى وإن شاب تلك النقاشات بعض الاختلافات، وعدم الاتفاق الكلي على ملامح واحدة تحقق الأهداف المنشودة من وجهة نظر كل صاحب رأي في هذا الشأن، ذلك أولًا لأن الجدلية المحمودة بين الفئات المجتمعية والمتخصصين من شأنها أن توجد مسارات مضيئة أمام تلك العملية المهمة والضرورية في سياق بناء الإنسان والأمم.

وإذا ما أقررنا حقيقة التعليم كسبيل رئيسي نحو التنمية الذاتية وطريق يمهد لمستقبل المجتمع فالدولة فالوطن، فإن هذا الاهتمام المستمر بالقضية يكون اهتمامًا في محله، حيث يستهدف بلوغ الاستنارة الفكرية، والتطور، وتثبيت أقدام الفرد من خلال تنشئة علمية سليمة، تساعده على أن يكون حجر الزاوية في جيل متعلم وقادر على تحمل المسئولية والريادة، وواجهة تعبر عن وطنه وهمومه وتحدياته وتطلعاته. بل وتكشف صورة واضحة ومطمئنة نستشرف من خلالها ملامح مستقبل قريب وبعيد، مما يجعلنا نؤمن بأنه سيكون مستقبلًا واعدًا.

ومن هذا التصور الموضوعي، يمكن الوقوف على متطلبات هذه القضية المهمة في أي مجتمع، لتواكب مسارات هذه المتطلبات المسارات التنموية التي تتحرك فيها الدولة، فإذا كان سوق العمل معيارًا ضروريًا -وهذا حق- في ترتيب مسار العملية التعليمية، فمن الضروري مع الإقرار بهذه الحقيقة إدراك جدلية العلاقة بين التعليم وسوق العمل، إذ لا أسبقية لأحدهما على الآخر، بل علاقة تفاعلية، بمعنى أن طرائق التعلم المستحدثة قد تخلق مجالًا عمليًا جديدًا يجد بيئة مناسبة وتميزًا في مجتمع ما.

كما أن المجالات العملية المتاحة بالفعل، والتي تمثل ركائز في مسار التنمية، تتطلب تعليمًا لائقًا متخصصًا يدعمها ويؤكد هذا التميز بمرور الوقت. وهنا يحضرني تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، جاء فيه أن الشباب في الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا كانوا الأعلى بطالة قبل عام 2019، وخصوصًا أصحاب المؤهلات الجامعية، ويرجع ذلك إلى تمسكهم بالحصول على فرص عمل تناسب مؤهلاتهم الدراسية. لكن التقرير ذاته أكد أن هناك انخفاضًا في معدلات البطالة في الربع الثاني من عام 2019 بسبب توافر عدد كبير من فرص العمل في المشروعات القومية الكبرى التي نفذتها الدولة، وبعيدًا عن تخصص هذا العمل، لكنها إشارة واضحة إلى فكرة التناسق والترابط بين التعليم والعمل، وضرورة التكيف في حالة منتجة وناجعة تتوافق مع الحراك المستمر للدولة نحو التنمية والبناء، منذ انطلاق الرؤية التنموية العملاقة التي تسابق الزمن، وصولًا إلى صورة مصر 2030، والتي تتفق مع المعطيات والقدرات الحقيقية للدولة، من واقع الموارد البشرية أولًا، والتي يأتي في مقدمتها الشباب، وخصوصًا أصحاب التجارب التعليمية المتميزة، وكذلك الموارد الطبيعية تاريخيًا وجغرافيًا.

وبالتالي، رأينا اليوم تلك المجالات العديدة، المواكبة للتحديات العالمية والمناسبة أولًا للبيئة المصرية وآفاق التطلعات، مثل التكنولوجيا، والطاقة، والصناعات المختلفة والحديثة، والزراعة، والتجارة، والاستثمار، والمشروعات الصغيرة، والاستزراع السمكي، والطاقة المتجددة والطاقة بشكل عام، وغيرها الكثير من المجالات التي يمثل التعليم العامل المشترك الأساسي فيها. كما ترتبط بوشائج طبيعية؛ فالطاقة مثلًا تستفيد من التكنولوجيا، وكلاهما يفيدان الصناعة والزراعة، وهكذا.

إذن لسنا بحاجة إلى التعقيد ونحن نناقش ضروريات قضية التعليم، بقدر ما أننا بحاجة إلى فهم المواكبة والتخلص من أي إرث يمثل عائقًا أمام انسيابية تلك العملية لتبني صاحبها أولًا، وليساهم بدوره وعلمه في بناء وطنه، فلا حاجة لنا إلى تكديس حقائب المدرسة بما يثقل كواهل التلاميذ، ولا حاجة لنا بتكديس المناهج وزحام المواد التي تشتت العقول وتجعل الانتباه يتوجه إلى طرق حصد الدرجات بالتلقين لا بالتفكير، ومن ثم ضياع القيمة الفعلية لأثر التعليم.
 
نحن بحاجة إلى التركيز وفهم متطلبات الوقت الراهن والمستقبل، وكذلك إعطاء التجربة الجديدة فرصتها كاملة، بحيث لا يكون الطلاب فئران تجارب، ونفاجأ بأجيال مشوهة ومتخبطة، إننا نحتاج حقًا إلى فرصة كاملة ترسم ملامح واعية للحظة الحالية، وتعد شبابًا مجتهدين يتميزون ويحرزون النجاحات التي تجعلهم يشيعون تطلعاتهم لأنفسهم ولوطنهم، ويكونوا كوادر مؤهلة وقادرة على المنافسة في سوق العمل المتغيرة، ومن ثم تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة